كتب

شبابنا والإلحاد".. موضة عابرة أم حالة متفاقمة؟

كتاب ميليشيا الإلحاد
كتاب ميليشيا الإلحاد
خصص الباحث الشرعي السعودي المتخصص في قضايا الفكر المعاصر، عبد الله بن صالح العجيري، المحور الثاني من كتابه "ميليشيا الإلحاد.. مدخل لفهم الإلحاد الجديد" للحديث عن حالة الإلحاد في المجتمع السعودي المعروف بمحافظته وتدينه.

أثار العجيري في سياق رصده لحالة الإلحاد في السعودية، ما أسماه بـ"سؤال الظاهرة": هل أضحى الإلحاد ظاهرة محليا؟ وجوابا عن هذا السؤال ساق كلاما للباحث السعودي البراء العوهلي على سبيل الإعجاب به، قال فيه "من الصعب أن نحكم حكما دقيقا؛ لعدم وجود إحصائية يمكن من خلالها أن نعرف النسبة وربما يكون عمل مثل هذه الإحصائية صعبا".

وأرجع العوهلي صعوبة ذلك إلى كون "غالبية من يلحد أو يترك الدين يكتم هذا ولا يعلنه، خصوصا في مجتمعنا المتدين الذي يصعب أن يعلن فيه الإنسان مثل هذا الخيار، ولكن كثيرا من المؤشرات تؤكد أن الإلحاد واللادينية واللاأدرية والشك موجود في بلادنا بشكل أكبر مما يتوقعه غالبية الناس، وخصوصا بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين".

استحسن العجيري رأي العوهلي وعقب عليه بقوله: "وأجد نفسي متفقا إلى حد كبير مع هذا التوصيف، وإن كان هذا الاتفاق ناشئا كما سبق عن انطباع شخصي بسبب الاحتكاك مع كثير من النماذج محليا، ومتابعة ما يكتب على المواقع الإنترنيتية العربية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وكم كنت أتمنى لو كان الكلام مبنيا على دراسة علمية جادة تفضي بنا إلى جواب أكثر دقة بهذا الخصوص ولكن ما باليد حيلة".

من جانبه، رأى الباحث الأردني، عمار سليمان، المقيم في السعودية والمهتم بالحالة، أن "الإلحاد لا يشكل ظاهرة في مجتمعاتنا، لكنه حالة متفاقمة تدق ناقوس الخطر، ومع أنه لا يشكل ظاهرة ماثلة للعيان إلا أنه ينمو متسارعا في أروقة الظلام، وبتنا نرى عملا جماعيا في الجامعات، وعلى المستوى الإعلامي فهناك قناة للملحدين ومجلة صدر منها ما يقارب أربعين عددا".

وأوضح عمار لـ"عربي 21" أنه من خلال خبرته في التعامل مع هذا المجال بات طبيعيا أن يسمع أن أخا صديقا اقترب من الإلحاد، وأن صديق صديقه يسأل أسئلة في غاية التعقيد عن الوجود الإلهي، لافتا إلى أن هناك موجة تتسارع، ولابد من التعامل معها بسرعة حتى لا تتفشى وتصبح ظاهرة تزيد وضعنا المأزوم أزمة فوق أزمة.

ومن الجدير بالذكر أن الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية، أسست في وقت سابق مركزا خاصا بمكافحة الإرهاب، أطلقت عليه اسم "يقين لمعالجة النزعة الإلحادية واللادينية"، استشعارا منها بتفاقم حالات الإلحاد، أو المتأثرين بالدعاية الإلحادية بحسب باحثين ومراقبين.

 جاء في التعريف بالمركز طبقا للمنشور على موقعه الرسمي: "مشروع علمي دعوي متفرع عن "الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب"، يقوم على رصد المد الإلحادي واللاديني "الربوبي" في المجتمع السعودي وغيره، والتحصين منه، ومعالجة أثاره".

