كتاب عربي 21

إيران.. أو المستطيع بغيره في الخليج

1300x600
تعود إيران اليوم إلى الواجهة في الخليج العربي وبقوة كبيرة، وهي تعود في الحقيقة إلى واجهة لم تغادرها البتة، بل هي أحد كبار صناعها وصنّاع متاهتها. 

فالأزمة الخليجية الأخيرة أو ما اصطلح عليه في الخطاب الإعلامي "حصار قطر"، كشفت الدور المتصاعد للملف الإيراني في الواقع الخليجي اليومي وعلى مختلف الأصعدة.

دول الحصار وضعت التقارب مع إيران ضمن التهم التي أعدت ضد قطر، بل ذهبت تفاصيل الاتهام إلى أبعد من ذلك، عندما أكد الإعلام الرسمي في السعودية والإمارات على وجود عناصر للحرس الثوري الإيراني على الأراضي القطرية. 

الإعلام الافتراضي الموازي التابع لدول الحصار أطنب في الحديث عن التآمر الإيراني القطري لضرب الخليج العربي ولشق وحدة الصف.

لكنّ الأحداث الأخيرة على الأرض وخاصة بين المملكة العربية السعودية وقيادتها الجديدة وبين النظام الإيراني تكشف تحولا كبيرا في العلاقات بين البلدين بشكل يكاد ينسف كل التصورات والرؤى والقناعات القديمة التي أُريد لها أن تسود في تصور العلاقة بين القوتين الخليجيتين. 

لفهم طبيعة العلاقة الجديدة الآخذة في التشكل خليجيا وخاصة التقارب السعودي إيراني فلا بد من استحضار المعطيات الأساسية التالية:

أول هذه المعطيات هي ثورات الربيع العربي الأخيرة وتداعياتها الإقليمية التي دفعت إلى السطح تحالفات وعلاقات فرضتها إرادة الشعوب الحرية التي نجحت في غفلة من التاريخ، ومن كل أجهزة التحكم الاستعمارية والاستبدادية في الإطاحة بمجموعة من أعتى الطغاة العرب. 

خطورة الثورات هو أنها أفرزت واقعا جديدا يتجاوز العلاقات القديمة بين الحاكم والمحكوم ويعري قدرة العناصر الهامشية غير المراقَبة -حادثة البوعزيزي في تونس- على تحريك أعتى الأعاصير الاجتماعية والسياسية.
 
ثاني المعطيات يتمثل في موجة الثورات المضادة الدامية خاصة في مصر وليبيا وسوريا. 

مثلت هذه الموجة رغبة جامحة ومسلحة في القضاء على موجة التغيرات التي طالت رؤوس الأنظمة الاستبدادية. 

إن سقوط رؤوس الهياكل الاستبدادية الكلاسيكية بشكل سريع ومفاجئ يمثل أحد أهم الأسباب المباشرة لتشكل التحالفات الجديدة وصياغتها. 

فالثورات المضادة التي لم تكتف في القضاء على ثورات الشعوب بآلة القمع المحلية قامت باستحضار قوى الموت الخارجية كما هو الحال في سوريا الدامية التي استقدم حاكمها الطائفي كل قوى الموت الروسية وإيرانية والأفغانية والباكستانية للقضاء على ثورة شعبه. 

ثالث المعطيات هي عودة الحضور الاستعماري إلى المشهد الخليجي وبشكل مكثف، فالحضور الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس ترمب عبر مئات المليارات التي غنمها من الخزينة السعودية تكشف التصعيد الخطير في عملية النهب المباشر لمقدرات المنطقة. 

روسيا الاستعمارية عززت حضورها عبر البوابة السورية، حيث تحول الجيش السوري إلى حاكم فعلي لدمشق ولأهم المدن السورية، بعد أن سلّم النظام الطائفي البلاد طواعية للغزاة فقط، في سبيل البقاء في الحكم، ولو كلّفه ذلك القضاء على شعبه وتدمير مدن بكاملها على رؤوس أهلها.

ترسم هذه المعطيات الأساسية السياق العام الأساسي الذي تندرج ضمنه التحالفات الجديدة في المنطقة العربية وأساسا في منطقة الخليج. 

فثورات الربيع ثم الثورات المضادة التي أطاحت بها والحضور الاستعماري المباشر الذي قبض ثمن هذه الإطاحة هو الذي يحدد الملامح المركزية للواقع السياسي الجديد المتشكل للتو. 

بناء عليه، فإن الحضور الإيراني في المنطقة يندرج ضمن هذا السياق العام باعتبارها القوة الاستعمارية الأبرز في المنطقة. 

نقول ذلك لأن طبيعة الدوافع التوسعية لهذه القوة الاقليمية تختلف عن القوى الأخرى وخاصة الروسية والأمريكية.  

فقد نجحت إيران خلال فترة السبات العربي الأخطر زمن ما يسمى بفترة بناء الدولة الوطنية في اختراق الجسد العربي خليجيا وغرس خلايا نائمة ومستيقظة في كافة مفاصل الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر. 

لكن ما ثبت اليوم بعد حالة التناحر العربي الظاهرة خاصة في منطقة الخليج هو أن سر القوة الإيرانية إنما يكمن أساسا في التقاتل العربي وفي مذابح الإخوة وصراع الأشقاء. 

إيران هي ذاك المستطيع بغيره، وهي تلك القوة الناشئة والمتمددة من ضعف الآخرين وهزالهم.

فالسعودية تلك القوة الاقليمية عربيا وإسلاميا صارت اليوم تهرول نحو الحضن الإيراني وتمد يد المصالحة مع من كان بالأمس العدو الألد لأهل السعودية ولنظامها السياسي ولطبقتها الحاكمة. 

إيران تجني عبث النظام السياسي العربي وطغيانه كما تجني حالة انعدام البصيرة والتبصر، وهي تدرك أن من يتقرب إليها لا يتقرب صلحا وإنما يتقرب عجزا واعترافا بالهزيمة وبعدم القدرة على المنازلة. 

هذا ما يدفع إلى اعتبار حصار قطر في الحقيقة بوابة التطبيع مع إيران ومدخلا لتغيير المحاور القديمة بتغيير طبيعة العدو حتى تتلائم مع الواقع الجديد الذي تعبّر فيه الدولة العربية الرسمية عن أضعف حالاتها. 

حصار قطر وضرب الثورات العربية ليس إلا مدخلا لتحالف النظام الرسمي العربي الجديد مع إيران ومع اسرائيل بشكل سيغير من مستقبل المنطقة بشكل كبير وسيعجل بنهاية هياكل القمع العربية بصورة نهائية ويفتح باب المواجهة النهائية مع أعداء الأمة في الداخل والخارج.