قضايا وآراء

مصر العسكر وشبح الشدة المستنصرية

شريف منصور
1300x600
1300x600
منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013 الذي قام به الجيش على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، تعيش البلاد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على كل المستويات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وفقدت مكانتها إقليميا ودوليا بشكل لم يحدث في التاريخ.. وبدأ النظام العسكري بمصر في تقديم سلسلة من التنازلات التي لا يبدو أنها ستتوقف بدءا باتفاقية الكلاماتا مع قبرص واليونان في نوفمبر عام 2014، والتي فرط فيها في ثروات مصر في غاز شرق المتوسط، بحسب مراقبين، إلى التفريط في جزيرتي صنافير وتيران المصريتين بحسب كل المواثيق مرورا باتفاقية سد النهضة في مارس 2015.. ونقف هنا مع اتفاقية سد النهضة وانعكاساتها على الأمن المائي لمصر..

وفي 23 مارس 2015، قام عبد الفتاح السيسي بتوقيع إعلان مبادئ حول سد النهضة الإثيوبي مع إثيوبيا والسودان، وبحسب مراقبين فإن أخطر ما في هذه الوثيقة هو عدم إقرار إثيوبيا بحصة مصر في مياه النيل والتي تبلغ 55,5 مليار متر مكعب سنويا وفقا لاتفاقية عام 1959، فيما صرح مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام أن إثيوبيا انتزعت من مصر اعترافا بحقها في بناء سد النهضة دون أن تحصل القاهرة على أي ضمانات للحفاظ على حقوقها المائية..

وقد بدأت الآثار الكارثية لسد النهضة في الظهور، حيث ذكرت التحليلات أن منسوب المياه بدأ في الانخفاض أمام بحيرة السد العالي بداية من يناير 2015 ولم يحدث ارتفاع في البحيرة مع قدوم صيف 2015 لأول مرة في التاريخ، بعكس دورة الفيضان لأنه من الطبيعي ارتفاع منسوب بحيرة ناصر بدءا من منتصف العام حتى يصل لأقصى ارتفاع مع نهايته، وفي عام 2015 تناقص منسوب بحيرة ناصر بحوالي 4 أمتار ولكي تملأ إثيوبيا خزان سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب مياه يجب أن يتناقص منسوب بحيرة ناصر بمقدار 16 مترا تقريبا، وهو ما بدأ بالفعل في صيف 2015، وإذا كانت إثيوبيا تقطع عن مصر ما يكافئ حوالي 4 أمتار كل عام من تدفقات النيل فستحتاج إلى 4 سنوات حتى تملأ بحيرة سد النهضة، بمعنى أنه بحلول صيف 2018 سيتناقص منسوب بحيرة ناصر بمقدار 16 مترا..

وقد بدأت الآثار الكارثية لتناقص المياه أمام السد العالي في الظهور، فقد ذكرت صحيفة المصري اليوم في 20 مايو الماضي أن هناك عشرة آلاف فدان من الأراضي الزراعية بمنطقة حفير شهاب الدين بمركز بلقاس محافظة الدقهلية تعرضت للبوار بسبب عدم وصول مياه الري لها، وبحسب تصريحات تلفزيونية لنقيب الفلاحين السابق عبد الرحمن شكري، قال إن الكارثة أعمق من ذلك بكثير لأن هناك 2 مليون فدان أصابها البوار بسبب عدم توفر مياه الري من أصل 8 ملايين فدان هي مساحة الرقعة الزراعية في مصر بنسبة 25% من الأراضي المنزرعة مما يؤثر عليى توفر الغذاء وعلى التجارة والصناعة أيضا.. وإذا أضفنا لذلك الانهيار الاقتصادي غير المسبوق ووصول حجم الدين بحسب خبراء إلى 4 تريليونات جنيه وانهيار الجنيه أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية بشكل غير مسبوق تجلى في المشهد الحزين الذي تابعناه جميعا من اقتحام محلات كارفور ومعرض أهلا رمضان نتيجة حالة الفقر التي يعاني منها قطاع عريض من الشعب المصري بسبب السياسات الكارثية للنظام العسكري..

فمع انخفاض منسوب نهر النيل ونقص مواد الغذاء وارتفاع أسعارها الجنوني وتزايد طوابير العاطلين نتيجة إغلاق المصانع والشركات وانهيار السياحة وتوقف الاستثمارات والتفريط في أراضي مصر جملة وقطاعي أخشى أن تدخل مصر وشعبها في أتون فقر وقحط كما حدث من قبل فيما سمي "بالشدة المستنصرية" التي حدثت في عهد الخليفة الفاطمي (المستنصر بالله) والتي أُطلق عليها "المجاعة القاتلة" من 1065-1071م_457-464 هجري، حيث روى المؤرخون حوادث يشيب لها الولدان.. ذكر المقريزي في كتابه (إغاثة الأمة بكشف الغمة) عن هذه الشدة فقال فيها: "تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطِف الخبز من على رؤوس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب، حتى إنهم أكلوا بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في إحدى القضايا وجاع الخليفة نفسه وباع كل شيء وتوقفت الزراعة لانعدام الماء وتفشي الوباء وكان كل يوم يموت عشرون ألفا من المصريين نتيجة المجاعة والوباء، ووصل عدد سكان مصر لأقل عدد في تاريخها وتوقفت التجارة والصناعة وانتشرت السرقات وتفكك الجيش واشتد القحط والجوع وأكلت الناس الجيف والميتة وروث البهائم وخرجت النساء جياعا يتظاهرن..".

في ظل هذا الحكم العسكري الذي يقتل الناس في الشوارع ويلقي بعشرات الآلاف في غياهب السجون ظلما وعدوانا، ويفرط في ثروات البلاد ومقدراتها وأرضها. ومع المخاوف المتزايدة من جفاف نهر النيل الذي يمثل شريان الحياة بالنسبة لشعب تخطي عدد سكانه 90 مليون، ويعتمد في 95% من احتياجاته المائية علي نهر النيل، أخشى أن تدخل مصر الحبيبة وشعبها في أتون شدة كبيرة ومجاعة عظيمة الله وحده يعلم آثارها على هذا الشعب وهو وحده الذي ينجي مصر من شرورها.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل