مدونات

لو كنت رئيسا لمصر

محمد قبوض
محمد قبوض
لو كنت رئيسا لمصر، ما تنازلت أبدا عن حق وطني في جزيرتي تيران وصنافير، ولنترك التاريخ يتحدث عنهما: خلال عام 1906 قامت اتفاقية الحدود المشتركة المصرية بين الدولة العثمانية ومصر، ولم يرد فيها اسم جزيرتي تيران وصنافير تابعتين لولاية الحجاز، وهذا دليل على عدم امتلاك السعودية أي وثيقة تثبت أحقيتها امتلاك هاتين الجزيرتين.

ومع قدوم عام 1967 كانت الجزيرتان تابعتين للسيادة المصرية لمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات وإغلاق مضيق تيران، وبعد نكسة 1967 أصبحتا تحت سيطرة إسرائيل، وكانت مصر، في ذلك الوقت، في معاناة شديدة، وحدثت مفاوضات عديدة وبحور دماء نزفت من أجل استرداد الجزيرتين.

مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الجانبين المصري والإسرائيلي، استطاعت مصر فرض سيطرتها من جديد على الجزيرتين، وخضعتا أيضا لسيطرة قوات حفظ السلام، ولدوريات مراقبة للتأكد من امتثال مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية الواردة في اتفاقية السلام.

وفي 1983، أعلنت مصر تحويلها الجزيرتين إلى محميات طبيعية تصلح لعملها سياحيا، نظرا لطبيعتهما الخلابة. وحسب الخرائط وترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية عام 2010 لا توجد هاتان الجزيرتان في الخرائط والوثائق السعودية، وبتوقيع الملك عبدالله نفسه كخريطة رسمية للبلاد.

وحين نصبت نفسي رئيسا على مصر، فكلامي عن أرض مصر لا يكفي من طرح الوثائق والكتب والخرائط، فكل هذا لا يكفي بقدر حبي وعشقي هذا الوطن الذي ضحى من أجله الآلاف لحماية حدود هذا الوطن وممتلكاته. هذا ليس وطني وحدي، بل وطن الملايين من مواطني مصر الذين لم أشك، لحظة، في وطنيتهم وعشقهم هذا الوطن، فلا يمكنني أن أفرط في شبر من ترابه، لأني أعي جيدا كيف استردوه؟ ولمن؟.

كيف؟ بأرواحهم، وبدمائهم التي سفكت من أجل تراب هذا البلد، ولمن؟ من أجل البقاء والحفاظ على حقوق شعبها ومواطنيها.

لا يجوز لي، كرئيس للبلاد، أن أنصب نفسي وصيا على هذا الشعب، أو حتى على أرضه، لأتصرف فيها كيفما شئت، فأي شرع هذا؟ حتى ولو قمت باستفتاء شعبي، فضميري لن يسمح بالتطاول، وسلب حقوق ليست من حقوقي، بل هي حق شهداء هذا الوطن، وحق من حقوق الورثة الشرعيين الذين جاءوا في وصية الشهداء، وهم الشعب المصري، مواطني هذه الدولة.

لا أتساءل عن أهمية الجزيرتين استراتيجيا فحسب، بل لأنهما يمثلان أمنا قوميا بالنسبة لمصر، فمن خلال تلك الجزر كانت مصر تستطيع السيطرة جزئيا على الجانب الإسرائيلي، وبعد التفريط في أحقيتهما، أصبحت إسرائيل خارج السيطرة وبالفعل هذا ما تريده من عقود مضت.

لماذا فرط السيسي في الجزيرتين بهذه السهولة؟ هل من أجل نسبة سنوية يحصل عليها مقابل التفريط في الجزيرتين؟ أم لإرضاء السعودية، وتقبّلها نظام السيسي الذي سيصب في مصالحها؟ ولماذا كل هذا الصمت والتكتم من السعودية كل هذه الفترة الماضية؟
أسئلة صريحة، وتدهش كثيرين، والإجابة عليها أدهش وأعمق، وهذا يعني، وبشكل قاطع، لا يحتويه الشك أن الحكومة المصرية فرطت في أرضها، وهذا التفريط ليس شبرا واحدا، بل آلاف الأميال. فلو كنت رئيسا للجمهورية، لا يجوز لي التصرف أو التفريط في شبر واحد من الوطن، لدولة عربية شقيقة أو لأي دولة أخرى، فلا يجوز لأي دولة عربية أيا كانت أن تفرض سيطرتها على جزر ليست ضمن حدودها البحرية، فهل لديهم ما يثبت أحقيتهم لهاتين الجزيرتين؟

لا أعتقد أن يكون لديهم وثيقة واحدة تثبت أحقيتهم بالجزيرتين، ولو كنت رئيسا لمصر لن أسمح بأي تدخل يمس السيادة المصرية وحقوق شعبها وممتلكاته.
0
التعليقات (0)