كتاب عربي 21

تركيا وطريق الحرير للطاقة

1300x600

شهدت تركيا يوم الثلاثاء حدثا تاريخيا ومنعطفا جديدا في طريق التنمية وإنجاز المشاريع العملاقة، فقد تم افتتاح مشروع "تاناب" لنقل الغاز الأذري من بحر قزوين إلى أنحاء أوروبا، عبر الأراضي التركية، وبدأ تدفق أول دفعة غاز عبر هذا الخط خلال المراسيم الرسمية التي أقيمت في قضاء سيد غازي بمحافظة أسكي شهير، وسط البلاد، بمشاركة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف، بالإضافة إلى الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، والرئيس الصربي ألكسندر فوشيتش، ورئيس جمهورية قبرص الشمالية التركية مصطفى آكينجي.

طريق الحرير يطلق على طريق التجارة التاريخي الذي ربط آسيا وأوروبا لمئات السنين، وخدم في نقل الحرير والتوابل والبخور والعطور وغيرها من السلع والمنتجات، بالإضافة إلى تبادل العلوم والثقافات. وكان ذاك الطريق التاريخي يعبر من أراضي الأناضول التي تشكل جسرا طبيعيا بين القارتين آسيا وأوروبا. ومن هنا، جاء إطلاق "طريق الحرير للطاقة" على خط أنابيب الغاز الجديد الذي يربط آسيا وأوروبا.

 

تركيا حققت خلال السنوات الأخيرة قفزة كبيرة في التنمية، ولكن حاجتها للطاقة تكبر يوما بعد يوم لضمان استمرار نموها الاقتصادي. وهذا ما يدفعها إلى البحث عن الحلول والبدائل، في ظل افتقارها لمصادر الطاقة الطبيعية


كانت تركيا وأذربيجان قد افتتحتا في وقت سابق الخط الحديدي "باكو- تبليسي - قارص" الذي أطلق عليه "طريق الحرير الحديدي"، وانطلقت أول رحلة عليه في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2017، لتشكل محطة هامة في مسيرة تطوير التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا، وتعزز دور تركيا فيها.

تركيا حققت خلال السنوات الأخيرة قفزة كبيرة في التنمية، ولكن حاجتها للطاقة تكبر يوما بعد يوم لضمان استمرار نموها الاقتصادي. وهذا ما يدفعها إلى البحث عن الحلول والبدائل، في ظل افتقارها لمصادر الطاقة الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي. ومن تلك الحلول المتاحة، استغلال موقع البلاد الجيو- استراتيجي لجعل تركيا جسرا حيويا لعبور الطاقة؛ من الشرق الغني بها إلى الغرب الذي يحتاج إليها بإلحاح.

خطوط الأنابيب كخط باكو- جيهان، وتاناب، والسيل التركي، تستفيد منها تركيا من نواح سياسية واقتصادية. وهي تنوع مصادر الطاقة للبلاد، كما تجعل أمن الطاقة الأوروبي مرهونا بأمن تركيا واستقرارها. ومن خلال هذه المشاريع، ستكون لتركيا كلمة في تحديد أسعار الطاقة، على الرغم من أنها لا تملك مصادرها.

 

خطوط الأنابيب كخط باكو- جيهان، وتاناب، والسيل التركي، تستفيد منها تركيا من نواح سياسية واقتصادية. وهي تنوع مصادر الطاقة للبلاد، كما تجعل أمن الطاقة الأوروبي مرهونا بأمن تركيا واستقرارها

استكمال مشروع "تاناب" قبل موعده المحدد وبتكلفة أقل من المتوقعة، يضاف إلى سلسلة النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ توليه للحكم في البلاد قبل حوالي 16 سنة. ويتوقع أن ينقل من الغاز الطبيعي عبر هذا الخط سنويا ستة مليارات متر مكعب إلى تركيا و10 مليارات مكعب إلى أوروبا، وسيتم رفع قدرة الخط حسب الطلب إلى 31 مليار متر مكعب.

 

من البدائل التي يمكن أن يقلل اعتماد تركيا على الطاقة المستوردة، بناء محطات نووية لإنتاج الكهرباء


تركيا تسعى جاهدة في جميع الاتجاهات لتأمين حاجتها للطاقة والتقليل من الاعتماد على الخارج. ومن الخطوات التي تم تقديمها في هذا الإطار، إرسال سفينة "فاتح" محلية الصنع؛ إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط، لإجراء عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه العميقة. وتشدد أنقرة على أنها ستقوم بحفظ حقوق البلاد في البحر الأبيض مهما كان الثمن.  

ومن البدائل التي يمكن أن يقلل اعتماد تركيا على الطاقة المستوردة، بناء محطات نووية لإنتاج الكهرباء. وتم الإعلان في نيسان/ أبريل الماضي، عن بدء العمل لبناء أولى تلك المحطات خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا. وهي محطة "آكويو" التي ستبنيها روسيا بالقرب من مدينة مرسين التركية، بناء على اتفاقية أبرمت عام 2010 بين البلدين. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل هذه المحطة عام 2023، في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. 

استراتيجية تركيا في المرحلة المقبلة هي العمل الدؤوب لرفع مستوى الاعتماد على مصادر الطاقة المحلية قدر الإمكان حتى تصل إلى هدفها المنشود، وهو الاكتفاء الذاتي في تأمين الطاقة. وبالإضافة إلى مشاريع خطوط الأنابيب والتنقيب عن النفط والغاز، هناك مشاريع أخرى لجعل تركيا مركزا لتكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية.