أجرت صحيفة "لوموند" الفرنسية حوارا مع رئيس
حركة النهضة التونسية، راشد
الغنوشي، للحديث عن التحولات المنتظرة داخل الحركة، حيث اعتبر الغنوشي أنّ مفهوم الإسلام السياسي فقد "مبرراته" في تونس، منذ قيام الثورة في سنة 2011، والمصادقة على الدستور التونسي في سنة 2014.
* يعقد حزب حركة النهضة مؤتمره بين 20 و22 أيار/ مايو في لحظة مفصلية من تاريخه، سيتم خلالها إعادة صياغة مبادئه. كيف سيكون هذا التغيير؟
- إن واحدة من نقاط جدول أعمال هذا المؤتمر تتمثل في مناقشة العلاقة بين البعد السياسي والبعد الديني للحزب. ونحن نؤكد على أن حركة النهضة حزب سياسي ديمقراطي مدني يجمع في مرجعيته بين القيم الحضارية المسلمة والعصرية. إن هذه المرجعية الموجودة في دستور 2014؛ تعكس هذا الفهم المختلط والثنائي بين المعاصرة والهوية. ونحن نسير في اتجاه أن يكون لحزبنا خاصيات سياسية محضة.
هل ستتخذ النهضة مسافة من مرجعياتها التاريخية في الإسلام؟
- إنّ ما نؤكد عليه هو ضرورة التمييز بين النشاط السياسي والنشاط الديني. فالمسجد ليس مكانا للنشاط السياسي. المسجد هو مكان يتجمع فيه العموم، وليس من المعقول استعماله بهدف استغلاله في أنشطة لحزب واحد. نريد أن يكون الدين أداة توحد التونسيين وليس سبب تفرقهم. لذلك لا نريد أن يكون إمام مسجد ما قائدا سياسيا، بل لا نريد أن يكون، أو حتى عضوا في أي حزب كان. نريد حزبا يتناول المشكلات اليومية ويناقش حياة الأسر والأشخاص، لا حزبا نتحدث فيه إلى هؤلاء الأشخاص والأسر والعائلات عن يوم الآخرة وعن الجنة. ونريد أن تكون الأنشطة الدينية في معزل عن الأنشطة السياسية؛ لأن ذلك سيكون في مصلحة السياسة حيث سنتفادى اتهامها باستغلال الدين لأغراض سياسية، كما سيكون ذلك في مصلحة الدين الذي لن يبقى رهين السياسة، أو محتكرا من طرفها.
* ما سبب هذه القفزة؟ وما هي العوامل التي دفعتكم نحوها؟
- إنها مرحلة من بين العديد من المراحل في سياق النضج. ونحن نعتقد أن الإسلام السياسي رغم تحفظنا النسبي على هذا الوصف والتسمية الغربيين، كان ردة فعل على عاملين؛ في البداية، رد فعل ضد الديكتاتورية، ثم رد فعل ضد التطرف العلماني. فقد وضعت ثورة 2011 حدا فاصلا ليس فقط ضد الديكتاتورية، بل أيضا ضد التشدد العلماني. فتونس تعيش اليوم في حالة ديمقراطية. وقد فرض دستور 2014 حدودا ضد التشدد العلماني، وفي نفس الوقت ضد التشدد الديني. ولم يعد هناك أيّ مبرر لوجود إسلام سياسي في تونس. ثم إن مفهوم الإسلام السياسي تم تشويهه بسبب التطرف من طرف تنظيمي القاعدة والدولة. ومن هنا ظهرت الحاجة الملحّة لإبراز الفرق بين الديمقراطية المسلمة التي ندعو إليها، وبين الإسلام الجهادي المتطرف الذي نريد أن نبتعد عنه.
* هل يعني ذلك أن النهضة أصبحت خارج دائرة الإسلام السياسي؟
- نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية الإسلامية. فنحن مسلمون ديمقراطيون، ولم نعد ندعو إلى الإسلام السياسي.
* سيقوم المؤتمر بتشخيص فترة مروركم بالسلطة بين نهاية سنة 2011 وبداية 2014 في حكومة الترويكا التي كانت النهضة أبرز مكون لها. فما هي خسائر وحدود هذه التجربة في السلطة؟
- لا بد من الاعتراف أولا بأن مرحلة الترويكا عمرت فترة طويلة. لقد التزمنا بكتابة الدستور خلال سنة واحدة على الأكثر، لكن هذه المرحلة استمرت ثلاث سنوات. كان في استطاعتنا تجنب ثنائية قطبية لو عملنا على إدماج أحزاب يسارية في الحكومة. لقد اكتشفنا أن الديمقراطية خلال المرحلة الانتقالية لديها مكانيزمات خاصة تختلف عن آليات الديمقراطية خلال وضعية الاستقرار. لقد دفعنا ثمن هذا الاكتشاف المتأخر غاليا. فالديمقراطية في حالة الاستقرار في حاجة إلى أغلبية عادية وسلسة، بينما الديمقراطية في حالة الانتقال، هي أكثر توافق ممكن، أكثر من حاجتها لأغلبية عادية. ولا يمكن للديمقراطية الانتقالية تحمل الثنائيات القوية والتعدد الإيديولوجي، إلا بصعوبة كبيرة.
* ما هو موقف حزب النهضة من مكتسبات تونس في حقوق المرأة؟
- لقد وضع دستور 2014 حدا لهذا الجدل بالحفاظ والدفاع عن حقوق المرأة التونسية. ولم يعد هناك إشكالية تسمى "حقوق المرأة في تونس"، وإن المشكلة الوحيدة الآن هي المشاركة المحدودة للمرأة. سندعو في مؤتمرنا إلى الرفع من مشاركة النساء في الحركة.
* هناك جدل كبير في تونس حول موضوع المساواة في الميراث بين المرأة والرجل. ما هو رأيكم فيه؟
- إن المساواة بين الجنسين ليس موضوع جدل شعبي، بل هو جدل نخبوي. الشعب التونسي، والنخبة تعتبر أن هذا الموضوع ضجة ملغومة بهدف إلهائه. كل القادة السياسيين من عهد بورقيبة إلى اليوم؛ أوفياء إلى هذا المبدأ الشرعي الذي نصّ عليه القرآن، وحسم فيه كما حسمت فيه هويتنا وحضارتنا. ولا يمكن أن نستغل هذا الموضوع بالوقوف عند ضرورة إرث المرأة بالمناصفة مع الرجل؛ لأن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك.
* عدم تجريم المثلية الجنسية هو موضوع آخر يثير جدلا في تونس. هل يهمكم الخوض فيه؟
- نحن نحترم القانون التونسي الذي ميّز بين الحريات الفردية والفضاء العام. فلا القانون ولا الدين يمكن أن يتدخل في الحياة الخاصة للأشخاص. ففي المجال العمومي، يُطبق القانون. وفي المجال الخاص، هناك الحرية الخاصة.
* أنتم منذ بداية سنة 2015 جزء من الحكومة الائتلافية التي يقودها خصمكم القديم، نداء تونس. هل هو تعايش حكومي أم تحالف استراتيجي؟
- في الوقت الحالي، يمكن اعتبارها مشاركة حكومية قد تتطور لتصبح تحالفا استراتيجيا. لم نصل بعد لهذه النقطة. وهذه المشاركة تصب في الصالح الوطني. إننا نتعلم إدارة المصالح المتباينة، خاصة وأننا شهدنا في تونس فترة طويلة من احتكار القرار السياسي. ولذلك فإننا في حاجة لتعلم التعايش، والاندماج مع الاختلافات.