ألغى السيد عبدالفتاح "سيسي" رئيس جمهورية الأمر الواقع زيارته لجنوب إفريقيا التي أعلن عنها الشهر الماضي، حيث أعلن عن مشاركته في قمة إفريقيا المقرر عقدها يومي 14 و15 من الشهر الحالي، وخلافا لما كان مقررا أناب "سيسي" المهندس إبراهيم
محلب رئيس مجلس الوزراء لحضور اجتماعات القمة الأفريقية على رأس الوفد
المصري.
الموقع الرسمي للاتحاد الأفريقي أعلن أن "سيسي" سيشارك في قمة جوهانسبرج، وقال الموقع أنه سيلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية للقمة باعتباره منسق ما يسمى "لجنة رؤساء الدول والحكومات لتغير المناخ".
لماذا أناب "سيسي" السيد محلب؟
تفسير إعلام الانقلاب لتلك الخطوة خلاصته "لاعتبارات أمنية".
وكأن التضحية برئيس الوزراء فداء لرئيس الجمهورية عرف متبع في الدولة المصرية الجديدة ... نموت نموت ويحيا "سيسي" !
الأخبار "الملفقة" تشير إلى أن وفد المقدمة المسؤول عن ترتيب الزيارة توجه إلى جوهانسبرج يوم الثلاثاء الماضى، وفور وصوله إلى هناك لاستطلاع الترتيبات الأمنية الخاصة بالزيارة تبين أنه من غير المناسب سفر "سيسي" إلى هناك، لافتة إلى خطورة الوضع الأمنى فى المدينة الأفريقية، حيث تعتبر من أعلى المدن فى معدلات الجريمة على مستوى العالم.
وحاول البعض أن يبرر إلغاء الزيارة بضعف تمثيل الدول الأفريقية المشاركة فى القمة، حيث إن معظم الدول تشارك على مستوى رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية.
السيد "سامح شكري" وزير خارجية "سيسي" حاول أن يتذاكى، فقال – حسبما نقلت صحيفة الوطن المصرية – :
"الرئيس ما كان يمكن أن يتعرض لما يتردد عن عملية توقيف حال حضوره، وأنا موجود ومحلب في جنوب إفريقيا والشاطر يجيلنا" !
وكأنه لم يكن موجودا حين اضطر "سيسي" لدخول أماكن كثيرة من سلالم الخدم، ومن مداخل الطوارئ، في نيويورك وبرلين وغيرها.
هذه روايات إعلام الانقلاب ... وكالعادة تكون الحقيقة أمرا مختلفا تماما.
أما السبب الحقيقي فهو ما نشرته عشرات المواقع الأجنبية، وهو أن جمعية المحامين المسلمين بجنوب أفريقيا ومنظمات حقوقية أخرى قد تقدمت بطلب رسمي لحكومة جنوب أفريقيا لاعتقال "سيسي" بمجرد وصوله جنوب افريقيا باعتباره مجرم حرب على حد وصف تلك المنظمة.
وقد استندت الجمعيات التي طالبت بالقبض على "سيسي" في طلبها إلى توقيع جنوب إفريقيا على نظام روما الأساسي، الذي نشأت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية.
وقالت تلك المنظمات أنها قدمت الطلب مصحوبا بما قالت إنه أدلة على ارتكاب
السيسي لجرائم حرب في فض اعتصامي رابعة والنهضة في صيف عام 2013 بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو.
لتأكيد ذلك انظر في هذه المواقع بنفسك :
1- https://www.middleeasteye.net/news/south-african-lawyers-call-arrest-egypt-s-sisi-1476232159
2- https://www.middleeastmonitor.com/news/africa/19172-egypts-sisi-cancels-south-africa-visit-amid-calls-for-his-arrest
3- https://www.worldbulletin.net/?aType=haber&ArticleID=160549
والأمر منشور على نطاق واسع في صحافة العالم كله، إنها فضيحة عالمية، رئيس أكبر دولة عربية لا يستطيع حضور قمة دولية هامة لأن جهات حقوقية تطالب بالقبض عليه، إنه رئيس "مسجل خطر"، يحاول أن يتجنب أي "كمين" أو "نقطة تفتيش" تصادفه في أي مكان يذهب إليه.
دولة جنوب إفريقيا لا ترحب بالسيد "سيسي"، وسبب ذلك أن هناك اتفاقا قد عادت بموجبه مصر لعضوية الاتحاد الإفريقي، وقد تعهدت مصر – حسب مصادر مطلعة – بعدم المساس بالرئيس مرسي، وبالإفراج عن المعتقلين، ولكن ما حدث أن أعداد المعتقلين قد تضاعفت، وأحكام الإعدام تتوالى، وكان آخرها إعدام مرسي نفسه، لذلك لم يبذل أحد جهدا لتيسير الزيارة، أو لتطمين الضيف غير المرغوب فيه.
