لا تزال عملية
متحف باردو في العاصمة تثير كثيراً من التساؤلات، حول كيفية وصول مسلحين إلى تنفيذ عملية في محيط أهم مؤسسات الدولة
التونسية، وهي مجلس نواب الشعب (البرلمان).
واعتبر محللان في تصريحات منفصلة أن هجوم متحف باردو الذي وقع الأربعاء الماضي في العاصمة تونس، واستهدف قافلة سياحية، وأسفر عن مقتل 23 شخصاً، يعدّ "عملية إرهابية خطيرة" مقارنة بالأحداث الأمنية التي شهدتها تونس منذ 2011 إبان الثورة.
وأوضحا أن من شأن الهجوم أن يدق ناقوس الخطر حول خطورة المنهج الذي يتبعه الإرهابيون، وعدم اقتصارهم في تحركاتهم على الجبال والمرتفعات فقط، وإنما اقترابهم من العاصمة، وحتى البرلمان أحد مقرات السيادة المحاذي لمتحف باردو، نقلة نوعية في استراتيجيتهم.
وأرجع المحللان هذا التصعيد من جانب الإرهابيين إلى الخلل الذي تشكو منه الأجهزة الأمنية في تونس، وعدم قدرتها على حماية مثل تلك المقرات، وهو ما جعل عناصر مسلحة تقتحم بسهولة ساحة المجلس، وتقوم بعمليتها تلك.
من جانبه نشر موقع "إفريقية للإعلام" القريب من "كتيبة عقبة بن نافع" (أول تنظيم في تونس مرتبط بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) بياناً تعليقاً على ما أسماها "عملية باردو المباركة"، بدا فيه كيف كان تنفيذ الهجوم "سهلاً" أمام منفذييه.
واستهل البيان بكلمات: "يوم عاديّ مشمس، وطقس جميل ومعتدل، خرجا من البيت، ركبا المترو، نزلا من المحطّة وركبا مترو آخر، نزلا من المترو، مرّا من أمام ثكنة بوليس الكفر بباردو ومن أمام مقر المخابرات العسكريّة الطاغوتيّة، جلسا قليلاً، تركا الحقيبة التي فيها السلاح والرمّانات اليدويّة في محطة الحافلات، وذهبا لرصد المكان، ثم عادا لحمل حقائبهما، بعدها تسللّا لداخل مقرّ الجلس الكفريّ/المتحف".
واستطرد البيان: "أخرج أحدهما الأسلحة والرّمانات اليدويّة من الحقائب، وقام الثاني بجولة استطلاع سريعة، حمل كلّ منهما سلاحاً ورمّانات، وتسلّلا نحو المجلس والمتحف، وكان المرتدّون من بوليس وحرس رئاسة يرونهما يحملان السّلاح وهم في حالة صدمة لم يحرّكوا ساكناً.. كيف دخلوا إلينا بسلاحهم بكل هذه السهولة؟".
وتابع "قالا بسم الله، وقاما برمي رمّانة يدويّة، ثم كبّرا".
كما استعمل الموقع معجمه المعتاد في وصف الأمن والجيش بعبارات من قبيل "بوليس الردة.. الطواغيت.. العسكر المرتد"، وهو خطاب اعتبره المحلل السياسي، هادي يحمد، "كلاسيكياً" يعتبرون فيه أن "ما يقومون به فخر للإسلام، تشرف عليه فئة تعليمية متدنية جدّاً، حتّى إنه يخالف أبجديات الجماعات الأخرى مثل القاعدة وأخواتها، عندما تكتب بيانات بتلك الطريقة بتأصيل شرعي واستعمال لغوي متدن".
وقال يحمد إن "هناك بعض الغموض يحوم حول المستهدف الرئيسي من هجوم باردو، أي إما أن يكون مجلس نواب الشعب وممثلوه باعتبار أن عملية سابقة ومماثلة استهدفت قبل سنة ونصف أحد نواب المجلس التأسيسي السابق محمد البراهمي واغتياله، أو أن يكون هدف الجماعة
السياحة التونسية والأجانب القادمين إلى تونس".