أسباب تفاقم الحالة

لماذا تتفاقم حالات الإلحاد سواء الصريح منه أو المستتر (الذي يأخذ في بعض تجلياته حالة من حالات التمرد على القيم والمبادئ الدينية) في المجتمعات الإسلامية، خاصة في مجتمعات محافظة متدينة كالمملكة العربية السعودية؟

وفقا للعجيري، فإن "حالة التمرد ضد القيم والمبادئ الدينية في أوساط بعض الشرائح، آخذة في التوسع في هذه المرحلة، خصوصا بين القواعد الشبابية، وذلك لعوامل متعددة، أهمها الانفتاح المعرفي الهائل، والذي يحقق دورا تثقيفيا حقيقيا إلى حد ما، كما يخلق حالة من وهم الثقافة أيضا"، على حد قوله في كتابه (ميليشيا الإلحاد).

وأضاف "فكثير من الشرائح الشبابية باتت تتلقى معرفة أفقية سطحية في ملفات متعددة، ويُحصل عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي جرعات معلوماتية مخففة ومبعثرة، تخلق مع الوقت حالة من الانتفاخ المعرفي الخاوي"، وقد أفضت تلك الحالة مع الوقت إلى شيوع شعور بأن هامش الفرق بينهم وبين طبقة الدعاة وطلبة العلم والمشايخ والمفكرين والمثقفين ما عادت كما كانت".

وبسبب ذلك، وتبعا له، أصبح الخطاب الشرعي المحلي (ما يملا العين)، وذلك في حس مجموعات متزايدة من الشباب محليا، وأضحت الصورة النمطية للخطاب المشيخي في وعي الكثيرين صورة سلبية قاتمة أثمرت للأسف مع الوقت حالة من عدم الرضى عن الخطاب القائم أو سخطا عليه، طبقا للتوصيف الذي يقدمه العجيري في رصده ومتابعته بحسب قراءته للواقع السعودي.

وبيانا للأسباب التي زادت من حدة تلك الإشكالية وتفاقمها، ذكر العجيري جملة عوامل، كغلبة القيم المادية العلمانية، وهذا المزاج الليبرالي المهيمن في عالمنا اليوم، والذي يؤدي في حالات ضعف الممانعة إلى إعادة تشكيل العقول والتصورات على ضوئها، ويتسبب ليس في منافرة الخطاب الشرعي في شقه البشري فحسب، بل قد يحمل صاحبه على منافرة بعض القيم والمبادئ الشرعية الثابتة.

وتابع العجيري "ينضاف إلى هذا العامل أيضا واقع التخلف الحضاري، والحرمان من الحقوق المطلوبة، والحريات المشروعة، والتي تزيد من حالة الاحتقان لدى كثير من القواعد، وتدفعهم للتفتيش عن خيارات بديلة تسهم في تحقيق النهضة، ورفع الظلم، فإذا انضاف إلى هذا شعور بأن الخطاب الديني يسهم سلبا في رفع الظلم، أو يشرعن للاستبداد وسلب الحقوق تعاظمت الأزمة بشكل كبير".

ومع إقرار العجيري بوجود خطابات دينية في الواقع تمارس هذا الدور فعلا، إما عن غفلة أو جهل أو مع سبق الإصرار والترصد، فليس الخطاب الديني بأجمعه كذلك، ومن الظلم أن تستخدم مثل تلك اللغة التعميمية، التي تتسبب في ردات فعل غير محسوبة من قضية التدين ذاته في بعض الحالات المتطرفة.

وينتهي العجيري إلى القول بأن "هذا المناخ بأبعاده المختلفة هو الذي أوجد لدينا عددا من المشكلات فيما يتعلق بظاهرة التدين، إما تقصيرا في بعض جوانبه، أو انحرافا عن بعض مفاهيمه، أو تركا بالكلية وارتدادا عنه في أسوأ الأحوال، والذي غالبا ما يكون بتبني خطابات لا دينية أو ملحدة".

وفي السياق ذاته، أرجع الباحث الأردني عمار سليمان أسباب تفاقم الإلحاد وزيادة انتشاره إلى جملة من الأسباب يأتي في مقدمتها تعظيم الاتجاه العلموي، حيث أصبح العلم دينا عند البعض يلجأ إليه لتفسير أعقد الأسئلة الوجودية وأصعبها، وكذلك التأزم السياسي، فالفوضى السياسية تعتبر مرتعا لنمو الإلحاد، لأنها تصدر أسئلة لن تستطيع الإجابة عليها سريعا، ما يتسبب في زلزلة اليقين.

