مقالات مختارة

كما حَدث في الجزائر.. يحدث في فلسطين

سليم قلالة
1300x600
1300x600
وحدة المشاعر بين الجزائريين والفلسطينيين لا حدود لها. كما صَنعتها صُوَر تاريخ الكفاح الجزائري بالأمس ضد المُستدمِر الفرنسي، تَصنعها اليوم صُوَر كفاح الشعب الفلسطيني ضد المغتصب الإسرائيلي للأرض والعرض والتاريخ... الصورة ذاتها تتكرر منذ أكثر من نصف قرن. كما كان يُرمَى الجزائري بالرّصاص وهو على باب خيمته أو بيته، فيُردى قتيلا، يُرمى اليوم الفلسطيني بالرصاص وهو يَعبُر الطريق، ويُترَك مُضرَّجا بدمائه ليموت ببطء. الصورة ذاتها تتكرر مع فارق بسيط: أثناء حقبة الاستدمار الفرنسي كان التاريخ يُسجِّلها لنا بالأبيض والأسود، ولا نرى منها إلا النزر القليل وبعد مرور عقود من الزمن كأرشيف، نادرا ما يتم الكشفُ عنه، أما أثناء حقبة الاحتلال الإسرائيلي فقد أصبحنا نراها حية وبالألوان وعلى المباشر، ونُتابعها بألم وحسرة وكأننا شهود عيان.

ويتأكد لنا مرة أخرى أن طبيعة الاحتلال والاغتصاب والسيطرة والاستدمار واحدة، سواء أكانت في الجزائر أو هي اليوم في فلسطين، كما أن طبيعة المقاومة والصمود والكفاح واحدة كما كانت عندنا بالأمس هي عندهم اليوم...

 تلك الفتاة التي تناقلت صورتها وسائلُ الإعلام والتواصل الاجتماعي وهي مُضرَّجة بالدماء في أحد شوارع الخليل وقد رُمِيت للتو بالرصاص، لا تختلف عن صورة ذلك الشاب الذي أرداه الجندي الفرنسي في إحدى بوادي الجزائر بدم بارد وتحت عين الكاميرا التي كانت نادرة في تلك الفترة. نفس الضحية ونفس الجلاد، ونفس الدماء ونفس المشاعر ونفس المصير بإذن الله.

كما رحل جنودُ الاحتلال الفرنسي من أرض الجزائر بفضل تضحيات الشهداء، ونحن اليوم نحيي اليوم الوطني للشهيد (18 فبراير) سيرحل جنود الاحتلال الإسرائيلي من أرض فلسطين، إن آجلا أو عاجلا، ليس هناك مصيرٌ آخر للظلم  غير هذا. ولن تتوقف حناجرُنا عن الترديد بصوتٍ عال "فلسطين الشهداء" إلى غاية التحرير الكامل.

أكثر من قرنٍ وثلث قرن من الاحتلال الفرنسي، وشهداء بعشرات الآلاف في أكثر من ثورة شعبية ومُنَظَّمة، ومليون ونصف مليون شهيد في ثورتنا التحريرية، كانت الثمنَ الذي دفعناه لاستعادة السيادة على أرضنا والكرامة لأنفسنا، ولن يتردد الفلسطينيون في الاستمرار في الكفاح وتقديم الشهداء بعد الشهداء إلى غاية تحقيق الأهداف ذاتها، تحرير الأرض والانتصار للإنسان والتاريخ، إن لم يكن اليوم فغدا...

ذلك هو ما يجمع الجزائر بفلسطين، الأمل المستمرّ في الغد المُشرق القريب، والثقة التامة بأن المصير الحتمي للظلم هو الانهزام، ومصير الاعتداء هو الانكسار، وأن تلك الدماء الزكية التي سالت من شرايين تلك الفتاة الطاهرة ستروي أرض فلسطين الطيّبة، ولن يطول الزمن إلا وشجرة الحرية باسقة كما في الجزائر، في فلسطين..

عن صحيفة الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)