قضايا وآراء

من نحن وماذا نريد: منطلقات الحركات الإسلامية تحت المجهر (9)

1300x600
العلاقة البينية:

يظن البعض أن هناك علاقة خاصة تربط بين مكوّنات الحركات الإسلامية المختلفة، سواء على مستوى التنظيمات أو الأعضاء، على اعتبارهم جميعا يسعون إلى درجة معينة من الالتزام بالإسلام وتطبيقه في واقع حياتهم، وإن اختلفت طرقهم. لكن الواقع العملي يشهد بخلاف ذلك الظن. فلا تتسم العلاقة بين تلك المكوّنات بالانسجام كما يرى المتابع من بعيد، أو يظن العامة ممن لا فرق لديهم بين ذوي اللحى فالجميع بمعيارهم الظاهري سواء. بل ربما لم يدر بخلد أحدهم يوما مدى تأزم تلك العلاقة أو تعقيدها.

وفي تقديري أن سبب سوء العلاقة بين هذه الحركات يرجع بالأساس إلى ضعف - وأحيانا عدم وجود - ثقافة استيعاب الآخر وقبول المختلف. فكل حركة منها ترى أن نهجها هو الأقرب للهدي النبوي وبالتالي للطريق الصحيح. بل أحيانا ترى نفسها الفرقة الناجية التي ورد فيها الحديث، بينما غيرها من الحركات تشوه صورة الإسلام، إما لأنها تميّع صورة التدين، أو تتشدد فتنفّر الناس من الدين. لذا فلا عجب أن يعاني الصوفية في قُطر ما من هجوم جماعة إسلامية أكثر من سواهم، أو يكون أشد خصوم الإخوان في دولة ما هم السلفيون أو الأحباش مثلا.

لقد شاركت في ملتقى فكري في باريس عشية الربيع العربي، حضره لفيف من العلمانيين والإسلاميين من دول الربيع العربي، إضافة لبعض الساسة والمفكرين الأوروبيين. وعند الحديث عن محور التحالفات المستقبلية للحركات الإسلامية، قال أحد الإسلاميين عبارة لا أنساها: "العلمانيون أقرب إلينا من الإسلاميين". هذا الرد الصادق المفاجئ كان من أكثر الآراء التي ثار حولها النقاش يومها.

انحراف البوصلة وثغرة التوظيف:

لعل الأخطر في شأن تلك العلاقة أن النظم الاستبدادية قد استغلتها كثغرة لتضرب منها أطياف الإسلاميين بعضهم ببعض، كما أن الحركات الإسلامية لم تتفهم أن أنظمة تلك طبيعتها لا تبتغي نصرة الإسلام مهما كانت نسخته مدجّنة أو مهجّنة، فمبتغاها الأول توطيد حكمها وإرضاء داعميها من القوى الدولية ذات المصالح، وما تلك الحركات - كما غيرها من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية - حين تُقرّب أو تُبعد إلا ورقة في لعبة التوازنات التي تجيدها الأنظمة.

من ناحية أخرى، يلاحظ وجود علاقات مشبوهة لبعض المنتسبين لهذه التنظيمات مع الأجهزة الأمنية في بلادها، إما من باب (إنهم يعلمون كل شيء ولن أضيف جديدا بحديثي، بل ربما يحفظ لي المعنيون هذا الجميل وقت البلاء)، أو هو تجنيد لبعض الأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يشكل اختراقا ملموسا داخل كثير من هذه الحركات. ويخطئ من يظن أن هدف هذا الاختراق هو الحصول على المعلومة وفقط، فإن الأخطر هو وصول تلك الشريحة المخترقة لمواقع صنع القرار مباشرة، أو أن يكونوا على مقربة من دوائره. وفي بعض الأحيان يكون دورهم هو الدفع بالأقل كفاءة إلى صدارة هذه التنظيمات، وهذا في رأيي أخطر الأدوار.

بالتأكيد ليس من المبرر ولا المقبول مطلقا لجوء حركة أو تنظيم ما للعنف في الدول المسلمة، لكن سقوط البعض في هذا الفخّ لا يبرر في المقابل استباحة حقوقهم الإنسانية سواء بالتعذيب أو انتقاص الكرامة، فضلا عن انتهاك أعراضهم وظلم نسائهم وأبنائهم. وفي تطبيق القوانين ذات الصلة ما يكفي من ردع وعقاب. لكني أزعم أن الحركات الإسلامية - بكل أطيافها - لم تقف وقفة حق ضد ما تعرّض له غيرهم من حركات إسلامية أخرى وذويهم من ظلم صارخ – سواء ممن سقطوا في هذا الخطأ أو آخرون، الأمر الذي جعلهم يشربون من نفس الكأس يوما حين دارت الدائرة عليهم لينطبق المثل السائر (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).

إن بناء علاقات بين الحركات الإسلامية يجب أن يَصبّ أولا في مصلحة الوطن قبل أن يَصْب في مصلحة أي من هذه الحركات. وفي رأيي، أن الحقوق الأساسية التي حددها الشرع لكل الناس يجب أن تكون هي الناظم الأول لمثل هكذا تحالفات. فلن يختلف أحد علي الحرية والكرامة وحق العيش وحفظ المال والأرض والعرض والدين خاصة حين يكون هناك شركاء في الوطن من غير المسلمين. 

أعتقد أن أي تحالفات الآن أو مستقبلا بين حركات إسلامية تستثنى منها باقي قطاعات الشعب، سيكون ضررها أكثر من نفعها. ولعل مقولة بعض العوام - رغم سطحيتها - تعتبر تجسيدا لهذا الأمر: لو أنكم إسلاميون فهل نحن كفار؟! وهذا ينقلنا إلى العلاقة مع بقية شرائح المجتمع لنتناوله في الحلقة المقبلة.

يتبع..