أفكَار

الفتوى الدينية للأحداث السياسية.. محاذير توظيف "المقدس"

أيد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التعديلات الدستورية في تركيا
أيد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التعديلات الدستورية في تركيا
أثار بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أعلن فيه الشهر الماضي تأييد مواقف سياسية تركية، من بينها خيار النظام الرئاسي، نقاشا حول حدود التدخل المسموح لعلماء الدين في الأحداث السياسية.

وترددت أصداء النقاش في داخل الأوساط الفقهية. وفي هذا السياق، كتب جاسر عودة، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عبر صفحته في موقع فيسبوك، "إن مثل هذه البيانات ذات الطبيعة السياسية الحزبية، يخرج عن دور الاتحاد كهيئة علمائية تستهدف أن تمثل مرجعية شرعية للأمة". وأضاف عودة: "ليس من مهمات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إصدار البيانات، ولا يصح أن تصدر عن الاتحاد أو باسمه بيانات عامة، إلا في النوازل الكبيرة التي تتطلب موقفا شرعيا عاما"، وفق تعبيره.

في الاتجاه ذاته، قال محمد الصياد، الباحث في الفكر السياسي الإسلامي، إن حدود دور المفتي فيما يتعلق بالشأن السياسي يقتصر على القطعيات والثوابت، "أما الظنيات والمتغيرات فهي داخلة في إطار المقاصد الحاجية ومصالح الدولة، التي تتكيف حسب رؤية مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية التي انتخبتها الجماهير، وأبرمت ما يشبه عقد الوكالة معها".

وأضاف الصياد لـ"عربي21" أن دور الفقيه يتوقف عند حدود الفتوى والتبيين، وليس الإلزام والتنفيذ، حتى إذا تعلق الأمر بالقطعيات من الدين". ويفسر ذلك بأن "التنفيذ داخل في مهام المؤسسات الأخرى وليس من مهام الفقيه، لذلك فرّق الفقهاء بين القاضي والمفتي، وبين ما هو حرام ديانة لا قضاء وما هو حرام قضاء لا ديانة"، كما يقول الصياد.

وينتقد الباحث الصياد المفتين الذين يتكلمون في كل شؤون الدولة، ويصفهم بأنهم "لا يدركون مهام المفتي ورسالة الفقيه، فالدولة في الإسلام ليست كهنوتية، وليست من مسؤوليات رجال الدين وحدهم، بل هي مهمة كل المتخصصين حسب المجال والخبرة والموقع".

ويعلل الصياد دعوته إلى ابتعاد الفقهاء عن الإفتاء في كل المسائل؛ بأن هذا الابتعاد "يجنب المفتي استغلال الأحزاب السياسية المتصارعة له ولشخصه ولمكانته، فهو ينبغي أن يكون أسمى من الخلافات الحزبية؛ لأن الفقيه يجب أن يكون فقيها ومفتيا للمسلمين جميعا لا لحزب دون آخر، أو جماعة دون أخرى"، على حد قوله.

وفي سؤال لـ"عربي21" عن ضوابط حديث المفتي في القضايا السياسية، يجيب أحمد طه، الكاتب والباحث المصري، بأن أهم الضوابط أن "يكون الحديث في إطار القضايا العامة للأمّة ومقاصد الشريعة المتعلّقة بتحرير الأوطان، وحفظ الحقوق، وتحقيق كرامة الإنسان في وطنه، وإعمار الأرض والتعاون على البرّ، وتحقيق المصالح العامة للوطن".

فالمدار هنا، وفق الباحث طه، هو الحديث في الشأن السياسي "دون تحزّب ودون انحيازٍ لحزب بعينه، ودون انزلاق في الصراع السياسي، ودون توظيف حزبي أو أيديولوجي للفتاوى الشرعية في الصراعات الحزبية والسياسية"، وفق قوله.

ويحذر طه من صبغ الصراعات السياسية بثنائية "الحلال والحرام"، فهذه الصبغة كما يراها تعني "توظيفا صريحا للشرع الحنيف في الصراعات السياسية، كما تعني تحويل الفتوى الشرعية إلى أداة من أدوات الحشد والتجنيد، كما من شأنها تحويل المنابر والمساجد إلى أبواق للدعاية الحزبية، وهو أمر له عواقب وخيمة على الديني والسياسي في آنٍ معا"، وفق الكاتب أحمد طه.

من زاوية أخرى، يعلل يونس الأسطل، عضو رابطة علماء فلسطين، تدخل المفتي في القضايا السياسية بأن "الشريعة لا بد أن تكون لها كلمتها في كل قضايا الحياة، وأن أحكام الشريعة تضمنت العبادات والمعاملات وشؤون السياسة وأحكام الدولة والعلاقات الدولية".

وفي سؤال لـ"عربي21" عن محاذير استغلال الفتوى الدينية لخدمة مصلحة حزب سياسي دون غيره، أوضح الأسطل أن "الفتوى قد تخدم الحزب وقد لا تخدمه، لكن المفتي نائب عن الله تعالى في تبليغ مراده لعباده، فيجب أن يفتي بما يظنه حقا سواء خدم مصلحة الحزب أم لم يخدمها"، كما يقول.

ورأى الأسطل أنه "لا مانع من الإفتاء بمصلحة الحزب؛ إن قصد المفتي التجرد لوجه الله ووافقت فتواه مصلحة الحزب، لكن إن أفتى بتسويغ مواقف الحزب التي يعتقد أنها مخالفة للدين، فهذا من الافتراء والكذب على الله تعالى، وهو فسوق يطعن في فتواه، ويطعن في تجرده لله تعالى"، وفق تعبيره.

وعن الضمانات التي ينبغي توفرها، كي لا توظف الفتوى سياسيا، يوضح الأسطل أن هناك ضمانة تتعلق بتجرد المفتي و"مخافته لله تعالى وعدم خشيته في قول كلمة الحق"، مضيفا: "هناك ضمانة أخرى؛ وهي أن تكون الفتوى جماعية لا فردية، وأن تتشكل مجامع فقهية ودور فتوى يجتمع فيها أكبر عدد من المتخصصين لمدارسة الأسئلة المطروحة والإجابة عليها بصورة جماعية".

 ويخلص الأسطل إلى القول: "كلما كثر المشاركون في الفتوى، فإنه سيكون من بينهم من يخاف الله ويمنع من أن تجير الفتوى لخدمة مواقف سياسية مخالفة لأحكام الشريعة"، وفق تقديره.
التعليقات (0)