أفكَار

مواجهة قرار ترمب بـ"وعد الله" رفع للمعنويات أم بيع للأوهام؟

جيتي

يَكثر على ألسنة الخطباء والمتحدثين في المهرجانات والمسيرات الجماهيرية المنددة بقرار الرئيس الأمريكي ترمب القاضي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل استدعاء "وعد الله" المذكور في مطلع سورة الإسراء المتضمن لنبوءة زوال ملك بني إسرائيل والذي لم يتحقق بعد وفقا لتأويلات معاصرة لتلك الآيات.

وعلى خلاف ما ذهب إليه مفسرو القرآن القدامى من أن "إفسادي" بني إسرائيل المذكورين في آيات سورة الإسراء، وما تلاهما من إخبار الله بأنه سيبعث "عبادا لنا" يزيلون علوهم في المرة الأولى والآخرة قد وقعا قبل الإسلام، فثمة تفسير جديد يرى أصحابه أن الإفساد الثاني المصحوب بالعلو الكبير لم يقع بعد. 

وبناء على التفسير الجديد لنبوءة زوال ملك بني إسرائيل، فإن كثيرا من الخطباء والمتحدثين يستدلون بوثوقية تامة بتلك الآيات باعتبارها تتضمن وعدا إلهيا سيتحقق لا محالة، وبالتالي فإن جميع القرارات السياسية بما فيها قرار ترمب الأخير ستسقط وتزول لأنها تحدٍ لإرادة الله وأمره. 

لكن ثمة من يرى في ذلك النسق التفكيري ضربا من ضروب "بيع الوهم"، إذ من الخطأ الفاحش مقابلة "وعد الله" بـ"قرار ترمب" ليصار من بعدها إلى بث الاطمئنان في النفوس لأن وعد الله في النهاية سينتصر بحسب ما قاله الكاتب والباحث الإسلامي الأردني، إبراهيم العسعس في منشور له على الموقع الاجتماعي "الفيس بوك". 

ووفقا للعسعس فإن "الأمر ليس كذلك، لأن الوقائع لا تُقابل بالأقدار"، مضيفا "إن الحقائق تتحول إلى أوهام عندنا تُوظف في غير مكانها، فوعد ترمب يقابلنا نحن، ووعده يتعامل مع تراخينا، وتخطيطه يعارض فوضانا، وانتماؤه يصادم خيانتا". 

وتابع العسعس انتقاده لذلك التوجه بقوله "نحن اليوم لا نمثل الله سبحانه كي يُقال: إنه عندما يتحدانا فإنه يتحدى الله، كلا.. إنه يتحدانا نحن وحدنا، نعم وحدنا دون عدة الدنيا، ودون الله تعالى، نحن وحدنا، بعرينا وتخلفنا وخيانتنا وغوغائيتنا وبعدنا عن الله كما أمر سبحانه". 

من جهته أكدّ أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في دار الحديث الحسينية في المغرب، الناجي لمين أن "وعد الله حق لا مرية فيه إن ثبت، ونصر الله للمسلمين على أعدائهم مقطوع به، وأن الأمر المحكم في دين الله هو وجوب إعداد العدة بعد الالتزام بشرع الله، أخذا بالقرآن الكريم، وهدي الرسول في غزواته". 

وأوضح لمين لـ"عربي21" أنه "لا بد من أخذ جميع النصوص الواردة في هذا الباب، فبها تتضح الصورة، وتصح المفاهيم، فجماع القول "إن النصر مشروط بأمرين: الأول إعداد العدة وما يتبعها من وحدة واتحاد كالبنيان المرصوص، والثاني الالتزام بشرع الله حتى يستجيب الله الدعاء، لأن الله يستجيب للمتقين". 

وبحسب الأكاديمي المغربي لمين فإن "تعليق أمل الشباب والأمة بوعد إلهي مع تخلف شروطه يعتبر ضربا من ضروب بيع الأوهام"، مشيرا إلى أن النصر إنما يجلب بامتلاك أسباب القوة المادي منها والمعنوي على حد سواء، ولكن هيهات هيهات أن يتحقق ذلك للأمة، ونحن نسهم في تشويه ديننا ثم نلتمس النصرة من الله". 