على المستوى الداخلي ... الجميع في ورطة، فكل المنضمين لتحالف الثلاثين من يونيو "خرجوا من المولد بلا حمص" كما يقول المثل !
مؤسسات القوة في الدولة ترى أن رأس الدولة يورطها أكثر وأكثر، وبات تفتت هذه المؤسسات وانشقاقها على نفسها واضحا لا يمكن إخفاءه، وترددت أخبار عن توجيه تهم لقلب نظام الحكم لبعض المنتمين لهذه المؤسسات.
دوائر رجال الأعمال في استياء بالغ، فالقوات المسلحة لم تترك شيئا من كعكة الاقتصاد لأحد، وثمن الاستثمار في بلد يحارب الإرهاب أصبح باهظا، والاستثمار الأجنبي أذكى من أن يتورط في الدخول إلى بلد بلا قانون، إنها بلد بلا دولة، لذلك بدأت رؤوس الأموال بالهرب، مثل شركة مرسيدس وعشرات غيرها.
الطبقة الوسطى تقطعت أمعاؤها من الجوع، أما الطبقات الدنيا ففي مجاعة حقيقية.
التحريض على سائر طوائف ومكونات المجتمع أصبح أمرا عاديا، آخر ضحايا التحريض كان طائفة الأطباء، وقد تسبب ذلك في دخول جموع البلطجية إلى أحد المستشفيات الحكومية لتلقين طاقم الأطباء المناوبين "علقة ساخنة"، ومن حسن الحظ أن أحدا لم يقتل أو يصاب بعاهة خلال هذا الاعتداء.
لا أحد سعيد في مصر، وفرص استمرار الوضع الحالي بتركيبته الحالية لفترة طويلة تكاد تكون مرادفا للمستحيل.
يظن البعض أن تلك نظرة متفائلة، والحقيقة أنها نظرة شديدة الموضوعية، لا تبالغ في التفاؤل، ولا تفرط في التشاؤم.
إن حقيقة الأمر الواقع اليوم أننا أمام رئيس لا يجيد لعبة السياسة، اعتمد في ترسيخ حكمه على القتل والقمع، ولكن بعد عامين من القتل العمد ... ما زال حكمه على الماء، تتقاذفه تيارات وأمواج، وما زال يحاول تثبيت كرسيه بمزيد من الإجرام.
لقد
فشل "سيسي" في إدارة جميع دوائر الدعم، وفي إرضاء جميع دوائر الانتفاع، وفي الوقت نفسه فشل في طمأنة قلب الدولة على مستقبل الحكم !
إن انهيار الوضع الحالي قادم لا محالة، وهو قادم قريبا، لا تطلب مني تحديد موعد، فلا فرق بين أسبوع وشهر وسنة ... النتيجة واحدة !
ما هي سيناريوهات الانهيار؟
لن تخرج عن ثلاثة سيناريوهات :
الأول : أن تتحرك مؤسسات القوة لتصحيح الوضع..
ومشكلة ذلك أن تلك المؤسسات تعلم جيدا أنها لن تستطيع أن تحكم قبضتها على الدولة بعد اليوم، وتحركها سيكون إعلان هزيمة كاملة لمشروعها الاستبدادي الذي استمر أكثر من ستين عاما، لذلك يحاولون نفخ الروح في جثة الوضع الحالي.
السيناريو الثاني : موجة ثورية تقصم ظهر النظام، تهزمه وتقيم نظاما جديدا من أوله لآخره، وهذا تصور صعب الحدوث على المدى القريب.
السيناريو الثالث : مزيج من السيناريو الأول والثاني ... بمعنى أن تتحرك مؤسسات القوة في الدولة لكي تنقذ ما يمكن إنقاذه ... وفي نفس الوقت سيتحرك الشارع لكي يكبل هذا التحرك بضوابط تقيم دولة للجميع، بدلا من دولة الأسياد والعبيد التي حكمت مصر منذ انقلاب عام 1954.
حتى نصل لهذه اللحظة ... لا بد من استمرار حراك الشارع، ولا بد من اصطفاف ثوري وطني.
الشارع مستمر في نضاله العظيم.
والاصطفاف الوطني بوادره تتضح يوما بعد يوم، وكان ذلك واضحا في استجابة سائر الحركات الثورية الشبابية لدعوة حركة السادس من إبريل للعصيان المدني في يوم 11 يونيو، صحيح أن الاستجابة الشعبية كانت محدودة، ولكنها بداية من الممكن أن تتطور، لكي نرى عصيانا مدنيا يسقط النظام كله خلال شهور (لو أحسنا إدارة المعركة).
تحية للصامدين في الشوارع، والسجون، والمعتقلات.
تحية لكل المصريين الصابرين على كل هذا الظلم البين.
تحية لكل الصابرين على هذا العهد الأسود.
أبشركم جميعا ... فرج الله قريب ... !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...