صدَم الكاتب الجزائري الفرانكفوني بوعلام صنصال، مؤخراً، الجزائريين وغير الجزائريين، من بينهم حتى الكثير من الفرنسيين، بتشبيه الإرهابيين "الداعشيين" الذين ينفذون عمليات إرهابية في أوروبا، وبشكل خاص ذلك الهجوم الارهابي المروع في نيس، بمجاهدي ثورة التحرير الجزائرية الذين كانوا ينفذون عمليات فدائية ضد الاستعمار الفرنسي.
لن أبالغ لوقلت إنه بقدر ما قززني ذلك الموقف من صنصال، الذي عبَّر عنه في مقال نشره مؤخرا بصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإنه لم يفاجئني لأن الكاتب المثير للجدل والساعي نحوه "متعود.. دائما!" على مثل هذه الخرجات التي لا تختلف دلاليا من حيث البحث عن جذب الأنظار، بل وحتى "الصدمة والترويع" الإعلامي عما ما يسعى إليه "داعش"!
فلصنصال تاريخ من الخرجات المستفزة إعلا ميا وأدبيا، فقد سبق أن ألف رواية "?قرية الألماني ?أو مذكرات الأخوان شيلر" (?الصادرة بالفرنسية في ?2008)?، ?والتي ?ترجمت إلى الإنجليزية في ?أمريكا بعنوان "?المجاهد الألماني" (?فيما ترجمت ببريطانيا بعنوان مغاير "?عمل ?غير منجز" ربما خوفا من ردود فعل غاضبة لهذا الخلط والتدليس، بربط ثورة التحرير الجزائرية ومجاهديها بالنازية وحتى كما يزعم صنصال الرابط بين "الأصولية الإسلامية" والنازية! ويقدم صنصال في هذه الرواية "عربون ولاء ?آخر للصهيونية وإسرائيل، ?التي ?يزورها فيما بعد، ?فـ"المجاهد الألماني"، كان ?ضابطاً نازياً ?لجأ إلى مصر، وأرسله جمال عبد الناصر لمساندة الثورة الجزائرية في خمسينات القرن الماضي!?????????????????????????????????????
في أيار/ مايو 2012، وبالتزامن مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الرابعة والستين للنكبة، دعا الكيان الصهيوني صنصال للمشاركة تقرييا كـ"ضيف شرف" في مهرجان بالقدس المحتلة، احتفالًاً بذكرى إنشاء الكيان الإسرائيلي، وقد لبَّى صنصال الدعوة، بل وعبَّر حتى في حوار مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن افتخاره بزيارة الكيان الصهيوني وتشوقه لزيارته مرة أخرى، ومدحه علنا لإرضاء اللوبي الصهيوني النافذ لأغراض جوائزية مفضوحة. وفي حواره مع الصحيفة الإسرائيلية قبل أقل من عام، للتسويق لروايته الجديدة التي تحمل عنوان "2084" صرخ صنصال عاليا: "تحيا اللغة الفرنسية وحدها في الجزائر"! وقال بأنه "يريد أن تكون هي اللغة الرسمية في الجزائر"!
صنصال لم يتوقف في مسلسل استفزازاته عند المطالبة بجعل لغة المستعمر الفرنسي، الذي حرق الأرض والنسل لـ132 سنة من الاحتلال، بل ذهب إلى حد الترويج إلى احتلال جديد للجزائر وحتى للعرب والمسلمين.. احتلال إيراني فارسي شيعي!
ففي حواره مع صحيفتي "الوطن" الجزائرية و"هآترس" الإسرائيلية للتسويق لروايته الجديدة "2084" (الصادرة خريف 2015)، أطلق صنصال تصريحات استفزازية خطيرة. ولعل أكثر هذه التصريحات شؤما هو محاولته التسويق ليس تخيلا روائيا، إنما واقعيا ومن منطلق غريب جاهل بالحقائق التاريخية والواقعية إلى "قَدرٍ" غريب، يُسلم فيه صنصال بمستقبل تخضع فيه الجزائر وشعبها وحتى شمال إفريقيا والعرب والأتراك وحتى الهند، لحكم احتلالي شيعي، يقبل به السنة ويسلمون القيادة لإيران الشيعية! كما قالها صنصال بشكل صريح وأكثر تفصيلا في "خواره" الآخر مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
كما جاء في روايتة "2084"، التي تقع أحداثها في هذا العام ويسيطر فيها على العالم حكم ديكتاتوري عالمي للدولة الإسلامية، ليس "داعش" كما يصحح لمحاورته الإسرائيلة إنما إيران. وبقدر ما هناك "تسويقا" يتماهى فيه أو بالأحرى يقدم فيه صنصال خدمة لرواية إسرائيل التلاعبية لخطر إيران، فإن هناك جهلا وتناقضا واضحا في ما يطرحه صنصال، الذي أجزم أنه لا يعرف الخلفية التاريخية الطائفية المشحونة والمعقدة في العالم الإسلامي بين الأقلية الشيعية والغالبية السنية.
صنصال، الذي لا يعرف بالتأكيد تفاصيل الوضع في داخل إيران يقول لـ"الوطن": "إن إيران تنظر إلى بعيد، وهي دولة حقيقية، تتمتع بقوة اقتصادية، وعسكرية وعلمية، وثقافية.. وأن ما يحدث في سوريا وليبيا بدائي جدا ليكون له معنى استراتيجيا، ولكنه يخدم إيران، التي تخطط على المدى البعيد بطريقة ذكية وجِدّية.. وأن أمريكا وأوروبا الذين حاوروا طويلا إيران ووقّعوا معها اتقاقا لم يخطئوا أن القوة المقبلة ستأتي من إيران، التي عندما يحين الوقت ستبتبلع الدول العربية وستمد امبراطورايتها لى الهند، وتركيا، والمغرب والساحل... والخ"؟!
صنصال لا يعرف بالتأكيد التحديات الاقتصادية والسياسية، التي يواجهها حكم الملالي في إيران، التي يشكل فيها الفرس 40 في المئة بالمئة فقط من السكان، وفيها تنوع عرقي وطائفي، ففيها مثلا أكراد مضطهدون، وعرب كذلك يناضلون من أجل الاستقلال في الأحواز المحتلة، وفيها سنة مضطهدون ممنوعون حتى من فتح مسجد في العاصمة طهران! وهناك حتى تمرد مسلح في المناطق السنية، وحتى الولاء والالتزام الديني في الأوساط الشعبية الشيعية لنظام ولي الفقيه ليس إلا عند أقلية.
بوعلام صنصال، الذي يقول إن الجزائر مُطعمة ضد الديمقراطية، يذهب بعيدا في تقزيمها رغم أنها بلد قارة الذي تفوق مساحته إيران مثلا بما يقارب مليون متر مربع! في سياق هوسه "الهذياني" لتسليمها لحكم الملالي الشيعة في إيران بالقول لصحيفة "الوطن" بأن "الجزائر لا تساوي شيئا، وهي بلد صغير غير متسق، وسيتم ابتلاعها ومضغها كقطعة خبز صغيرة"!
هذا الهذيان الإستصغاري للجزائر والتضخيمي لإيران، وإن كان له تفسير فإنه يعود إلى "حمى" عرب فوبية معادية لكل ما هو عربي بخلفية إسلاموفوبية متعامية ترى ما تسميه وباء الأصولية السلفية الوهابية، بينما تتعامى عن وباء "الأصولية التبشيرية لولاية الفقيه".. وهذه "الحمى المتعامية" لا تصيب فقط صنصال بل قطاع من المثقفين في الجزائر، وحتى في العالم العربي!