أما عن العوامل النفسية ودورها في ازدياد حالات الإلحاد، فأكد سليمان أثر تلك العوامل في تفاقم الحالات، التي غالبا ما ترتبط بأسئلة القلق الوجودي، والتقليد للغرب، وهنا يعتقد الشاب أنه بإلحاده أصبح شريكا في التطور الحضاري للغرب، لافتا إلى دور الميديا وروافدها الكثيرة والتي تثير جملة من الأسئلة القلقة والإشكالات الخطيرة جدا.  

خطاب عقدي لمواجهة الإلحاد الجديد

كيف يمكن للخطاب العقدي الإسلامي تطوير أدائه لمواجهة موجة الإلحاد الجديد؟ أفرد المؤلف صالح العجيري مساحة واسعة لمعالجة هذا التساؤل والإجابة عليه، ملحا في الدعوة إلى ضرورة تحري الصدق والعدل والدقة والموضوعية في تناول الحالة الإلحادية، وبذل الوسع في معرفة مقولات الملاحدة معرفة صحيحة ودقيقة، وعدم تسطيح الحالة الإلحادية.

يلفت العجيري إلى أن من صور التسطيح والاستخفاف بالحالة، ما يشيع في أوساط إسلامية عن نظرية التطور الداروينية، حيث يتم التساهل في وصفها بالبطلان لأن العلم أثبت عدم صحتها، ما أفقدها كثيرا من المؤيدين والأتباع، معتبرا أن واقع الأمر في الغرب على خلاف ذلك، لأن الدارونية (والتي يتكأ عليها الملاحدة في جدالهم) ما زالت تحظى بتأييد كبير في أوساط أكاديمية وثقافية غربية.

وبجسارة واضحة أشار العجيري إلى "ضحالة الكتب والمؤلفات العربية المخصصة لمناقشة نظرية التطور الدارونية، وضعف الردود الإسلامية على دعاوى الملحدين بأن العالم مستغنٍ عن الله في حدوثه، وإثباتهم لذلك وبرهنتهم عليه فيزيائيا كما يزعمون".

من التوصيات التي ألحّ العجيري عليها تجديد الخطاب العقدي، بما يتلاءم مع هذه النازلة بأبعادها العلموية الجديدة، وضرورة الاهتمام والاعتناء بمباحث درء التعارض بين العلم التجريبي (سلاح الملاحدة الأقوى) والنقل، مستندا إلى ما قام به ابن تيمية في مشروعه الكبير في درء التعارض بين النقل والعقل، وضرورة الاستفادة مما توصل إليه ابن تيمية وقرره في هذا المجال.

ودعا العجيري إلى عدم الاكتفاء بالدفاع في منازلة الملاحدة، بل لابد من تقديم رؤى نقدية هجومية، تعري الإلحاد وتبين تهافته في جملة من القضايا والمسائل والموضوعات، كالسؤال الأخلاقي، وسؤال الإرادة الحرة، وسؤال المعرفة العقلية الضرورية، وإظهار مدى هشاشة تفكير الملاحدة في تفسيراتهم المستندة إلى "الصدفة".

ويخلص العجيري إلى القول "ينبغي السعي في تحقيق حالة الحصانة العقدية، بدراسة المسائل المثارة من قبل الملاحدة، وسد مختلف احتياجاتنا البحثية في هذا المجال، فإن كان ثمة شيء من القصور والثغرات في مكتبتنا الشرعية مثلا فالسعي في سد تلك الثغرات متعين من قبل أن يتفاقم الأمر، ونصل إلى الحد الذي يصح معه توصيف الأمر بأنه ظاهرة، ليبتدأ التفاعل معها ولكن مع شيء من التأخر". 
1
التعليقات (1)
Alachique
الجمعة، 17-06-2016 09:19 م
( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ( 29 ) )

خبر عاجل