وأضاف يحمد أن "هذه العملية تدل على وجود سيناريوهين اثنين، وأن المسلحين كانا جاهزين لاحتمالية إمكانية اختراق المجلس التّأسيسي، أو تغيير الوجهة في حال عدم قدرتهما على ذلك، وهو ما جعل السياح موجودين في مرمى نيرانهم".
في المقابل، استبعد يحمد أن يكون المسلحان اللذّان نفذا هذه العمليّة "بعيدين عن مجموعات أخرى في محيط العملية".
وشدد في السياق ذاته، على أن "
التقصير الأمني أمر مجمع عليه في الوضع الحالي الذّي تعيش على وقعه البلاد، لا سيما في حربها على الجماعات الإرهابية".
وأضاف أن "تلك الجماعات كانت تبرمج لاستهداف مناطق سياحية، وكان على السلطة أن تقوم بإجراءات حمائية أكبر، وخاصة في مكان مثل متحف باردو، الذي يعد أكبر متحف في تونس، لا سيما وأنه محاذ لأحد مقرات السيادة، أي مجلس نواب الشعب".
وتطرق المحلل في معرض حديثه إلى ما عبر عنه "بالتصعيد والنقلة النوعية التي يتوخاها الإرهابيون في استراتيجيتهم، فلم تعد تحركاتهم مقتصرة فقط على الجبال وعلى المناطق الحدودية، بل أصبحوا موجودين داخل المدن، وحتّى في قلب العاصمة، بل إنّ الخطر الإرهابي تصاعد أكثر"، على حد قوله.
من جانبه، قال الخبير الأمني التونسي، يسري الدالي، إن "حادثة البارحة جاءت رد فعل حيني ومباشر وفوري على عملية قتل العنصر الخطير أحمد الرويسي (16 آذار/ مارس 2015) الذي لديه مساندون من الشباب الذين هم على علاقة به وتأثر".
وأضاف أن "هناك مرحلة تمرد يعيشها عدد من الشباب التّونسي، ويحتاج إحاطة فورية وتدخلاً من أجل إنقاذ ما يجب إنقاذه، حتى لا ينساقوا وراء تلك الجماعات المتطرفة"، على حد وصفه.
وأكد في السياق ذاته، أن هناك "تقصيراً أمنياً كبيراً على مستوى وحدات الأمن العمومي، وهو ما يستوجب إعادة النّظر في مدى مهنيتها وحرفيتها، من خلال عمليات بيضاء، وعدد من التدريبات، حتّى يكونوا على أتم الاستعداد والأهبة، وحتى يتم في كل مرّة رصد مواقع الخلل، ليتم إصلاحها".
وأشار إلى أن "الوحدات العسكرية والأمنية المختصة والحرس الوطني والحرس الرئاسي تعدّ من خيرة القوات الخاصة في العالم، إلا أن المشكلة تكمن في وحدات الأمن العمومي".
وأكّد "ضرورة أن تتم حماية المقرات المهمة ومحيطات البلاد، وأنه من المفترض أن يركز النّسيج الأمني على هذِه الجوانب".
وبحسب رواية الخبير التي استند فيها إلى معلومات قدّمها شهود عيان لوسائل إعلام محلية، فإن "المسلحين نزلا من سيارة أمام المجلس ومعهما حقيبة، وكانا يرتديان ملابس لا تثير الشبهات، ليفتح أحدهما الحقيبة بعد الدخول من باب المتحف، ويبدأ بإطلاق النار".
واقترح الدّالي أن "يتم فتح أبواب السجون أمام الأخصائيين والباحثين لتدارس حالات الشباب الإرهابي المتورطين في عمليات سابقة، للتواصل أكثر مع هذه العينات، وإيجاد حلول للظاهرة على مستويات مختلفة أمنية وثقافية ودينية واجتماعية" وفق تعبيره.
وأسفر الهجوم الذي وقع، الأربعاء الماضي، في متحف باردو بالعاصمة تونس، عن مقتل 23 شخصاً بينهم 20 سائحاً.