للمرة الأولى، ومنذ سيطرتهم على العاصمة
اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي، خسر الحوثيون معركة من نوع آخر وتختلف عما يعرفونه من معارك، كان طرفها الثاني نشطاء حقوقيون وصحفيون وشباب عُزّل، سلاحهم الوحيد هو النشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
القصة بدأت حين ذهب مسلحو جماعة "
أنصار الله" (الحوثي) للسيطرة على منزل تملكه مطلقة رجل الأعمال الشيخ
حميد الأحمر في حي الأصبحي (وسط العاصمة)، عصر الإثنين 22 كانون أول/ ديسمبر الجاري، بحجة أن البيت هو ملك لخصمهم السياسي حميد الأحمر، الذي يستولي الحوثيون على عدد من منازله وأملاكه منذ سيطرتهم على العاصمة، فيما هو يتواجد خارج البلاد.
أسرة المرأة رأت أن أي قوة لن تكون قادرة على منع المسلحين
الحوثيين من السيطرة على المنزل، بما في ذلك الدولة التي وقفت عاجزة أمام حالات مماثلة، إلا أن بعض الأسر في بعض الحالات استنجدت بالقيادي في جماعة الحوثي والناطق باسمها في مؤتمر الحوار الوطني (
علي البخيتي)، الذي نجح بالفعل في إعادة بعض البيوت لأصحابها من أيدي مسلحي جماعته، لتقرر الأسرة الاستنجاد به أيضا.
وروى علي البخيتي، وهو شاب محامٍ (30 عاما)، من محافظة ذمار (وسط)، في مقال كتبه لاحقا، مشيرا إلى أنه بعد اتصال الاستنجاد من أسرة المرأة ورغم مشاكله مع جماعته ومستقبله السياسي، غلب عليه الانتصار للقيم الإنسانية، مهما كلفه الأمر.
ويكمل البخيتي روايته للأحداث موضحا أنه أخذ سلاحه الشخصي وبعض مرافقيه، وتوجه بهم إلى المنزل لمنع اقتحامه.
الجانب الأكثر إثارة في تلك الحادثة ما تم لاحقا عندما تواصلت مع رئيس تحرير صحيفة الشارع اليومية (نايف حسان)، الذي سريعا نشر قصة مطلقة الشيخ حميد الأحمر على صفحته في "فيسبوك"، مصحوبة بصورة للقيادي البخيتي وهو بسلاحه الشخصي في غرفة حراسة المنزل، حصل عليها من أحد أقرباء المرأة عبر تطبيق "الواتس آب" للمحادثة على الهواتف الذكية.
تداول القصة والصورة التي نشرها الصحفي نايف حسان المئات والآلاف من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقت إدانات واسعة لما تقوم به جماعة الحوثي، التي تعاطت قيادات منها عبر ذات المواقع بالنفي والتشكيك في القصة في بداية الأمر.
في هذه الأثناء تداعى شباب وناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع دعوة أطلقها الكاتب والروائي محمود ياسين، على صفحته في "فيسبوك" للذهاب إلى المنزل لحمايته بالصدور العارية.
لاقت الدعوة صدى لدى قيادات الحوثي التي بادرت إلى سحب المسلحين من محيط المنزل قبل وصول ياسين والمجموعة الأولى من الشباب في الساعة الثالثة فجر الثلاثاء بالتوقيت المحلي، والذين التحموا بالبخيتي الذي كان نائما في غرفة الحراسة.
في غضون ذلك، نشر القيادي في جماعة الحوثي وعضو مكتبها السياسي، حسين العزي، على صفحته في "فيسبوك" اعترافا بالواقعة مع إدانة لها إلا أنه نفى أن يكون المسلحون المحاصرون للمنزل يتبعون جماعته، الذين وصفهم بأنهم "بلاطجة" (معتادو الإجرام) يريدون تشويه صورتها، في إشارة إلى أنهم قد يتبعون الرئيس السابق علي صالح، وهو أمر تهرب إليه قيادات الجماعة في تبرير أفعال مسلحيها في العادة حين تواجه بإدانات واسعة.
القيادي علي البخيتي رد في مقاله على ما ذكره العزي قائلا: "أريد أن أهمس في أذن صديقي حسين العزي بأن المسلحين هم يتبعون جماعة الحوثي فعلا، إلا أن الذنب هو ليس ذنبهم وإنما ذنب تلك القيادات التي أعطتهم الأوامر باقتحام المنزل، والخطأ الأكبر من ذلك هو نهج استلاب منازل الخصوم السياسيين الذي يجب أن يرفض قطعيا من قبل الجماعة".
وعند الفجر تلقى البخيتي، وعودا وتطمينات هاتفية من قيادات في جماعته بعدم اقتحام المنزل، ليقرر المغادرة هو والشباب الذين التحقوا به مع الكاتب محمود ياسين، (كي لا يتحول الأمر إلى قضية تصفية حسابات سياسية مع الحوثيين)، بحسب مقاله عن القضية.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتراجع فيها مسلحو الحوثي عن اقتحام منزل تحت ضغط مدني وحقوقي استخدم في المواجهة "سلاح النشر الاجتماعي".
ويقول الكاتب محمود ياسين: "أثبتنا أننا بمدنيتنا وانتصارنا للحقوق والحريات أننا أقوى من كل الجماعات المسلحة وإرهابها الممارس على المجتمع، وأرى أن يتطور الأمر إلى حركة اجتماعية لحماية المنازل الأخرى التي قد ترغب جماعة الحوثي في الاستيلاء عليها."
ويضيف: "من المبهر حقا أن يكون أول انكسار للمليشيا المسلحة هو أمام فعل مدني أعزل. حين لا تكون الدولة قادرة على حمايتهم من الجماعات المسلحة يمكن للمدنين أن يفعلوا ذلك".
أما الصحفي نائف حسان، صاحب مبادرة نشر الواقعة عبر "فيسبوك" فيقول إنه "حين يتعلق الأمر بالنساء قد تشعر القبائل بالاهانة إن قيل إنها لم تعد قادرة على حماية نسائها، إلا أنه يرى أن آل شرهان (قبيلة صاحبة المنزل) يجب أن لا تشعر بذلك، لأنهم أتاحوا الفرصة لعلي البخيتي ليحل الأمر وديا".
ويرى حسان، أن "النضال المدني السلمي هو الأجدى والأقل كلفة مع الجماعات المسلحة التي ثبت أنها تهاب ذلك بالفعل وتتراجع أمامه"، مشيرا إلى أنه يتفاءل بما حدث على الرغم من قتامة المشهد السياسي في اليمن.