ملفات وتقارير

تصعيد بعدن اليمنية.. هل ينتهي بـ"انقلاب ثان" على هادي؟

هادي أمام تحد كبير في الجنوب اليمني وسط رفض لحكومته- أ ف ب

تشهد مدينة عدن، التي تتخذها الحكومة اليمنية مقرا لها جنوبي اليمن، تصعيدا من حلفاء دولة الإمارات، المشاركة ضمن التحالف الذي تقوده السعودية.

 

والتصعيد الذي يقوده أشخاص جنوبي اليمن محسوبون على الإمارات، دفع الكثيرين إلى التحذير مما أسموه "انقلابا ثانيا" على حكومة هادي.

 

ويقود حركة التمرد ضد حكومة هادي ما يسمى "المجلس الجنوبي"، الذي يرفع شعار الانفصال عن الشمال اليمني.


وأخذ التصعيد طابعا عسكريا بالهجوم الذي نقذته قوات ما يسمى "الحزام الأمني"، التي شكلتها "أبوظبي" على ميناء الزيت في البريقا غربي عدن، الخاضع لسيطرة قوات موالية للرئيس اليمني.

 

وتطور التصعيد إلى اشتباكات دامية، سقط فيها قتلى وجرحى من الطرفين، تجددت فجر اليوم السبت، ما يثير تساؤلا مهما عن أهمية هذا الميناء بالنسبة للإمارات.


وسبق التحرك العسكري منع القائم بأعمال محافظ عدن، أحمد سالم ربيع، من دخول مكتبه، صاحبه دعوات لتحشيد الشارع ضد الحكومة ورفع شعار إسقاطها، ما حدا ببعض النشطاء إلى وصف هذه الخطوة بأنها "تحاكي حشود الحوثي في صنعاء خريف عام 2014، تحت شعار إسقاط الجرعة السعرية، التي انتهت بالتمرد على حكومة هادي، والسيطرة على العاصمة اليمنية.


وتعليقا على هذا الأمر، رأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن التطورات الخطيرة في عدن، "تعبر بشكل صارخ عن استراتيجية الإمارات، الهادفة لتغيير الواقع السياسي والجيوسياسي في هذه المدينة والمحافظات المحيطة بها، ومنها مناطق الساحل الغربي لليمن".


وقال لـ"عربي21": "أبوظبي تسعى للسيطرة العسكرية والأمنية على العاصمة المؤقتة بشكل كامل، وإفراغها من كل الوحدات الموالية للشرعية، وتكريس النهج الانفصالي، والقطع الكامل مع الشرعية بكل مستوياتها، بما في ذلك رئاسة الحكومة التي يتولاها أحمد بن دغر، الذي أظهر مرونة تجاه التحالف في الفترة الأخيرة.


أهمية ميناء الزيت

 

وبحسب التميمي، فإن السيطرة على ميناء الزيت في البريقا من قوات تدعمها حكومة "أبوظبي"، الغرض منها "مصادرة آخر منفذ كانت السلطة التشريعية تمرر من خلاله الإمدادات لقواتها، وإدخال الأموال التي كان يتعذر إيصالها عبر مطار عدن الذي تسيطر عليه الإمارات".


وأوضح الكاتب اليمني أن التحركات العسكرية التي تقوم بها التشكيلات المسلحة المحسوبة على "أبوظبي"، تزامنت مع تحركات شعبية متواضعة، ينتظر أن تشهد تصاعدا خلال الفترة المقبلة.

 

وأكد أنها "تأتي في سياق مخطط تطويق نفوذ الشرعية؛ تمهيدا لإنهاء أي حضور لها في العاصمة المؤقتة (عدن)، وإظهار هذا التحرك كما لو كان متسقا مع إرادة شعبية ترفض الحكومة وتسعى لإسقاطها".


موقف الرياض

 

وقال إنه لا يمكن فصل السلوك الإماراتي في عدن والمحافظات الجنوبية والساحل الغربي ومحافظة تعز عن المواقف المبدئية للرياض، التي تلتقي في نهاية المطاف مع النظام الإماراتي في "إنهاء تركة ثورة التغيير، التي اندلعت في الـ11 من شباط/ فبراير 2011، والقضاء على المشروع الوطني الذي يفضي إلى دولة يمنية اتحادية ديمقراطية من ستة أقاليم"، على حد قوله.

 

وأضاف السياسي اليمني أن "هناك اختلافا في مستوى النفوذ المفترض لكلا الدولتين الخليجيتين في اليمن، لكن الأهداف المعلنة للتحالف أو ما بقي منه لم تعد كما كانت، بل تغيرت تغيرا جذريا، لتكرس دور إشكالي للتحالف الذي تقوده الرياض، وتحوله إلى طرف أصيل في تعميق المشكلة اليمنية، وتحويل البلد إلى بيئة سياسية مجزأة ومنقسمة، وأكثر هشاشة من ذي قبل"، بحسب وصفه.


