نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتب جيسي سينغال، يتناول فيه تجربة الشاب السويدي باتريك هيرمانسون (25 عاما)، الذي عاش لمدة عام تقريبا متخفيا بأنه طالب جامعة يكتب رسالته عن قمع حرية تعبير اليمينيين، وسافر من لندن إلى نيويورك إلى تشارلوتسفيل، وإلى قلب حركة خطيرة تمر بمرحلة بعث جديدة.
ويشير الكاتب إلى أن مجموعة
Hope Not Hate البريطانية المناوئة للعنصرية قامت بإرسال هيرمانسون في مهمة سرية لسبر أغوار أقصى اليمين، وكان هيرمانسون قضى أشهرا في اختراقه لصفوف اليمين، وساعده في ذلك جنسيته السويدية، "كثير من النازيين الجدد مهووسون بالسويد بسبب إرثها الإسكندنافي"، وأشار إلى أن الأمر لم يكن دائما سهلا بالنسبة له، حيث يقول: "تشعر أحيانا بأنك تريد أن تلكم الشخص المقابل في وجهه، وأحيانا تشعر بأنك تريد أن تصرخ أو تفعل شيئا – تغادر، لكنك لا تستطيع أن تفعل شيئا من ذلك، وعليك أن تجلس وتبتسم".
ويعلق سينغال في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "ما تعلمه هيرمانسون خلال عمله السري يشكل جزءا من تقرير شامل لمجموعة Hope Not Hate يلقي الضوء على مشهد أقصى اليمين، الذي يناقش كثيرا، ويعرف عنه القليل، الذي يوجد في معظمه في العالم الافتراضي، وما جعله موضوع اهتمام عام هو دعم هذا اليمين للرئيس الأمريكي دونالد
ترامب".
ويلفت الكاتب إلى أن "تمدد اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى زيادة في شعبيته، وآخر موجة من مجنديه المحتملين هي من فئة الشباب المراهقين ومن هم في أوائل العشرينيات من العمر، بأعداد لم يكن يمكن تصورها قبل عدة سنوات، وتتم عملية تحويل هؤلاء الشباب إلى متطرفين من خلال عمل مجموعة ذات شعبية من شخصيات اليمين على الإنترنت، عن طريق نشر فيديوهات ومقالات وتغريدات، كلها تدفع حدود المقبول في خطاب اليمين، وهو أحد أهداف العنصريين والمتطرفين في كل مكان".
ويستدرك سينغال بأنه "مع أن كلمة (مناصر للعولمة) تعد في قاموس اليمين المتطرف من أقذع الشتائم، إلا أن تقرير Hope Not Hate يظهر أن اليمين المتطرف أصبح الآن حركة عالمية، وهناك تفاعل منتظم بين شخصيات اليمين المتطرف من أسكتلندا إلى السويد إلى أمريكا".
ويقول الكاتب إن "قصة هيرمانسون تقدم رؤية حيوية في تكتيكات المجموعة وفي ممارساتهم الغريبة، فبالإضافة إلى عمله السري، فإنه جلس مع منكرين للمحرقة للنازية مدججين بالسلاح، وحضر اجتماعات قام المتطرفون خلالها بشرب الخمر من قرون الفايكنغ، وصلوا لإلههم (أودين)، وتظاهر في تشارلوتسفيل مع مئات النازيين الجدد والعنصريين البيض، قبل أن يرشه أحد المتظاهرين ضدهم بالفلفل، وشاهد هجوم السيارة الذي تسبب بمقتل الناشطة هيثر هاير".
ويبين سينغال أن "هيرمانسون اجتمع في بريطانيا مع غريغ جونسون على مأدبة غداء خاصة، وشرح جونسون، ذو الشخصية الانطوائية واليميني الأمريكي البارز الذي يعمل رئيسا لتحرير (كاونتر كارنتس)، الحاجة لـ (مادة تجذب التيار الرئيسي – أو الأدق، علينا أن نقرب التيار الرئيسي لجانبنا)".
وينوه الكاتب إلى أن جونسون عبر لاحقا عن قناعته بأن هذه العملية تحقق نجاحا، فقال إنه يرى تزايدا في عدد الزيارات للمواقع الإلكترونية، وتزايدا في النوع والكم من الشباب المتفاعلين، وقال أيضا خلال لقائه مع هيرمانسون إنه يفضل البلدان الخاصة بالإثنيات المختلفة، وإن هناك حاجة للقول لليهود: "عليكم أن تذهبوا إلى إسرائيل وإلا فسنجمدكم من مجتمعنا".
