برغم أجواء القمع التي تعيشها
مصر، وصف الكاتب الصحفي
جمال الجمل، المعروف بتوجهاته الليبرالية، رئيس الانقلاب، عبد الفتاح
السيسي، بأنه "زعيم من وهم، وأسد من ورق"، في
مقاله بعنوان: "لا تتركوا السيسي يبتسم"، الذي امتنعت صحيفة "المصري اليوم"، عن نشره، فاضطر إلى نشره بصحيفة "البديل"، الأحد.
وبلهجة مليئة بالتحدي، خاطب الجمل، السيسي، قائلا: "ما نبقاش رجالة يا نظام الفساد والعمالة، لو سكتنا على جرائمك في حق التراب والشباب.. ما نبقاش رجالة أيها الرئيس المخادع لو سيبناك تبتسم.. وشعبك يعاني".
وفي بداية مقاله، قال الجمل إنه حذَّر في ختام أحد مقالاته قبل شهور من نجاح دولة الأشلاء العميقة، في تصدير "زبالتها" السياسية والاقتصادية إلى معنوياتنا، لإصابتنا بإحباط مقصود، وأنها تخطط لجرنا إلى الخلاء القاحل، بعيدا عن جبهات المعارك الحقيقية، والدوران بنا في متاهات مصنوعة سلفا، أو موجودة بالصدفة، حتى نعاني من أعراض الإجهاد السياسي والفكري والمعنوي، فنستسلم، مقتنعين أنْ ليس بالإمكان أفضل مما كان".
وأردف: "الآن، وقبل عام واحد من انطلاق الانتخابات الرئاسية، يبدو السيسي "زعيما من وهم"، و"أسدا من ورق"، فقد أنقذ الناس من الرمضاء، ثم ألقى بهم في النار".
وتابع الكاتب ساخرا: "الواد أبو عشرين جنيه لم يعد يرفع سكينة الكهرباء، لكن السيسي رفع أسعارها إلى الحد الذي يشوي الفقراء على سطح صفيحه الساخن، وطوابير الوقود اختفت إلا قليلا، لكن الوقود نفسه صار في حالة جفاء مع مرتبات البسطاء ومداخيلهم، الأسعار تضاعفت، وبعدها تجاوز ثلاثة أضعاف في زمن قياسي أفقد الناس قدرتها على استيعاب ما يحدث، وأفقدها أيضا فرصة الرد على هذا الجشع والجنون".
وواصل الجمل حديثه: "مرت ثلاثة أعوام إلا قليلا على السيسي رئيسا، كانت في معظمها عليه، وليست له".
وساخرا تابع: "الأسد المنقذ، صاحب التفويض الشعبي الجارف، استهلك معظم رصيده الجماهيري في قضايا خاسرة، ودفع من قلوب الناس ثمنا باهظا للوعود التي قطعها على نفسه، ولم يف بها، للآمال التي بشر بها الشعب المنهك، ولم يحقق منها إلا مزيدا من الأعباء، والمطالبة بالتحمل والصبر".
واستدرك: "برغم ذلك الفشل كله، يمكن للسيسي أن يجلس على مقعده الوثير في "الاتحادية"، يسند ظهره بعظمة، وينظر إلى الثريا الفاخرة المتدلية من السقف، ويبتسم، فليس هناك شارع يؤرقه، وليس هناك أحزاب تضغط عليه بإصلاح، وليس هناك برلمان يحاسبه، وليس هناك مؤسسات تنازعه في دولة الفرد الواحد، وليس هناك مرشح محتمل يجبره على القلق من ترك القصر، أو يدفعه للتفكير في إرضاء شعب طيب من الناخبين المبرمجين سلفا".
واستطرد: "تزعجني حالة الإحباط العام التي أصيب بها الشارع السياسي كله، أحزابا وأفرادا، وهي في ظني حالة غير واقعية، يدخلها الناس بلا تخطيط، ويخرجون منها بلا اتفاق، لكننا لا يجب أن نجلس على أرصفة الزمن، وننتظر أن يفيق الشارع، بالمصادفة أو استجابة لحادث ما، بينما النظام الحاكم يرتب، ويخطط، ويواصل الخطوات على طريقة التمكين لعصابة الفساد والتبعية، التي تحكم بالنار والحديد في الداخل، وبالطاعة والخنوع في الخارج، حتى لو تجاوزت هذه الطاعة حدود التبعية المشينة إلى عار الخيانة الصريحة، والتفريط في أرض الوطن، ومستقبله".
وواصل الجمل تحديه للسيسي: "إن تأمل ما حدث في قضية "تيران وصنافير"، وتبعاتها في نقابة الصحفيين، وقمع التظاهرات، وزج المعارضين في السجون، وتدجين الإعلام، تواكب مع تمرير شروط صندوق النقد الدولي، بكل ما جلبته من خراب، دفع ثمنه المواطن البسيط الذي زادت عيشته مرارا فوق مرار، ومع ذلك لم يشعر السيسي بالخطر، ووسوست له أجهزته أن ثورة 11 نوفمبر الملفقة هي المؤشر والمقياس لقدرة الناس على التحرك، ولمَّا لم يحدث شيء، لم يأبه بالمواقف الوطنية في الشارع الغاضب، ولا بمقالات الكتاب المطالبين بعدم التفريط في التراب الوطني، بل ولم يهتز لأحكام القضاء، وبدا "الرئيس المريب" مصمما على مواصلة سياساته الخرقاء، واثقا من أن الشعب لا يملك أن يملي عليه غير ما يريد.. "ما حدش يقدر يعمل لنا حاجة.. إحنا بنفرد في 6 ساعات".
وهنا قال الكاتب: "رؤية الحال بهذه الطريقة، لا تضعني أمام سؤال سياسي فقط، بل تضعني أمام سؤال كرامة.. سؤال بطولة، ولا أقول رجولة حتى لا أستبعد نصف الوطن. لكن يمكن أن نكررها على سبيل المجاز باللغة التي يفهمها السيسي، وتحدث بها من قبل: "ما نبقاش رجالة يا نظام الفساد والعمالة، لو سكتنا على جرائمك في حق التراب والشباب.. ما نبقاش رجالة أيها الرئيس المخادع لو سيبناك تبتسم.. وشعبك يعاني".
ومختتما مقاله قال جمال الجمل، بلهجة متحدية: "في المقال المقبل نفكر معا في الحلول العملية، التي تعكنن أعداء الشعب، وتمنع كل من يخدعنا من الاستمتاع بالكرسي الوثير، والجعصة والنجفة، والضحك على مواجعنا"، بحسب قوله.
ومن جهتهم، رحب نشطاء كثيرون بما قاله الجمل، وأثنوا عليه، قائلين، في تعليقاتهم على مقاله، إنه أصاب كبد الحقيقة، في وقت دخل فيه أفراد تابعون لكتائب السيسي الإلكترونية، فيما يبدو، وانهالوا عليه شتما وقذفا، مطالبين إياه بأن يغادر مصر، زاعمين أنه يزايد على الفقراء، الذين تحملوا تبعات الإصلاح الاقتصادي.