ولفت إلى أن "السلطات الإماراتية توشك على الغرق في المستنقع اليمني، بالرغم من توسلها التأييد والمباركة الأمريكية لما تقوم به، وكأنها تحاول إظهاره كما لو أنها جزء أصيل من الأجندة الأمريكية لمكافحة الإرهاب".


خيارات الشرعية

 

واعتبر السياسي التميمي أن التحركات الإماراتية "تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ومن شأنها أن تحشر السلطة الشرعية في زاوية ضيقة، وتدفعها ربما للجوء إلى أكثر الخيارات صعوبة، وهي المواجهة مع الإمارات، التي لن تصبح في هذه الحالة دولة مساندة للشرعية، بل مهددا حقيقيا لها ولوجود الدولة اليمنية برمتها"، وفق قوله.

 

وأشار إلى أن "المرحلة قد تشهد خلطا للأوراق على التحالف، وبالتالي دخول اليمن في منعطف خطير للغاية، يتعدد فيه اللاعبون، ويصعب التكهن بمآلاته على أمن المنطقة واستقرارها".


احتقان وإخفاقات

 

من جهته، قال رئيس مركز مسارات للاستراتيجيات والإعلام، باسم الشعبي، إن التصعيد في مدينة عدن والمناطق المحررة، يأتي وسط ترد كبير في الخدمات، وارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وأوضاع اقتصادية معقدة، يقابله عجز واضح للحكومة.


وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن العجز الحكومي تزامن مع سحبها للعملة الصعبة من السوق المحلية بكميات كبيرة، وتحويلها للخارج، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الطلب على الدولار وارتفاع قيمته مقابل الريال، دون مراعاة لأوضاع البلد ومواطنيه.


وأشار الشعبي إلى أن الشارع محتقن منذ فترة ضد الشرعية؛ بسبب إخفاقاتها المستمرة في تطبيع الحياة في العاصمة عدن والمدن المجاورة، وبقائها طوال الوقت خارج البلاد، فضلا عن تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية.

 

واستدل على ذلك بتقارير تشير إلى أن 80 في المئة من إيرادات الدولة لا تورّد للبنك المركزي، بل يتم تقاسمها وتحويلها للخارج بالعملة الصعبة، في ظل عدم دفع مرتبات العسكريين منذ ثمانية أشهر.


وبحسب رئيس مركز مسارات، فإن المعطيات السابقة جعلت المجلس الانتقالي الجنوبي يلتقط المبادرة التي أطلقها ناشطون مدنيون، بضرورة التحرك ضد الحكومة، وتحويلها إلى فعل ثوري.


فشل الحكومة


وعزا التطورات في مدينة عدن إلى فشل الحكومة الشرعية، التي قال إنها لم تستطع التحول إلى دولة أو سلطة وطنية محترمة.

 

واتهمها بـ"انتهاج عمل العصابات"، بدليل فشلها في استثمار الأموال التي ضخت لها من الخارج، لإحداث نقلة في حياة الناس، واستعادة مؤسسات الدولة، وفق قوله.

 

وبين أن "إخفاقات حكومة هادي ساهمت في إيجاد سلطة موازية لها تنازعها النفوذ في عدن".


وحمّل الرئيس هادي وحكومته مسؤولية ما يجري في عدن، الذي جاء "إثر فشلها في إنتاج نفسها سلطة ترعى مصالح كل اليمنيين"، مؤكدا أن الاشتباكات التي تشهدها المدينة تعبير صارخ عن هذا التنافس، الذي افتقد للتنسيق والتفاهم، وتحول إلى مماحكات وسجالات، على حسب وصفه.


وحول تحشيد الشارع الجنوبي لإسقاط الحكومة، قال الصحفي الشعبي، إن التحرك الشعبي الجاري كان سيخرج إلى الشارع بوجود "المجلس الجنوبي" أو من دونه.


وأرجع منع القائم بأعمال محافظ عدن، أمس الأول، من دخول مكتبه في مبنى المحافظة، إلى أن أطراف في المقاومة الجنوبية فطنت مؤخرا، محاولة إعادة إنتاج نظام "عفاش" (علي عبدالله صالح) وجماعة المؤتمر في عدن من قبل الرئيس هادي وبن دغر، ولذلك جاء قرار المنع لإفشال ذلك.


التحالف مشارك

 

وحول موقع التحالف العربي الذي تقوده السعودية في الأحداث المتسارعة بعدن، أجاب الصحفي والكاتب السياسي الجنوبي، أن التحالف مشارك في كل ما يجري هناك.


وكانت مصادر مطلعة قد أفادت لـ"عربي21" بتجدد الاشتباكات فجر اليوم السبت، بين قوات موالية لهادي وأخرى مدعومة من الإمارات في مديرية البريقا، التي توصف بأنها "عدن الصغرى"، وسط تحليق للطيران الإماراتي في أجواء مسرح المواجهات، في محاولة من الأخير انتزاع ميناء الزيت، الميناء الوحيد الذي تسيطرت عليه الحكومة الشرعية، بعد هدوء نسبي أمس الجمعة، حيث أسفرت المواجهات خلال اليومين الماضيين عن مقتل ستة عناصر من الطرفين وعدد آخر من الجرحى.