هذه الحالة من اللا مبالاة التي تلمسها لدى الناس. حالة من الإرهاق تشبه تلك التي تصيب العدائين في نهاية المضمار حيث يبلغ التعب منهم منتهاه فيستلقون على ظهورهم غير عابئين بأي شيء إلا أن يحصلوا على قسط من الراحة. سباق لم يفز فيه أحد حتى الآن، ربما كانت له أشواط فيما بعد ولكنه انتهى بلا شيء بل إنك حتى لا تستطيع أن تجزم إن كان انتهى بالتعادل و(اللا شيء) فعلاً أو إن كان هناك من أطلق صافرة ما ليوقف السباق فجأة ليلتقط اللاعبون أنفاسهم. النتيجة على أي حال شديدة الغموض. الخاسر الوحيد منها هو الانقلاب العسكري.
صحيح أنه لم يفز أحد فلا الشعب استطاع فرض إرادته ولا المعسكر المناهض للانقلاب تمكن من إقناع الشعب بأن يسلمه قيادته ولكن الانقلاب لم يحظ برضا الناس. صحيح أن الانقلاب يسيطر على مصر ويمارس سلطته على كل ما يمكن أن يعتبر مظهراً من مظاهر الدولة ويبدو للجميع كحكومة بقوة الأمر الواقع غير أن الناس لا تريده.
صحيح أن الانقلاب يفرض إرادته يومياً وينفذ قرارات رفع الأسعار ويرفع الدعم عن هذا ويفقر ذاك ويشطب يومياً شرائح مجتمعية جديدة من سجلات الأمان الاجتماعي ويلقي بها إلى المجهول دون أن تتمكن هذه الشرائح من إبداء أي اعتراض يُذكر، لكن الناس لم تعد تحتمل.
تشعر بهذا وترصده في زفرات الناس وأنّاتهم، تراه في ملامح تلك الوجوه التي تعبر أمامك لماماً في لقطة من مقطع فيديو هنا أو هناك. هذه الملامح اللا مكترثة وهذه الوجوه المحايدة فاترة التعبيرات التي تنبئ بعاصفة وراءها تنتظر من يطلقها ويحسن توجيهها.
يبدو الانقلاب الآن كمن يكلم نفسه. فهو يحتفي بإنجازاته الوهمية وحده. ويقف عسكري الانقلاب ليفتتح شيئاً ما ويزهو بمعدلات ما ويحدث جمهوراً وهمياً ما عن أرقام شبحية ما تحققت بفضل مجهودات لا مرئية ما نقلت مصر إلى مرتبة ما. يقف ليفتتح خط إنتاج جمبري أو يدشن مصنع تغليف كابوريا أو مطعم وجبات شعبية مطلاً على الناس ليحدثهم عن أشياء ما وليطالبه بالصبر !!
يمكننا القول إن عسكري الانقلاب ومن معه يكلمون أنفسهم وإنهم أصبحوا معزولين عن الناس وإنهم ربما يدركون هذا ولكنها (حلاوة الروح) كما نقول باللهجة العامية المصرية. وأصبح أشد داعمي الانقلاب حماساً يتوارون عن أعين مخالفيهم حتى لا يتعرضوا لسخريتهم. وتلاشى رافعو شعار (أحسن من سوريا والعراق) ولم نعد نسمع لهم صوتاً.
بعض داعمي العسكر أدركوا في صمت أنهم قايضوا ما يمسكونه حقاً بأيديهم بهباء لا يُدرك. ولا شك أن الندم أصاب من كانوا يُمَنّون أنفسهم باستعادة مظاهر الدولة ووقف الفوضى التي كانوا يعتبرونها عرضاً من أعراض الثورة (دون أن يدركوا أن هذه الفوضى كانت من صنع العسكر لتأجيج الأجواء على الرئيس مرسي)، وقايضوا حريتهم بما ظنوه وقتها (بعضاً من الشدة لا يضر). ولا ريب أن التوقيع على استمارة تمرد أصبح ذكرى مشينة يريد أصحابها التخلص منها ويدعون الله ألا يتذكرها من حولهم ويختلسون نظرات ساخرة الآن إلى أنفسهم في المرآة بعيداً عن أعين الناس.
لا شك أن الانقلاب لم ينجح وإن سيطر على كل مفاصل الدولة، ولا شك أن الانقلابيين أنفسهم يدركون هذا وهم لذلك في سعي لا يتوقف لترغيب الشعب وترهيبه. لم ينجح الانقلاب حتى الآن ولو اختلفت طريقة إدارة الحراك المناهض للانقلاب، ولو أُدير من البداية بصورة أكثر وعياً وبطريقة مغايرة لطريقة محاولة الحشد عن طريق الحديث عن سعر كيلو الطماطم لربما كانت النتيجة الآن مختلفة.
لو كان الحراك المناهض للانقلاب أُدير بطريقة الثورة لا بطريقة المعارضة، لربما اختلفت النتيجة والكرة ما تزال في ملعب المعسكر المناهض للانقلاب على أي حال ولم تفت الفرصة بعد !
فقط نحتاج أن نفهم أن الانقلاب فشل في امتحانه الشعبي ولكنه سيظل موجوداً حتى يقرر المعسكر المناهض للانقلاب تغيير سياساته ومحاولة حشد الشعب بطريقة أخرى غير طريقة الحشد بالطماطم!!
صورة تذكارية بجانب قرار الأمم المتحدة