لم يزر "م.هـ" المجنّد الإجباري في جيش
النظام السوري أهله في منطقة الأتارب في
حلب، منذ أربع سنوات، فهو يخدم الآن في مدينة جبلة على الساحل السوري ليتم عامه الخامس في الجيش، والرابع على التوالي بعيداً عن أهله.
يقول "م.هـ" في حديث لـ"عربي21": "بدأت الأحداث في بلدتي، وكنت أشارف على إنهاء خدمتي الإلزامية، وحينها توقف التسريح من الجيش ودخلت في الخدمة الاحتياطية، وكانت مفارقةً عجيبة، أهلي ثاروا ضد النظام واصطدموا مع الجيش الذي أخدم فيه، وأنا لم يمنحني رؤسائي دقيقةً واحدةً أقضيها خارج الموقع فقد احتجزت فيه كأسير أو رهينة".
المعاملة بحذر وخوف
ويتابع المجند الإجباري: "كان الجميع يعاملونني بحذر شديد، ودخلت سجناً آخر مع الآخرين، وانقطعت الاتصالات مع أهلي وأقاربي، أصبحت قليل الكلام، بل نسيت كيف يتبادل الناس الأحاديث".
ويشير "م.هـ" إلى أن "الحال تحسّنت قليلاً بعد ذلك، واستطعت الاتصال مع أهلي، وكان معظمهم لا يقول شيئًا سوى تحذيري على حياتي".
التفكير في الانتحار
ويتابع قائلاً: "فكرت مراراً في الانتحار، لكنه لم أجرؤ على القول، وواجهت مرة قائد الموقع في الاجتماع الصباحي، وأخبرته أنّ عائلتي كلها مع المسلحين، وأنا أريد اللحاق بهم، وتوقعت إمّا أن يقتلني في الموقع أو يتركني وشأني، لكن القائد لم يجيبني، ولم يقل زملائي شيئا".
ويضيف "م.هـ": "لاحظت تغير سلوك زملائي معي، بمجرد وصولي لمجلسهم كانت أحاديثهم تتوقف، وتبدأ من جديد بمجرد ذهابي وبعدي عنهم، أما والدتي فقد كانت تمنحني الأمل الوحيد في الحياة، فقد كانت تقول لي دائما: ستفرج يا بني لا تقلق".
المصير المجهول للأهل
ويقول المجند الإجباري: "مرّت شهور قاسية، بل تجاوز ذلك السنتين، لم أكن أشعر بوجودي، كنت أراقب جسدي كيف ينحل، وأراقب الأحداث من بعيد علّ بارقة الأمل تقترب، لكنّ شيئاً بدأ يظهر بين هؤلاء العسكر هنا، فقد بدأوا ومنذ فترةٍ وجيزة بالحديث معي، ويسألونني بين الحين والآخر عن أهلي ومصيرهم، فأصارحهم بأنّ أخوتي يقاتلون مع الجيش الحر، وما تبقى من أهلي في مخيمات النزوح".
ويتابع: "لم يعد لدي شيء أخفيه عنهم، ولا شيء يخفى عن أحد، أشعر أحياناً أنّ بعضهم يطمئن لحال أهلي ويتعاطف معي، فقد أصبحت أحاديثنا تأخذ منحى جيّدا، وكنّا نتفق دوماً على أنّ أفضل الأحوال نهاية هذه الحرب".
إصابة شقيقه في قدمه والتحول
ويقول "م.هـ": "أصيب أخي في قدمه اليمنى منذ ثلاثة شهور، ونقل إلى أحد المشافي الميدانيّة، وربما علمت قيادة موقعي بهذا الأمر من مكالماتي، ومنذ ذلك الحين أصبحت قدم أخي مسار حديث الموقع كله معي، فالجميع يريد أن يطمئن على قدمه، وعن حال أهلي بشكل عام، ربما أحسوا أنهم ظلموني".
ويبين المجند الإجباري: "أصبح الجميع يسألني عن حال قوات المعارضة هناك، وما إن يختطف أحد أقربائهم حتى يبدأون بالتودد إلي، وآخرهم قائد الموقع الذي اختطف ابن عمّه في حلب، فما كان منه إلا أن استدعاني، وراح يشرح لي كيف أنّ حرب السوريين مع بعضهم ليست سوى تسلية للدول العظمى، وأننا نبقى إخوة، وأن علي مساعدته لإيجاد ابن أخيه، على الرغم من أنه هو نفسه من أمر بسجني هنا لسنتين، لكن لا يهمني، فما ذنب ابن أخيه؟".
ويختتم "م.هـ" بقوله: "أحاول دائماً التواصل مع إخوتي بخصوص المخطوفين، لكن لا أحد يرد علي، وأحاول دائما، ولا أريد سوى ذلك".