كتاب عربي 21

ماذا يعني الدستور في بناء الدولة؟

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
تطور الحياة الإنسانية فرض على البشر وضع منظومة متكاملة من القوانين والأعراف واللوائح التي تسهل عليهم إدارة الحياة، تُصاغ كل هذه المبادئ في وثيقة صارت تعرف باسم الدستور وتمثل قمة النظام القانوني للدولة، والدستور كما يقول المتخصصون كلمة فارسية الأصل تم تعريبها  وهي مركبة من (دست) وتعني قاعدة، ومن (ور) وتعني صاحب، أما علماء القانون الدستوري فيعرفونه بأنه النظام الأساسي الذي يبين ويحدد العلاقات بين الحكام والمحكومين، والذي يُبين شكل الدولة ونوع الحكومة التي تدير هذه الدولة وهو بتعبير آخر: القانون الذي يحدد شكل الدولة ويُبيّن السلطات المكونة لها، واختصاصات تلك السلطات وعلاقة بعضها مع بعض، والتزامات وحقوق الأفراد تجاه تلك السلطات وضمان هذه الحقوق. 

لا يعنى وجود الدستور فقط كوثيقة مكتوبة أن نظام الحكم فى تلك البلد التى تمتلك هذا  الدستور هو نظام دستورى فكل الأنظمة القمعية تؤكد وجود دستور مكتوب، فيه أعظم الحقوق والديباجات ولكن الواقع غير ذلك بل إن الواقع قد يكون فيه هذا الدستور مداسا لأقدام هذه السلطة التى تزدرى الدستور بممارساتها وانتهاكاتها ولذلك تؤكد أدبيات القانون الدستورى شروطا عدة يجب أن تتوافر حتى يمكن القول بأن هذا نظام دستورى من عدمه:

أولا: خضوع النظام الحاكم وسلطته التنفيذية  للدستور والتزامها به فى كل أفعالها واذا حادت عن ذلك فلا تعتبر شرعية بل فاقدة للشرعية.

ثانيا: عدم تركزالسلطة في يد الحاكم وحده، بل تتوزع  السلطات العامة في الدولة بين سلطات مختلفة  تعمل بمبدأ الفصل بينها  مع ضمان الاستقلالية التى لا تلغى الرقابة  ولا تعفى من المساءلة.

ثالثا: أن يكون الدستور مطبقا تطبيقا فعليا بحيث تتشكل  السلطة بأشكالها ودرجاتها المختلفة من حكومات وأجهزة وفقا لأحكام الدستور ومبادئه و تتحصل على صلاحياتها التى كفلها الدستور دون زيادة أو نقصان  فإذا خالفت ذلك  صارت خارج نطاق الدستور ومنافية لقواعده التى اختارها الشعب لتنظم حياته وتضبط علاقاته بحكامه.

فقهاء القانون الدستورى فى كتبهم أشاروا أيضا إلى بعض خصائص الدستور الذى يمهد لتحقيق الديموقراطية وأنقلها هنا بتصرف من الموسوعة السياسية للشباب الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية  ومنها:

أ - لا سيادة لفرد أو لقلة على الشعب:  

في الممارسات الدستورية الديمقراطية المعاصرة ليس هناك حق مطلق غير منازع وغير مقيد يعطى لصاحبه الحق في إصدار الأوامر ، حتى الشعب لا يملك هذا الحق المطلق غير المقيد ، وإنما يمارس الشعب سلطاته بموجب أحكام الدستور وكل دستور ديمقراطي معاصر مقيد بحقوق وحريات عامة لا يجوز مسها وشرائع وعقائد يجب مراعاتها.

ب - مبدأ سيادة القانون: 

ويعني إن القانون هو أعلى سلطة في الدولة و لا يعلو عليه أحد، إن تطبيق هذا المبدأ على ارض الواقع هو ما تتميز به الحكومة الدستورية الديمقراطية و من أجل تطبيق هذا المبدأ لابد من وجود ضمانات لاحترامه ، وتتمثل هذه الضمانات في وجود جزاء على مخالفة أحكام هذا المبدأ وأفضل أداة لتحقيق ذلك هي وجود هيئة قضائية تتوافر فيها ضمانات الاستقلال والنزاهة والكفاية وتكون مهمتها إلغاء القرارات المخالفة للقانون.

جـ - الفصل بين السلطات الثلاث وتحقيق التوازن فيما بينها: 

الدستور الديمقراطي يقوم على عدم تركيز السلطة في هيئة واحدة ، وإنما يقوم على توزيع السلطات وتحقيق التوازن بين السلطات الثلاث( التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، بما يؤدى إلى عدم انفراد أي مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي بالسلطة ، و في نفس الوقت يحقق التعاون المطلوب بينها لتسيير العمل السياسي .

د - ضمان الحقوق والحريات العامة: 

يتمثل هذا البعد للدستور الديمقراطي في توفير الضمانات اللازمة لممارسة الحقوق والحريات العامة

هـ - تداول السلطة سلميا: 

وهو مبدأ أساسي من مبادئ الدستور الديمقراطي، فتداول السلطة بين القوى السياسية الشرعية ، أي المعترف بها قانونيا ، يجب أن يكون وفقا لنتائج الاقتراع العام ، وما يسفر عنه انتخابات ديمقراطية ، وعلى أحكام الدستور الديمقراطي أن توجد المؤسسات وتخلق الآليات اللازمة لذلك .

الدساتير لا تُكتب ولا تصوت عليها الشعوب ليلهو بها الحكام أويعبثون بها ، العبث بالدستورهو استخفاف بالشعب وازدراء له ، كل من يصل للسلطة عبر آليات دستور ما ارتضى الوصول للسلطة عبره ثم سولت له نفسه الاجتراء عليه وتحريفه بما يوافق أهواءه ورغباته هو خارج على ارادة الشعب ومعاد لها ، العبث بالدساتير يختلف عن العبث بالقوانين لأنه يعنى انفراط العقد بين الحاكم والمحكوم وتفسخ الرابط الأخلاقى والمعنوى والتنظيمى بين الدولة ومواطنيها ،إسقاط الدستور بتجاوزه وانتهاكه هو اسقاط مباشر للدولة وهيبتها.

خطوات الوصول للهاوية تبدأ بإدعاء احتكار الفهم وفرض الوصاية على الشعوب وإهدار حقوقها ، التاريخ يكررنفسه لكنهم لا يتعلمون !!
0
التعليقات (0)