ما تزال آثار فضيحة "وثائق بنما" متواصلة، وبدأ التصعيد يعلو شيئا فشيئا تجاه القادة المتورطين؛ ففي تونس تم تشكيل فريق تحقيق لما نشر عن سياسيين كبار في البلاد، وفي إسبانيا ظهرت مطالبات بإقالة وزير السياحة، فيما انبرى الرئيس البنمي خوان كارلوس فاريلا بالدفاع عن بلده، محاولا نفي الصورة السلبية عنها بسبب الوثائق.
تحقيق في تونس
طالبت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، الاثنين، الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بالتعاون بشأن الملفات التي تخص تونس فيما يتعلق بقضية التهرب الضريبي في "وثائق بنما".
وأكدت الهيئة الحكومية أنها قامت بتشكيل فريق من المحققين لدراسة ما يتم تداوله من انتهاك لمبادئ الشفافية والنزاهة واحترام القانون، والتقصي حول ما ورد في "وثائق بنما".
يذكر أن عددا من مؤسسات الدولة، من بينها وزارات المالية، والعدل، وأملاك الدولة، والشؤون العقارية، قد وافقت في وقت سابق على فتح تحقيقات قضائية وإدارية؛ للتثبت من المعلومات المتداولة.
ونشر حتى الآن اسما محسن مرزوق، السياسي المنشق عن حزب نداء تونس ومدير الحملة الانتخابية للرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، إلى جانب رجل الأعمال والمحامي سمير العبدلي، أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية في .2014
ودعت هيئة مكافحة الفساد البرلمان بتسريع المصادقة على قانون مكافحة الإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح في القطاع العام، والتصريح بالمكاسب.
كما حثت الهيئة على توسيع قائمة الأشخاص الخاضعين للتصريح بالمكاسب، لتشمل المسؤولين في الأحزاب السياسية، وأصحاب المناصب العليا في الدولة، والإدارة، لحظة توليهم لمناصبهم وعند انتهاء مهامهم.
قلق في إسبانيا
وفي الأثناء، طالب زعيم المعارضة الإسبانية بيدرو سانتشيز، باستقالة وزير السياحة في حكومة تسيير الأعمال خوسيه مانويل سوريا، بعد ورود اسمه في "وثائق بنما".
وفي تغريدة على موقع "تويتر" الاثنين، وصف سانتشيز موقف "سوريا" بأنه "موقف مشابه لموقف رئيس الوزراء الأيسلندي سيغموندور دافيد غونلاوغسون، الذي قدم الثلاثاء الماضي استقالته إثر الحديث عن ظهور اسمه بالوثائق المذكورة".
ويتزعم سانتشيز الحزب الاشتراكي اليساري، وهو المشرف على مساعي تشكيل الحكومة الإسبانية، بعد تكليفه من قبل العاهل الإسباني فليبي السادس.
وكشفت وثائق بنما أن "سوريا" تورطت لعدة أشهر بالتعامل مع مصارف "أوفشور" للخدمات، التي تأسست في جزر البهاما عام 1992 للتهرب الضريبي.
وأنكر الوزير الإسباني في تصريحات للقناة التلفزيونية الإسبانية لااسيكستا (حكومية) الاثنين الاتهامات الموجهة له، مؤكدا أنه "كلف محاميه بمتابعة الموضوع".
تجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الدولي للصحفيين الاستقصائيين تمكن من الوصول إلى قرابة 11.5 مليون وثيقة عائدة لشركة "موساك فونسيكا" للمحاماة، ووزعها على وسائل إعلامية في 80 بلدا مختلفا، حيث أشارت الوثائق التي نشرتها صحف عالمية منها "الغارديان" البريطانية، و"سودوتش زايتونغ" الألمانية، إلى تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية، بينها 12 رئيس دولة، و143 سياسيا، بأعمال غير قانونية، مثل التهرب الضريبي، وتبييض أموال عبر شركات "أوفشور".
وشركات أو مصارف أوفشور، هي مؤسسات واقعة خارج بلد إقامة المُودع، وتكون غالبا في بلدان ذات ضرائب منخفضة أو مؤسسات مالية لا تخضع للرقابة الدولية.
مشكلة عالمية
من جهته، ندد رئيس بنما خوان كارلوس فاريلا، تصوير بلاده باعتبارها البلد الوحيد الذي يتيح استخدام العديد من الأنظمة التي تتيح التهرب من الضرائب، والتي تم الكشف عنها من خلال "وثائق بنما".
وفي مقال له نشر في صحيفة "نيويورك تايمز"، قال إن بنما لا تستحق الانفراد بهذا الأمر الذي يحدث في العديد من الدول"، مضيفا أن "مشكلة التهرب الضريبي هي مشكلة عالمية".
وأضاف فاريلا في المقال: "رغم اسمها، فإن وثائق بنما لا تتعلق أساسا بدولة بنما، بل إنها لا تتعلق بشكل مباشر بشركات بنمية".
وأكد قائلا: "نحن مستعدون لتحمل مسؤولية إصلاح هذا الخلل. وعلى العالم معالجة هذه المشكلة بشكل جماعي وبسرعة، وبنما مستعدة لكي تقود هذا الطريق".
عملاء مخابرات
على الصعيد ذاته، ذكرت صحيفة ألمانية الثلاثاء أن عملاء أجهزة مخابرات عدة دول، بينهم وسطاء للمخابرات المركزية الأمريكية، استعانوا بخدمات مكتب "موساك فونسيكا" للمحاماة البنمي، وذلك بهدف "إخفاء" أنشطتهم.
وكتبت صحيفة "زود دويتشي تسايتونغ" التي تصدر في ميونيخ: "إن عناصر مخابرات ومرشديهم استخدموا على نطاق واسع خدمات المكتب" البنمي.
وبحسب الصحيفة، "فتح عملاء مخابرات شركات وهمية لإخفاء عملياتهم (..) وبين هؤلاء وسطاء مقربون من المخابرات المركزية الأمريكية".
وبين "زبائن" المكتب البنمي أيضا "بعض الناشطين" في عمليات بيع سرية للأسلحة لإيران في ثمانينات القرن الماضي، المعروف بـ"إيران كونترا"، ويخص عمليات بيع سرية لأسلحة أمريكية لطهران؛ بهدف الإفراج عن رهائن أمريكيين في لبنان، ولمساعدة عصابات الكونترا في نيكاراغوا، وفق المصدر ذاته.
وكتبت الصحيفة الألمانية أن "أوراق
بنما" تظهر أن "مسؤولين حاليين أو سابقين رفيعي المستوى في أجهزة مخابرات ثلاث دول على الأقل (..)، السعودية وكولومبيا ورواندا"، هم من بين زبائن المكتب البنمي.
وبين هؤلاء المسؤولين الشيخ كمال أدهم، المسؤول السابق في المخابرات السعودية، الذي توفي في 1999، والذي كان "في سبعينات القرن الماضي أحد أبرز المتعاملين مع المخابرات المركزية الأمريكية" بحسب الصحيفة.