قضايا وآراء

معضلات الملاحقات القضائية لرجال السيسي

1300x600
سجل مناهضو الانقلاب في مصر خلال الأيام الماضية بعض المكاسب على الصعيد الحقوقي عبر صدور عدة تقارير وإدانات دولية للانتهاكات التي يرتكبها النظام بحق معارضيه، وكان أقوى تلك الإدانات هو ما تضمنه تقرير لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة ذلك أن الحكومة المصرية التي دأبت على اتهام كل المنظمات الحقوقية بالتضليل وبتلقي تمويلات من الإخوان لم تستطع توجيه الإتهام ذاته بحق لجنة تابعة للأمم المتحدة، كما لم تستطع نفي ما ورد بالتقرير بعد أن أتيحت لها الفرصة كاملة للرد على مدى 4 سنوات مضت.

تقرير الأمم المتحدة الذي دان بشكل مباشر السلطات الرسمية وخاصة أجهزة الشرطة والجيش بممارسة التعذيب سبقه ولحقه تقارير أخرى فضحت انتهاكات نظام السيسي منها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، وتقرير منظمة مراسلون بلا حدود حول انتهاكات حرية الصحافة في مصر وتأميمها لصالح السلطة، وتقرير الخارجية الأمريكية، بل صدور قرار أمريكي فعلي بقطع حوالي 400 مليون دولار من جملة المساعدات الأمريكية لمصر بسبب تلك الإنتهاكات، واتهام مساعدين لوزير الداخلية باسميهما لأول مرة بممارسة التعذيب وهما اللواءان محمد علي ومحمد الخليصي، وقبل ذلك رفع أسماء غالبية المعارضين المصريين من النشرة الحمراء لمنظمة الإنتربول.

جاءت هذه الإنتصارات الحقوقية نتيجة جهد كبير لمنظمات مصرية ودولية معنية بالحالة الحقوقية في مصر، ومثلت هذه الانتصارات الجزئية بصيص أمل جديد لقدرة مناهضي الإنقلاب على تسديد ضربات موجعة حتى وإن لم تكن مميتة للنظام، في وقت يعانون فيه من قلة الموارد التي تمكنهم من القيام بمهامهم على الوجه المأمول، فيما خصمهم السيسي يتلقى المساعدات تترى من كفلائه الإقليميين والدوليين دون توقف.

تقرير لجنة الأمم المتحدة عن مصر جاء عقب تحقيقات بدأتها اللجنة منذ العام 2012، وبعد مراسلات متبادلة مع الحكومات المصرية للرد على كل الملحوظات، ومع ذلك كانت النتيجة النهائية هي إدانة مباشرة لنظام السيسي، حيث أظهر التحقيق بشكل حاسم، أن التعذيب يمارس بشكل ممنهج وتحت رعاية السلطات الحاكمة، واتهمت اللجنة في تقريرها 3 جهات عن التعذيب، طبقا للتحقيق الذي أجرته، وهي المسؤولون العسكريون، ومسؤولو الشرطة، ومسؤولو السجون. كما أوضحت أن تعذيب المصريين يتم لأغراض معاقبة المتظاهرين، ومعاقبة مؤيدي وأعضاء الإخوان المسلمين منذ عام 2013، والحصول على اعترافات بالإكراه، والضغط على المعتقلين لتوريط غيرهم في الجرائم.

قيمة تقرير لجنة مناهضة التعذيب أنه تقرير أممي يحمل النظام المصري المسؤولية المباشرة عن عمليات التعذيب ما يفتح الباب لمحاكمة رموز هذا النظام في كل الدول التي تأخذ ينظام الولاية القضائية الشاملة وبالذات في قضايا التعذيب وهي غالبية الدول الأوربية بالإضافة لبعض الدول الأفريقية، وقد سبق لحزب الحرية والعدالة أن حقق مكسبا قضايا في بريطانيا بمنع تحصين أي مسؤول رسمي بخلاف رأس النظام من الملاحقة القانونية وذلك عقب تدخل السلطات البريطانية لإنقاذ محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري عام 2014 من الملاحقة القضائية بمنحه حصانة خاصة وقتها، ومن الجدير بالذكر أن هناك دعوى تعذيب في إحدى المحاكم الفرنسية ضد رموز النظام المصري وهي لا تزال محل تداول بعد قبولها شكليا.

المعضلة الرئيسية التي تواجه القائمين على ملف الملاحقات القضائية لرموز النظام المصري تتمثل في شقين أساسيين أولهما سياسي وهو تواطؤ بعض حكومات الدول التي تقام فيها تلك القضايا كما حدث من قبل من الحكومة البريطانية مع رئيس الأركان المصري محمود حجازي حيث منحته حصانة خاصة أنقذته من الملاحقة القضائية، وما حدث مع النائب العام المصري الراحل هشام بركات الذي تمكن بتواطؤ السلطات الفرنسية من الإفلات أيضا من الملاحقة في باريس في يناير 2015، أما المعضلة الثانية فهي غياب التمويل اللازم لرفع الدعاوي التي تحتاج مبالغ كبيرة، سواء كرسوم تأمين في المحاكم، أو كأتعاب محامين، أو خلاف ذلك من مصروفات إدارية ولوجستية.

في اعتقادي أنه إذا تمكن المسؤولون عن ملف الملاحقات القضائية والحقوقية لرموز النظام المصري من توحيد أو تنسيق جهودهم، وتقديم خطة عمل واضحة لهذه الملاحقات، وما تحتاجه من تكاليف فإنهم سيجدون من يمد لهم يد العون من أبناء الشعب المصري الذين يتمنون أن يروا كل رموز هذا النظام في قبضة العدالة المحلية أو الدولية.