وفي السياق ذاته بيّن الأكاديمي السوري، المتخصص في العلوم الشرعية، أيمن هاروش أن "الوعود الإلهية حق لا ريب فيه، وفهمها يجب أن يكون في سياق إعداد العدة، والأخذ بالأسباب وليس في سياق بيع الأوهام، وتخدير الأمة". 

وأضاف هاروش "فما عند الله من نصر ونجاح وشفاء له شقان، أولهما: مادي وهو ما يتعلق بالأمور التي جعلها الله أسبابا لتحقيق المقصود، فالعمل سبب للرزق والعلم سبب للنجاح، والعلاج سبب للشفاء.. وهكذا، أما الشق الثاني فهو إيماني يتعلق بالتوكل على الله، والاعتماد عليه، والتماس التوفيق منه سبحانه بطاعته".

وجوابا عن سؤال "عربي21" حول الأخطاء التي يقع فيها كثير من المسلمين في فهم ذلك وإنزاله على الواقع، قال هاروش "الأخطاء التي يقع فيها المسلمون إما باقتصارهم على الأول ونسيان أن الله تعالى بيده الأمر، وإما بإهمال الأسباب وتعليق الأمور على الإيمانيات والوعود وهذا تواكل مرفوض في الشريعة". 

وركز هاروش على خطأ "التعلق بالوعود الإلهية هكذا من غير تحقيق شروطها ومقدماتها" لافتا إلى أن "من الأخطاء التي يقع فيها المسلمون تنزيل وعد الله على حدث بعينه، لأنه تقول على الله بغير حق". 

وتابع الباحث الشرعي السوري هاروش قوله "ولربما لا تتحقق تلك الوعود الإلهية بسبب عدم تحققنا بأسبابها، فينقلب الأمر إلى ردة وتكذيب للوعد عند البعض، مع أن الخطأ في فهمنا للوعد وخطأ إنزاله على الوقائع والأحداث وليس في الوعد نفسه".

بدوره اعتبر الناشط الإسلامي الأردني، معاذ قاسم أن الأخطاء التي غالبا ما يواقعها الخطباء والمتحدثون في مثل هذه الأحداث الجسيمة حينما يعلقون آمال الأمة على وعود قرآنية، وبشارات حديثية إنما تنتج عن الخلل في فهم "الوعود الإلهية التي غالبا ما يُنظر إليها وكأنها ستعمل لوحدها بصفة تلقائية، وربما على هيئة خوارقية". 

وتساءل قاسم في حديثه لـ"عربي21": أين المسلمون اليوم من قوانين السننية التي أجرى الله سبحانه نظام كونه المادي والاجتماعي وفقها؟ فهل نصر المسلمون دين الله حتى ينصرهم وينجز وعوده لهم؟ وهل أعد المسلمون ما أمرهم به من الإعداد المادي المطلوب، وتوحدوا كما أمرهم، ووجهوا الجيوش للجهاد وما إلى ذلك؟. 

وبيانا للسلبيات والمعوقات التي يشيعها ذلك الخطاب الحالم، قال قاسم "لعل من أبرزها وأشدها فتكا، استمرار الاتكالية في صفوف الأمة، وزيادة جرعات التخدير تعويلا على وعود غيبية، بما ينتج عنه عزوفها عن الأخذ بسنن التغيير الحقيقية، وشيوع موجات التشكيك في الدين برمته خاصة في أوساط الشباب لعدم تحقق موعود الله بالنصر كما يبشر ذلك الخطاب".


ودعا قاسم إلى ضرورة إشاعة ذلك اللون من الخطاب الذي يحث الأمة على تحقيق العبودية بمفهومها الشامل لله تعالى، والعمل المدروس والواعي لتحقيق شروط النصر ومقدماته، مع التذكير الدائم بحكم الجهاد في سبيل الله، وحرمة التنازل عن الحقوق الشرعية للمسلمين".