للأسف .. ضعُف
الحراك الثوري في
مصر.. لكنّ الشارع لا زال ينبض...
ونعم انشقّ فرقاء .. وتحولت قناعات لكنّ الشارع لا زال ينبض....
وأيضا نعم.. يسقط الشباب قتلى وجرحى في كل مرة لكنّ الشارع لا يزال ...
* لا نستطيع إنكار القول بأن الحراك الثوري في مصر اختلف عن ذي قبل، ولم يعد بذلك التدفق والحماس الذي كان عليه عقب الانقلاب وبعد مجزرة رابعة وحتى عهد قريب، حيث تضافرت عدة عوامل حتى يصل إلى هذا المستوى:
فمنها: اكتمال مؤسسات دولة نظام السيسي – باقتراب الانتخابات البرلمانية-وهو ما جعل البعض يزهد في استمرار
التظاهرات على أساس أنها لن تجدي، خاصة في ظل قبول معظم دول العالم بالتعامل مع السيسي باعتباره رئيسا شرعيا للبلاد.
ومنها: انسحاب بعض فرقاء الحراك الثوري المعارض للانقلاب، حيث رأى هؤلاء تغليب حقن الدماء على تطلعات الثوار، ومنهم من رأى أن جماعة الإخوان المسلمين التي تقود الشارع المصري لا يهمها سوى استعادة السلطة دون النظر إلى الخسائر العامة، وأنها تخرج عن السياق العام وتعمل وفق أجندتها الخاصة.
ومنهم كذلك من رأى التعاطي مع الواقع الجديد، والبدء مرة أخرى وفق المعطيات الجديدة، ونحو ذلك مما اختلفت إزاءه وجهات النظر.
أضف إلى ذلك وجود ظهير شعبي للسيسي وثُلّة من المنتفعين، الذين يمررون كل أساليب القمع التي ينتهجها الأمن المصري، باعتبار أن لذلك القمع –الذي يلبس ثوب القضاء على الإرهاب – مؤيدين ومطالبين، وهو ما جعل الأمل في ظل وجود هذا الظهير ضعيفا في قلوب البعض.
فصار استمرار الحراك محل اختلاف بين المنصفين والشرفاء، وهو ما نلقي عليه الضوء خلال هذه السطور.
وبدون مقدمات، دعني أقلِب الهرم وأطرح النتيجة قبل المعطيات لأقول:
إن استمرار الحراك الثوري في الشارع المصري مسألة ضرورية، بل لا أبالغ إن قلت أنه عصب التغيير القادم في مصر.
إن استمرار الحراك هو المعضلة التي تواجه السيسي، ولا تجعله يهنأ بعرشه، فاستمرار التظاهرات منذ الانقلاب وحتى الآن في ظل اقتراب اكتمال مؤسسات النظام الانقلابي، هو البريد الذي يبثّ للعالم بأسره رسائل ( بأن حكم السيسي مرفوض من قبل قطاع كبير من الشعب المصري) بل هو القطاع الذي يتمسك بالشرعية التي قامت وفق آليات ديموقراطية في فترة ما.
ولذا يعتبر هذا الحراك هزيمة للسيسي ونظامه، بل يسلبه في كل يوم أنصارا في الداخل والخارج.
البعض قد ينظر إلى مظاهرات رافضي الانقلاب على أنها صورية ولن تسمن أو تغني من جوع، وأنها لا طائل من ورائها سوى مقتل مزيد من الشباب، وأنّه يجب على قادة الحراك تحكيم العقل وعدم الانسياق وراء الحلم الإخواني لاستعادة السلطة وفق رؤيتهم، إلا أنها رؤية قاصرة لا تدرك أبعاد الموقف.
فالموجة الثانية للثورة آتية لا ريب، فما حدث في مصر ودول الربيع بصفة عامة، ليس انتفاضة عابرة مدفوعة بمطالب فئوية أو تطلعات محدودة، إنما هي ثورة اجتمع عليها الشعب من أجل إحداث تغيير شامل.
ومثل هذه الثورات الشعبية لا تنجح بين عشية وضحاها، وتتعرض لكبوات وخفوت، وهو شأن جميع الثورات التي حققت أهدافها كالثورة الفرنسية على سبيل المثال، نظرا لأن
الثورة لابد لها من ثورة مضادة من قبل المتنفعين بوجود النظام المستبد في داخل البلاد وخارجها، ومن ثم تسعى لعرقلة المسيرة الثورية، بوسائل كثيرة أبرزها عدم السماح بوجود قيادة ثورية موحدة تقود الشارع، وهو ما نراه بوضوح في الثورة المصرية.
ولذلك يطول أمد الثورات الشعبية وتترنح أحيانا وتنشط أحيانا أخرى، إلا أنها بمجرد انطلاقها -وفق النظر إلى تاريخ الثورات- يصعب اجتثاثها بصورة نهائية.
هذا السياق الحتمي لوجود موجة ثورية ثانية يشير إلى ضرورة وجود نواه للاصطفاف الثوري حتى لا تكون البداية من الصفر، وحتى لا يمر المصريون بمرحلة التعبئة من جديد ومواجهة صعوبات ضربة البداية، فهذه النواه سوف ينحاز إليها جميع ثوار مصر عند وجود صيغة توافقية لجميع الفصائل وأهداف موحدة يجتمع عليها المصريون.
كما أن استمرار الحراك يمكّن الثوار من الاستفادة من المتغيرات الجارية على الساحة الإقليمية والدولية، فعلى سبيل المثال: ينظر الكثيرون –من بينهم ثوار مصر- بعين التفاؤل إلى الشكل الجديد للمملكة العربية السعودية والخليج منذ صعود الملك سلمان إلى سدة الحكم، من أنه بداية لتغيير الموقف الخليجي تجاه الانقلاب في مصر، بالتزامن مع التقارب السعودي القطري التركي، بما يعطي الأمل في حدوث عزلة نوعية للنظام المصري، وانسداد أو تضييق روافد دعمه.
ولكن تبقى مسألة سلمية الثورة أبرز المشكلات التي تواجه الثوار، فحتى الآن لا نستطيع القول أن الثورة خرجت عن مسارها السلمي، حيث أن عمليات العنف يقوم عليها غالبا الجماعات الجهادية خاصة في سيناء، والتي لا تؤمن بالحل الثوري السلمي، بالإضافة إلى وجود حالات فردية مدفوعة بما تراه من قهر واستبداد وظلم وتنفذ بعض العمليات المحدودة، في ظل غياب التواصل بين الثوار وبين القيادات الكبرى.
إلا أن الثوار لم يتبنّوا العنف كمنهج ومسار حتى الآن... كما قال كثير من المحللين أن الخروج عن السلمية يلزمه من أجل النجاح حاضنة شعبية، وهو ما لا يتوفر في الحالة المصرية الراهنة.