مقالات مختارة

الزمن هو المشكلة وهو الحل

1300x600

لا حاجة لانتظار أن تعلن الإدارة الأميركية عن مضمون «صفقة القرن»، فلقد قرأ الفلسطينيون مبكرا المكتوب من عنوانه، واتخذوا موقفا واضحا، يمليه عليهم التزامهم بحقوقهم، وبقرارات الأمم المتحدة، التي تستهدفها «صفقة القرن» بالتصفية. 

يبدو أن لدى ترامب الكثير من صفقات القرن التي لا تتوقف على تصفية القضية الفلسطينية، بل تتعدى ذلك لتصفية العديد من الملفات التقليدية التي شكلت خلال العقود السابقة، أعمدة السياسة الأميركية.

لدى إدارة ترامب صفقة تتعلق بسورية، وتستهدف نشر قواعد عسكرية ثابتة فيها، ومواصلة التدخل، لتفكيك الدولة السورية. 

ولدى إدارة ترامب، صفقة تتصل بعلاقاتها مع أوروبا، التي تزداد توترا، بعد أن هدد ترامب بفرض ضرائب على السيارات الأوروبية التي تدخل إلى السوق الأميركية، وقبل ذلك كان قد حذر أوروبا من أن عليها أن تدفع ثمن الحماية الأمنية الأميركية.

ولدى الإدارة الأميركية صفقات ذات طبيعة عدوانية تجاه روسيا، والصين اللتين اعتبرهما ترامب، الخصم الأول للولايات المتحدة، وصفقة أخرى في مواجهة كوريا الشمالية، وإيران هذا عدا عديد الصفقات في العلاقات الخارجية، وأخرى لتصفية إرث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بخصوص الوضع الداخلي الأميركي.

طفرة من جنون العظمة الكاذبة، تجارة جنون العظمة التي تعبر عنها، الطغمة اليمينية الحاكمة في إسرائيل، قد تؤدي إلى توسيع دائرة الحروب الدامية والصراعات من كل نوع. 

لقد أحسن الفلسطينيون القراءة، واتخذوا ما يلزم نظريا لحماية حقوقهم، لكنهم حتى الآن فشلوا في اتخاذ ما يلزم من قرارات وخطوات وإجراءات لتعزيز قدرتهم على المواجهة والصمود ما يمنحهم الفرصة للمراهنة على الزمن، الذي يبشر بتراجع قوة ونفوذ وأدوار التحالف الأميركي الإسرائيلي.

مفتاح السر، في رسم السياسة هذه الأيام هو الزمن، فإن تأخرنا في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، علينا أن ندفع الثمن، وإن استبقنا الوقت المناسب نندفع نحو مغامرات غير محسوبة، وأيضا مدفوعة الثمن. 

القرار الفلسطيني إزاء «صفقة القرن»، في الوقت المناسب، وهو يستقطب أطرافا عديدة في المجتمع الدولي، والأرجح أن تتسع عملية الاستقطاب لصالح التضامن والدعم للقضية الفلسطينية كلما أوغلت الولايات المتحدة في تنفيذ صفقاتها، غير أن الفلسطينيين لم يدركوا مدى أهمية عامل الزمن الذي هو المسؤول الأساسي عن فشل جهود المصالحة، لن يفيد كثيرا، مطالبة الوفد الأمني المصري، بالإعلان عن الطرف الذي يتحمل المسؤولية عن تعطيل الجولة الراهنة من العمل لتحقيق المصالحة. 

إذا تجاوزنا الحديث عن مسؤولية الطرف الذي أقدم على ارتكاب جريمة الانقسام، وذلك أمر لا ينبغي إهماله، فإن حركة فتح تأخرت كثيرا في العمل من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، أحد عشر عاما من الانقسام، لم تتوقف خلالها حركة حماس عن تعزيز قوتها وسيطرتها على كل مفاصل الحياة، ومقدرات قطاع غزة، وخلق وتعزيز مراكز قانونية صلبة، وتشكيل جيوش من الموظفين، والعسكر ما يشكل عقبات حقيقية أمام المصالحة.

من العبث مطالبة حماس بالتخلي كليا عن كل ما تحوز عليه من إمكانيات وعناصر القوة، ولا يمكن لعملية التمكين وفق المنطق المعمول به، أن تتحقق في ظل الوضع القائم. 

يتحدث كل طرف عن اتفاق ويطالب الطرف الآخر الالتزام بالتنفيذ، ولكن يبدو أن كل طرف يتحدث عن رؤيته الخاصة لما ينبغي على الطرف الآخر أن يفعله ويقدمه.

الثقة غير متوفرة إطلاقا بين الطرفين، ولا أحد يستطيع أن يقدم ضمانات للأطراف في غياب الاتفاق التفصيلي الشامل بينهما. 

يبدو هكذا أن اتفاق القاهرة الذي تم التوصل إليه قبل سبع سنوات، ويطالب الجميع بتنفيذه، لم يعد صالحا لردم الهوة بين الطرفين.

سأفترض أن حركة حماس سلمت كل الملفات، وقدمت للحكومة كل التسهيلات، لممارسة صلاحياتها وعملها ومسؤولياتها في قطاع غزة فهل سيؤدي ذلك إلى التمكين؟ في أول الملفات والذي يتعلق بالموظفين ظهر خلاف حاد من الصعب تجاوزه فالحكومة تتحدث عن إمكانية استيعاب عشرين ألفا، فيما تتحدث حماس عن أنها لن تتخلى عن الخمسة وثلاثين ألف موظف مدني وعسكري على الحكومة أن تتحمل المسؤولية عن حياتهم.

هذا ملف ربما الأصل فيه أنه يحتاج إلى تغطية مالية، قد تتوفر من هذا الطرف أو ذاك ولكن كيف سيكون شكل المؤسسة الحاكمة حين تقوم تركيبتها على المحاصصة بين تابعي فتح وحماس من الموظفين؟

ولو وضعنا جانبا ملف المقاومة والسلاح، إلى ما بعد تحقيق خطوات أكيدة على طريق المصالحة، فهل سيكون سهلا أو ممكنا فتح ملف معقد مثل ملف الأراضي، الذي ترفض الحكومة إعطاء شرعية للتصرف بها من قبل حركة حماس؟ والأسئلة كثيرة والإجابات عنها قليلة أو غير مشجعة بما في ذلك، الشك في إمكانية أن يتحلى الطرف المصري بالصبر والمثابرة الميدانية كما يحصل اليوم. 

إذا هو الزمن مرة أخرى، فبقدر الحاجة للاستعجال في البدء بخطوات متدرجة لإنهاء الانقسام، فإن الصبر مطلوب من قبل كل الأطراف، شرط أن تتوفر آليات ومرجعيات وطنية لمواكبة العملية التي سيطول أمرها حتى تتحقق الوحدة الوطنية.

إذا ربما كان الأهم التوافق السياسي، وهو أمر ممكن في ضوء المخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية، ثم الاتفاق على مرجعيات وطنية جامعة للكل الوطني، من نوع حكومة وحدة وطنية، وقيادة إنقاذ وطني أو المرجعية القيادية المؤقتة لتفعيل منظمة التحرير، إلى أن تجري الانتخابات العامة التي ستقدم الآلية المناسبة لإعادة بناء الحالة الفلسطينية برمتها. 

وفي السياق، لا بد من أن تبدي الأطراف استعدادا حقيقيا لتقديم تنازلات، وتحمل بعض الأعباء انطلاقا من مسؤولية كل طرف عن وقوع الانقسام واستمراره كل هذا الوقت.

الأيام الفلسطينية