دعا مؤرخ
تونسي إلى فتح أرشيف "أمن الدولة"؛ لإدراك
الحقيقة التاريخية وإتاحتها للعموم.
ودعا المؤرخ عبد الجليل التميمي، في مقدمة كتابه، "تونس ومنعرج 1969 على ضوء تقارير من أرشيف البوليس السياسي" إلى فتح أرشيف أمن الدولة؛ لإدراك الحقيقة التاريخية وإتاحتها للعموم.
وتظهر الوثائق تقارير سرية، بينها مجموعة من الوثائق الإدارية والمذكرات الواردة إلى إدارة "سلامة أمن الدولة" (جهاز تمّ حلّه في آذار/ مارس 2011 بعد شهرين من الثورة التونسية)، من إدارات أمنية مختلفة، سواء من داخل البلاد أو خارجها.
ويستند الكتاب الصادر عن مؤسسة "التميمي للبحث العلمي والمعلومات" (مؤسسة بحثية مقرها العاصمة تونس) إلى وثائق أمنية سرّية مضى عليها 48 عاما توزّعت على 240 صفحة.
وتعود أقدم تلك التقارير الأمنية، التي نشرت مع مقدمتين باللغتين العربية والفرنسية، إلى 28 أيار/ مايو 1968، بينما كتبت البقية بين 2 كانون الثاني/ يناير 1969 و3 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه.
وتابع التميمي، في مقدمة مؤلّفه، بأنه "لا يُعقل ألّا يُمكّن المؤرخون المهتمون بتاريخ الزمن الراهن من الاطلاع على هذه الأرصدة
الأرشيفية".
كما شدّد على أنّ "بعض التقارير تعكس المستوى الجيّد للعاملين في أجهزة أمن الدولة، من خلال تحاليلهم لمواقف المجتمع التونسي، وإبلاغ ذلك إلى أصحاب القرار؛ لاتخاذ ما يرونه صالحا".
ونقلت التقارير المنشورة ما دوّنه البوليس السياسي من معلومات وملاحظات عن الوضع العام في البلاد بداية سنة 1969، بينها نشاط المعارضة التونسية بالخارج، والبعثيين التونسيين في بغداد، والطلبة التقدميين بباريس، والاضطرابات الطلابية في أيار/ مايو 1968، والمؤتمر السابع عشر للاتحاد العام لطلبة تونس.
وحصلت مؤسسة التميمي على هذه الوثائق من مدير سابق للأمن الوطني، ونشرت قراءة في واحدة منها في "المجلة التاريخية المغاربية" سنة 2012.
وأشار مقدم الكتاب إلى "التقارير المتعلقة بالتململ داخل المجتمع الزراعي، سنة 1969، رفضا لسياسة التعاضد الاشتراكية، التي وُجّهت إلى كاتب الدولة للداخلية (وزير الداخلية) الباجي قائد السبسي آنذاك (الرّئيس الحالي لتونس)، ومنه إلى رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة (1957/1987).
ويرى المؤرخ عبد الجليل التميمي أنّ "السياسيين لم يأخذوا بعين الاعتبار نصائح دوائر (أمن الدولة) من هذا الملف، وأنه لو تم ذلك في وقته لما انزلقت البلاد إلى دوامة الانحدار الاقتصادي والسياسي، وفق تعبيره.
وتجربة التعاضد، التي سلكتها الحكومة التونسية بداية من سنة 1962 إلى سنة 1969، تقوم على إلغاء الملكية الخاصة للأرض وتعويضها بالملكية الجماعية والاستغلال الجماعي للأراضي الفلاحية، في إطار ضيعات تعاضدية كبرى تشرف عليها الدولة.
وانتهت التجربة في أيلول/ سبتمبر 1969، بعد رفضها من قبل كبار المالكين العقاريين، وقرر الرئيس الحبيب بورقيبة إلغاء هذه السياسة ومحاكمة رئيس الوزراء حينها أحمد بن صالح.
