صحافة دولية

مضاوي الرشيد: هذا هو سر تنافس السعودية مع إيران

الرشيد: استخدم ابن سلمان التنافس مع إيران لخدمة أهدافه المحلية- أرشيفية

كتبت الباحثة والمؤرخة المتخصصة في الشؤون السعودية مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز"، تتساءل فيه عن العوامل التي تغذي التنافس السعودي مع إيران

 

وتقول الكاتبة إن "الحكومة السعودية، خاصة ولي عهدها القوي الأمير محمد بن سلمان، غالبا ما يتحدثون عن الوقوف أمام مخاطر التهديد الإيراني، ورغم هذا الحديث، إلا أن السياسة الخارجية المنبعثة من الرياض غالبا ما تدفعها السياسات المحلية".

 

وتضيف الرشيد في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، أن "الأمير محمد يعلم أن عدوا خائفا هو مفتاح قوته، حيث تأرجحت العلاقات بين السعودية وإيران خلال العقود الماضية بين اللامبالاة والعداء والتقارب والتوتر، وعلى ما يبدو، فإن الأمير محمد مصر على زيادة التنافس مع إيران، في وقت يواصل فيه التعبير عن مظاهر قلق الرياض من التوسع الإيراني في العالم العربي وأبعد منه". 

 

وتجد الباحثة أن "العوامل وراء مواصلة هذا النزاع كامنة في السياق المحلي، حيث استخدم ولي العهد التنافس مع إيران لحرف النظر عن التعقيدات، والغموض الذي يواجهه على الصعيد المحلي، والأمر ذاته ينطبق على إيران".

 

وتشير الرشيد إلى أن "إيران كانت بعد الثورة الإسلامية مصممة على تصدير نموذجها من الثورة، وعندما أصبحت جمهورية إسلامية نظر الإسلاميون السنة بعين حاسدة لانتصار الإسلاميين الشيعة، وصمموا في هذه الحالة على بناء نسختهم من الدولة الإسلامية، وقامت السعودية بنشر الوهابية في أفريقيا وآسيا وحتى أوروبا، وتنافس البلدان في معركة حامية حول كسب المسلمين، حيث دعم شيوخ السعودية خطابهم المعادي للشيعة، ورد الإيرانيون بالتقليل من البعد الشيعي، ولعب ورقة الجامعة الإسلامية، ومعاداة الإمبريالية والغرب لجذب المسلمين".

 

وتبين الكاتبة أن "هذا كان بعد الثورة الإسلامية، أما اللحظة الحالية فهي مختلفة، فالأمير محمد يحاول عزل إيران لحرف التركيز عن التحديات المحلية، ويقوم بتدعيم حكمه ومركز السلطة في يده؛ حتى يكون قادرا على اتخاذ القرارات بنفسه، وبهذه الطريقة فإنه يهمش عددا من الأمراء الطامحين ويستبعدهم". 

 

وتلفت الرشيد إلى أنه "يشعر بالقلق، كما يظهر عزله لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وقائد الحرس الوطني متعب بن عبدالله، وسجنه الوليد بن طلال في حملة (مكافحة الفساد)، فتهميش وإهانة الأمراء البارزين يطاردان الأمير الشاب وإخوانه وأبناء عمومته الكثر الناقمين، ولا أحد يعرف تداعيات هذا كله".

 

وتقول الباحثة إن "المظالم السياسية، وغياب المساواة، والبطالة بين الشباب، هي من أهم القضايا والأكثر إلحاحا وقلقا للسعودية ودول الخليج الأخرى، بل إن الرئيس باراك أوباما قام بتذكير القادة السعوديين والخليجيين بهذه الحقيقة، إلا أن السعوديين لم يقبلوا أبدا تقييمه، وظلوا يضغطون على الولايات المتحدة لضرب إيران". 

 

وتفيد الرشيد بأن "الأمير محمد يهدف من تصعيد الخطاب الشعبوي المعادي لإيران، ووعوده بوقف تأثير الإيرانيين في البحرين والعراق واليمن وسوريا ولبنان، إلى خلق وضع يشبه الحرب، ويتم من خلاله قمع القوى المعارضة للنظام كلها، ويتجاوز النقد المحلي لسياساته بتذكير الأمراء المهمشين والناس العاديين بأنه يخوض حربا وجودية ضد إيران، التي يحملها مسؤولية الاحتجاجات بين الشيعة السعوديين في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، فيما يتهم السعوديون المواطنون الشيعة بأنهم عملاء لإيران، وعادة ما يتم إسكات المعارضين السنة للسياسات المحلية من خلال التذكير بحالة الحرب مع إيران والحروب الأخرى، خاصة الحرب الأهلية في اليمن".