ويكشف سينغال عن أنه في التصوير ذاته، الذي قام به هيرمانسون بكاميرا سرية، يتحدث كولين روبارتسون، وهو شخصية بارزة على "يوتيوب"، ويستخدم اسم ميلينيال ووز، لمتطرف آخر أكبر منه سنا، عن أهمية إبداء وجه لطيف، قائلا: "إن لم نظهر بمظهر الأشخاص غير الأسوياء الغاضبين، سنتمكن من خلق صداقات مع الناس الذين لا يتفقون معنا في الرأي".
ويفيد الكاتب بأن من أهم ما صوره هيرمانسون هو لقاء مع جاسون رضا جورجاني، الذي قام مع عنصري أمريكي أبيض هو ريتشارد سبنسر وآخرين، من شركة أقصى اليمين، وهي منظمة تم إنشاؤها لتبني التعاون والتنسيق بين المجموعات اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ويذكر سينغال أن هيرمانسون التقى بجورجاني في حانة إيرلندية بالقرب من ناطحة سحاب "أمبير ستيت، حيث تحدث جورجاني عن تصوره للمستقبل في أوروبا، بسبب تهاون الليبراليين في أزمة
الهجرة، حيث ستتبنى أوروبا الفاشية: "سنشاهد أوروبا عام 2050 وقد طبعت على عملتها صور أدولف هتلر ونابليون بونابارت والإسكندر الكبير، وسينظر إلى هتلر هكذا: مثل نابليون والإسكندر وليس كوحش غريب في تصنيف خاص له، لا سينظر إليه على أنه قائد أوروبي عظيم".
وبحسب الكاتب، فإن جورجاني تحدث عن صلاته بالحكومة الأمريكية، حيث قال: "لدينا علاقة مع إدارة ترامب، وسنقوم بفعل أشياء"، وقال في مناسبة أخرى: "لدي اتصال مع إدارة ترامب"، وأوضح قائلا: "رؤيتنا الأصلية كانت أن نجعل اليمين المتطرف مجموعة دراسات سياسية لإدارة ترامب"، مبينا أن حلقة الوصل كانت ستيف بانون، وقال إن المؤسسة السياسية تقوم للأسف "بفصلنا عن إدارة ترامب".
ويشير سينغال إلى أنه مع طرد مايكل فلين في شباط/ فبراير وبانون في آب/ أغسطس، فإن جورجاني يرى أن جهود اليمين المتطرف باقتطاع مكان له في البيت الأبيض قد فشلت، لافتا إلى أن جورجاني استقال من شركة اليمين المتطرف في آب/ أغسطس.
ويقول الكاتب إن "اليمين المتطرف (أولت رايت) يستفيد جدا من مجموعة أخرى تسمي نفسها (أولت لايت)، حيث أن الأخيرة تطرح رسالة أكثر لطفا، ويقولون إنهم يدافعون عن (
الغرب) و(الثقافة الغربية) في وجه سيطرة اليسار الليبرالي بدلا من توجيه رسائل عنصرية، بل إن كثيرا منهم يرفض معاداة السامية أو الإسلام، وهذا ما يوضح شعبيتهم على الإنترنت، ولذلك تصفهم مجموعة Hope Not Hate بأنهم (أقل تطرفا وأكثر خطرا)، حيث تجذب مواقع (أولت لايت) مثل (بريتبارت) و(بريزون بلانيت) ملايين القراء".
ويورد سينغال نقلا عن باحثين، قولهم إن مفتاح جلب مجندين جدد لأي حركة هو إشراكهم في بعض الأنشطة، منوها إلى أن هذا عادة ما يسبق أي التزام أيديولوجي عميق من جانب المجند، خاصة في البداية.
ويعلق الكاتب قائلا: "سواء كان ذلك مقصودا أم لا، فإن اليمين المتطرف طبق هذه القاعدة بحذاقة لعالمهم على الإنترنت، وسواء كان من خلال المواقع الخاصة بهم أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يتم تشجيع المؤيدين الزائرين على المشاركة عن طريق مواقع التواصل لمقاومة البلاء الذي سيحل بالبلاد بسبب المهاجرين وتكميم الأفواه الذي يمارسه اليساريون".
ويخلص سينغال إلى القول إن "هذا النشاط الذي يتكفل به المقتنعون الجدد بالفكرة، لا يكلفهم أكثر من مشاركة تغريدات، أو إضافة تعليق على فيديو، أو إعجاب بصفحة أو مقال، ثم يتم توجيه النشطاء من المشاركين الجدد إلى مواقع أكثر تطرفا، وهكذا".