قال ديفيد بلير في مقال له في صحيفة "صاندي تلغراف"، إن رحيل قائد
تنظيم الدولة أبي بكر
البغدادي، بعد الإشاعات المتواترة عن إصابته بشلل، بسبب غارة استهدفت موكبه في 18 آذار/ مارس، لا يعني نهاية "الإمبراطورية" التي بناها.
وذكّر الكاتب بخطبته في جامع النوري، بعد الحملة الحاسمة التي قادها في سوريا والعراق صيف العام الماضي، وسيطر فيها على مدينة الموصل ومعظم شمال
العراق. وفي تلك الخطبة أعلن نفسه "خليفة" لـ"الدولة الإسلامية". إلا أن الحكم الدموي الذي بناه وأعطاه سمعة دولية، من خلال السيطرة على مناطق في الشرق الأوسط، قد توقف بعد الغارة الأمريكية.
ويشير المقال، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن الحكومة العراقية ومصادر أخرى متأكدة من أن البغدادي لن يقود جماعته في حملات جديدة، ولكنه يعالج على سرير المرض، ويتلقى عناية طبية على مدار الساعة.
وتبين الصحيفة أن الغارة الأمريكية شنت على موكب من ثلاث سيارات في بلدة اسمها البعاج، وتبعد 90 ميلا عن مدينة الموصل، وقد جرح فيها البغدادي، وقتل ثلاثة من مرافقيه.
ويوضح بلير أنه في حال ثبتت التقارير بأن جراحه خطيرة كما قيل، فمن المحتمل ألا يتعافى، وسيصبح نقل القيادة داخل تنظيم الدولة دائما. وعندها سيخسر التنظيم قياديا محنكا وماهرا وضعت الولايات المتحدة عشرة ملايين دولار ثمنا لرأسه.
وتلفت الصحيفة إلى أن البغدادي قد قاتل بأسنانه وأنيابه منذ عقد من الزمان، بعد الإفراج عنه من معسكر "كامب بوكا" في جنوب العراق عام 2004. و لهذا يرى الكاتب أن البغدادي هو نتاج نسخة إرهابية تعتمد النموذج الدارويني، الذي يقوم على أن البقاء للأصلح. فلم ينج إلا الأقوياء أمام الهجمة الأمريكية ضد رجال مثل البغدادي، خاصة أثناء زيادة القوات الأمريكية بين عامي 2007 و2008، عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش زيادة عدد القوات بثلاثة آلاف جندي لمواجهة تنظيم
القاعدة.
ويورد المقال أن البغدادي يبلغ من العمر الآن 44 عاما، وقد أصبح زعيما لتنظيم القاعدة في العراق عام 2010. واستفاد من الحرب الأهلية السورية، التي ساعدته في تحويل جماعة هامشية لم يكن أعداد أفرادها يتجاوز المئات بسبب الهجمة الأمريكية، إلى قوة قادرة على التحكم بآلاف الأميال، وملايين السكان.
ويذهب الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن البغدادي، الذي خرج عن تنظيم القاعدة، استغل الفرصة وقام بتحويل المعاناة السورية لصالحه، ففي عام 2013 سيطر على حقول النفط في شرق سوريا، حيث استخدم هذه المصادر لكي يملأ خزينة تنظيم الدولة، وحوّل الأخير إلى أغنى منظمة إرهابية في العالم. وقام باختراق المجتمعات السنية في شمال ووسط العراق. ففي الموصل، التي كان يعيش فيها قبل سيطرة البغدادي عليها 1.5 مليون نسمة، كان التنظيم يتقاضى أتاوات مقابل توفير الحماية للتجار.
وتفيد الصحيفة بأن البغدادي، الذي كان حريصا على أمنه، لم يظهر سوى مرة واحدة في جامع النوري. ورغم هذا كله فإن تنظيمه سينجو من مأزق فقدانه، بحسب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في مدرسة لندن للاقتصاد- جامعة لندن البروفيسور توبي دودج، الذي قال إن "تماسك التنظيم لا يعتمد عليه". وأضاف أن "البغدادي هو واحد من قيادة جماعية، ويقف وراءه عدد من الرموز الذين يملكون بلا شك تجربة في الاستخبارات والعنف".
ويذكر بلير أن قيادة تنظيم الدولة تضم قيادات مجربة عملت في الجيش العراقي السابق وفي الأجهزة الأمنية التابعة لنظام صدام حسين. والتنظيم هو عبارة عن تحالف بين من بقي من قادة البعث والجيل الجديد من القادة. ويشتركون معا في هدف واحد، وهو الإطاحة بالحكومة الشيعية في بغداد، التي يرون فيها دمية في يد إيران. ولهذا يعبر تنظيم الدولة عن التهميش الذي تعرض له العرب السنة منذ الغزو الأمريكي عام 2003. ومن هنا فإن موت البغدادي أو شلله لن يغير من الواقع.
وتختم "صاندي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى سلسلة التراجعات التي يشهدها التنظيم، حيث خسر ربع المناطق التي سيطر عليها. ويرى الكاتب أن نقل القيادة إلى أبي علاء
العفري، الذي قد لا يشارك البغدادي رؤيته الاستراتيجية، قد يؤدي إلى انقسام بين الإسلاميين والبعثيين، وهو ما كانت الأجهزة الأمنية تأمل بحدوثه.