 

وتذكر الكاتبة أن "السعوديين ينظرون إلى عودة التأثير الإيراني باعتباره إحياء للقومية الفارسية القديمة، ومن خلال تضخيم التهديد الإيراني يقوم الأمير محمد بتكبير دوره بصفته منقذا للسعودية والعالم العربي بشكل عام من (التفريس) و(التشييع)".

 

وتذهب الرشيد إلى أن "العداء لإيران يعطي المبرر للأمير لإجراء تحولات أيديولوجية، التي أعلن عنها الأمير عام 2015، وبمباركة من والده الملك سلمان، ففي ظل الملك الحالي بدأ السعوديون باستبدال الرابطة الوهابية بالوطنية السعودية الشعبوبة، التي تميل للحرب، وتقف أمام تهديدات التوسع الإيرانية والقومية الشيعية العدوانية، ومن هنا فإن التنافس مع إيران يعمل على تقوية التضامن/ الرابطة الوطنية السعودية، فيما ينظر السعوديون إلى الحرب الوحشية في اليمن، الذي تدعم فيه إيران الحوثيين، على أنها رد ضروري في معركة البقاء للأمة السعودية وهيمنة العروبة ضد (الفرسنة)".

 

وتنوه الباحثة إلى أن "التفوق الاقتصادي السعودي يعتمد على محافظة المملكة على حصتها المهمينة في سوق النفط، والترويج لنفسها على أنها المكان الجيد للاستثمار العالمي في المنطقة، وتنظر السعودية إلى إيران، وهي منتج للنفط، من خلال عدسات المنافسة، بل إن السعودية تحاول إضعاف الاقتصاد الإيراني تحت ضغط العقوبات، ولن تسمح بأي محاولات تعاون على المستوى الإقليمي، بشكل يوفر المصادر البشرية والمنتجات الإيرانية في منطقة الخليج، وتستبعد خطة الأمير 2030، التي تهدف إلى فطم السعودية عن النفط والقيام بتطوير اقتصادي في مجالات أخرى، إيران، وفي الوقت ذاته تحاول التعاون ودمج الجهود مع الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر وربما إسرائيل".

 

وترى الرشيد أن "التنافس مع إيران يرتبط بعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، فأي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، مثل الاتفاقية النووية التي وقعها أوباما، ينظر إليه نظرة شك وبكونه تهديدا لموقع السعودية، بصفتها وكيلا رئيسيا للولايات المتحدة في المنطقة". 

 

وتقول الكاتبة إن "السعودية وإيران تعاونتا أثناء الحرب الباردة ضد الخطر السوفييتي، واتفقتا على تقاسم الجهود: إيران توفر القدرات العسكرية، والسعودية توفر الخطاب الديني والتمويل ضد السوفييت، ومنذ ذلك الوقت حسّنت المملكة من قدراتها العسكرية، وحاولت تقديم نفسها على أنها القوة الإقليمية الوحيدة الموالية والمستعدة لملاحقة سياسات تخدم المصالح الأمريكية، وعليه فإن أسوأ كوابيس المملكة هي تخلي أمريكا عنها لصالح حليف إقليمي جديد". 

 

وتشير الرشيد إلى أن "الأمير محمد بن سلمان زاد من خطابه المعادي لإيران وشيطنتها خلال زياراته المتكررة للولايات المتحدة، فحمّل إيران مسؤولية انتشار التشدد في السعودية، والإرهاب العالمي، وظهور تنظيم الدولة في العراق وسوريا، حيث أدى التأثير الإيراني في هذين البلدين إلى صعود الشيعة، وتهميش السكان السنة، وحمّل إيران مسؤولية إنشاء مليشيات طائفية، قامت بترويع السكان السنة في العراق وسوريا، ووصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بهتلر". 

 

وتعتقد الكاتبة أن السعودية، ولأسباب تتعلق بالوضع الداخلي، تحاول منع عودة إيران إلى المجتمع الدولي، مشيرة إلى أن الأزمة بين البلدين لن تخف إلا في حالة اختفت مظاهر القلق الداخلية أو تم تحييدها. 

 

وتختم الرشيد مقالها بالقول إنه "ربما يظهر عالم جديد عندما تشعر المملكة بالأمان، وتتحرك نحو حكومة تمثيلية تحل مشكلاتها من خلال التوافق، لا لوم الأعداء الخارجيين".