ويشير التميمي، في مقدمته التحليلية للوثائق الأمنية، إلى دور الباجي قائد السبسي في تسريع وتيرة إبراز العناصر السلبية للتجربة التعاضدية، وسعيه انطلاقا من قناعة شخصية، ومن موقعه في وزارة الداخلية، إلى إفشال مشروع التعاضد.
وتبرز وثائق البوليس السياسي الخلفية الدينية للاحتجاجات ولتوجهات الرأي العام التونسي، وممّا ورد في تقرير مؤرخ في 30 أيار/ مايو 1969 أنّ "الكثير يرون في الاشتراكية امتدادا للشيوعية، المذهب الذي لم يلق في أي وقت من الأوقات تجاوبا في بلادنا، لأسباب تعود إلى عقيدة كامنة راسخة تتصل بالدين".
ويمضي التقرير في هذا السياق "يجدر التذكير أنّ الشعب قد أظهر أكثر من مرة تعلقه بمواقف تعكس مدى تشبثه بمعتقداته، من ذلك إعراضه عن مجاراة الدعوة المتعلقة بإفطار رمضان، وتقززه من مجلة الأحوال الشخصية (قانون)، وتحمّسه إلى القضايا العربية، وفي مقدمتها قضيّة فلسطين".
واعتمدت تونس سنة 1956 مجلة الأحوال الشخصية، الذي منح المرأة مزيدا من الحقوق، وألغى تعدد الزوجات، وقيد من الطلاق.
ودعا الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، في خطاب ألقاه في شباط/ فبراير 1960، التونسيين إلى الإفطار في شهر رمضان؛ حتى لا يتعطل العمل.
كما دعا سنة 1964 إلى الاعتراف بقرار تقسيم فلسطين.
وكشف تقرير لمصلحة الاستعلامات العامّة (حكومية) عن نواة أولى للتيار الإسلامي في تونس أسست في يناير/ كانون الثاني 1969 في إطار حركة سمت نفسها "الهيئة الطالبية الإسلامية"، وكان هدفها "الذود عن حرمة الدين الإسلامي، ومقاومة التفسخ الأخلاقي في تونس"، حسب ما تذكر الوثيقة.
وحذّرت الاستعلامات العامّة أيضا من تنامي هذه الحركة شعبيا، واعتبر التقرير أنّها يمكن أن تشكل خطرا لو رمت عروقها في الأوساط الشعبية، وفق ما ورد في الوثيقة.
وتستعرض وثائق البوليس السياسي نشاط المعارضة التونسية بالخارج، خاصة المنظمات اليسارية، إضافة إلى أنشطة البعثيين التونسيين في سوريا والعراق وفرنسا والجزائر، وعلاقاتهم بالسفارتين العراقية والسورية.
وتظهر التقارير أنّ السياسي البارز أحمد نجيب الشابي، أحد مؤسسي نشاط حزب البعث في تونس، في بداية الستينات من القرن الماضي.
وتتحرّى بعض التقارير الدقة في المعلومات، فأوردت، ضمن تقرير عن نشاط البعثيين خارج تونس، الملاحظة الآتية: "هذه المعلومات التي لا يمكن الجزم قطعيا في صحتها؛ لانعدام وسائل تثبيتها".
وهو ما دفع المؤرخ عبد الجليل التميمي إلى القول، في تحليله للوثائق في مقدمة الكتاب، "إنّ جهاز البوليس السياسي التونسي خدم رجالات الدولة بتوفير شبكة من المعلومات الجوهرية التي على ضوئها، تمّ تبنّي القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العليا".
ومؤسسة "التميمي للبحث العلمي والمعلومات" تونسية يديرها المؤرخ عبد الجليل التميمي، وتصدر سنويا ثلاث دوريات علمية محكمة، كما نشرت أكثر من 200 كتاب، وعقدت عشرات المؤتمرات العلمية المتعلقة بالذاكرة الوطنية.