كتاب عربي 21

ما بين موت صالح وقرار ترامب الطالح

1300x600

مات نمرود اليمن، وتعالى الطنَّ والزنْ: من هنا يبدأ الانفراج، وتقويم ما اعتور البلاد من اعوجاج. فيصيح صائح على الهالك نائح: لا، هذه بداية حقبة، تلحق باليمن النكسة تلو النكبة. فوجدها إعلامنا المتعطش للمواويلِ، فرصة ليردد كعادته: يا عيني يا ليلي.

ثم جاء قرار ترامب بالأربعاء، ونسينا أمر الرجل الذي حفر قبره بظلفه وانتقل إلى دار الفناء، وقالت واشنطن "وسيطة السلام "، على الدولة الفلسطينية السلام، فهدد أساطين السلطة، بوقف التفاهم معها، بحسبان أن ذلك سيردعها.

وانفتحت صنابير الغضب الشعبي، بينما تمترس عيال الحكم بالألفاظ المعبأة في العلبِ: القدس خط أحمر، (وبقية فلسطين خط أخضر)، ولا أفهم علام  الغضب من أمريكا، التي ظللنا نتغزل فيها بالطبل والمزيكا، والعصبة التي أضاعت كامل فلسطين، بأن قطعت منها الوتين، ما زالت حية تسعى، وتمارس في أوطاننا المختلة فعل الأفعى.


كلما أحسست بالضيق، الذي يحس به من ظل يتلظى بالحريق، وهو محشور في جوف نفق مظلم، وظل حاله يتراوح ما بين يائس ومتألِم، لجأت إلى الشعر، فبعضه برغم أنوف الطغاة حر، وظلت ثلة من شعرائنا، تبعث فينا الأمل بالخلاص من أدوائنا، واضطلعت بمسؤولية التوجيه المعنوي، وظلت صوتا يدمدم غضبا ويدوي.

قبل أربعين عاما، عاب مظفر النواب على قادتنا سلوك النعام، وقال ما كان يلفّه السكوت، ويتم ترديده خلسة خلف أسوار البيوت: 

من باع فلسطين وأثرى بالله / سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام / ومائدة الدول الكبرى؟ من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة؟

أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة / لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبة/ القدس عروس عروبتكم/ فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها/
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها/ وسحبتم كل خناجركم/ وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض؟ / فما أشرفكم/ أولاد ال**** هل تسكت مغتصبة؟

بعد ضياع كامل فلسطين، في عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، بشرتنا فيروز بنصر قريب، يتلاحم فيه الهلال والصليب: 

الغضب الساطع آتٍ، وأنا كلي إيمان/ الغضب الساطع آتٍ، سأمرُّ على الأحزان/ لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلّي/ سأدقّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب/ وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية
البيت لنا والقدس لنا
وبأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس سلام آتٍ

كان نزار قباني، الذي أسماه البعض "شاعر النسوانِ"، أول من سمى الأشياء بأسمائها الصحيحة، فما كان  يعرف بالنكسة كان هزيمة بالعربية الفصيحة، وحرب أكتوبر انتهت بالتعادل السلبي، ولم تكن انتصارا يا روح قلبي.

قال قباني ردا على أنشودة فيروز، ما معناه إنه ليس هناك ما يبرر تبشير العرب بعيد نيروز: غنت فيروز مغردة وجميع الناس لها تسمع/ الآن، الآن وليس غدا أجراس العودة فلتقرع/ خازوقٌ دُقَّ بأ**لنا من شَرَم الشيخ إلى سَعسَع / ومنَ الجـولان إلى يافا / ومن الناقورةِ إلى أزرَع/ من أين العودة فيروز والعودة يلزمها مدفع/ والمدفع يلزمه كف / والكف يحتاج لإصبع/ والإصبع ملتذ لاهٍ / في *** الشعب له مرتع..

صوت فلسطين الجسور البرغوثي تميم، نعى مرارا القضية اليتيم، (هي يتيم كريم، يزعم تبنيه كل أفاق زنيم، من أصحاب الفخامة، الذين تعاني عقولهم من الضمور، وكروشهم من الضخامة)، وكان أبرع من رسم صورة للقدس، وهي تغرق في أوحال التوحش والرجس: 

في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا/ برمٌ بزوجته يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ/ أو في طلاءِ البيتْ/ في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا/ يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها/ في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ/ رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ/ قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ/ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً/ تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً/ مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ/ طُولَ اليَومْ في القدسِ/ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ/ في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ/ في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ؟

وبدوره لم ير تميم البرغوثي، في أغنية فيروز ما يبشر بقرب الغوثِ، وهكذا وعندما تعرضت غزة لأبشع هزّة، وصبت الطائرات حمم القنابل، على البشر والحجر والبهائم والسنابل، كان هو القائل:

عـفواً فيروزٌ ونزارٌ/ فالحالُ الآنَ هو الأفظع ْ/ إنْ كانَ زمانكما بَشِـعٌ/ فزمانُ زعامتنا أبشَع / أوغادٌ تلهـو بالأمة/ وبلحم الأطفالِ الرّضـَّع ْ/ تـُصغي لأوامر أمريكا/ ولغير "إهودٍ" لا تركع 

كان أحمد مطر، الناطق الرسمي باسم شعوبنا من الرباط الى قطر، وكان من آخر ما كتب من شعر، قبل أن يحتويه القبر، استنكار الدواعش ساكني القصور، لممارسات تلاميذهم ما بين نينوى وجسر الشغور:

رُسُلُ التَّخلُّفِ في بلادِ الضّادِ/ يَستنكرونَ "خِلافةَ البغدادي"/ ويُحَوقِلونَ تَهيُّباً وتَعجُّباً/ ممّا رأوا من جُرمهِ المُتمادي/ فكأنّما هذا الخليفةُ "مأتَمٌ"/ وكأنّما هُم "فرقةُ الإنشادِ"!/ وَكأنَّما الدُّوَلُ التي في ظِلِّهِمْ أُنشِئْنَ مِن وَردٍ ومِن أورادِ!

هل قاتِلُ الآلافِ أبرأُ ذِمّةً/ مِن قاتِلِ العَشَراتِ والآحادِ؟/ أم غارِزُ السكّينِ أسوأُ فِعلَةً/ مِن غارسِ الألغامِ والأعوادِ؟!

ما دُقَّتِ الأوتادُ فينا صُدفَةً/بَل دَقَّها فِرعونُ ذو الأوتادِ/ ولَهُ سَوابِقُهُ بتصديرِ الأذى/ ولَهُ عَبيدٌ سادَةٌ قد سَوَّدوا/ أيّامَنا مِن قَبلِ هذا السّادي.

ويغرس مطر خنجر شعره في اللحم الحي، لمن أصابتهم صحوة 2011 بالقيء: أم أنَّ ثَوراتِ الشّبابِ تَفَجّرَتْ/ مَلَلاً مِنَ التّدليلِ والإسعادِ؟/ كانوا على مَرِّ الزَّمانِ يُرونَنا/ فِعْلَ اللُّصوصِ.. ومَنطِقَ الزُّهّادِ/ ويُفَصّلونَ الدِّينَ حَسْبَ مَقاسِهم/ ثَوباً.. على جَسَدٍ مِنَ الإلحادِ!

رَصَدوا السّلاحَ.. فما تَرصَّدَ غازِياً/ ولِقَتلِنا قد كانَ بالمِرصادِ!/ رَقَدوا.. ولم يستيقِظوا حتّى علا/
سَوطُ الوَعيدِ بزجْرَةِ الأسيادِ/ .... هُم لا تُقامُ صَلاتُهُم إن لم تكُنْ/ بِإمامَةِ "السِّي إيه"" والموسادِ!

فَعَلامَ يأنَفُ لاعِبٌ مِن لاعِبٍ
وكلاهُما عُضْوٌ بنَفسِ النّادي؟!
تُبدي الجَريمةُ دَهشَةً مِن دَهشَتي:
"أَوَ ما رأيتَ تَنافُسَ الأوغادِ؟!
أصْلُ الحكايَةِ غَيْرَةٌ وتَحاسُدٌ
ما بَينَ جيلِ النَّشْءِ والرُّوادِ!
يَتفارَقونَ بِشَكْلِهِم، لكنَّهُم
رَضَعوا حليبَ طِباعِهِم مِن زادي.
وأنا رَؤومٌ، لا أُفَرِّقُ بينَهُم
هُم في النّهايَةِ كُلُّهُم أولادي!" 

أعتقد أننا كنا بحاجة الى لطمة ترامب الأخيرة، ليست لأنها توفر للشعراء ذخيرة، ولكن لأنها ستقود إلى صحوة، توقظنا من طويل غفوة، لندرك أن الطريق إلى القدس أو بير زيت، لابد أن يمر فوق أجداث الطواغيت، ولهذا أغني مع شاعر السودان محمد مكي، ولست ممن على الأطلال يبكي:

بالأربعاء طبولنا دقّـت وزوبعت الفضاء/ صيحاتنا شقّـت جدار الليل واقتحمت فناءَه/ وتحدرت ناراً بآذان الطغاة العاكفين علي الدناءة/ الخائنين السارقين القاتلين/ الحاسبين الشعب اغناماً وشاه.