توجّه راشد فضة (37 عاماً) برفقة والده؛ من
الضفة الغربية إلى الأردن ومنها إلى
مصر، وتمكن بعدها من الدخول إلى مدينة خان يونس بغزة لعقد قرانه على داليا شراب (32 عاماً) لتبدأ قصة زوجين فرقت بينهما "عنجهية"
الاحتلال، التي تمنع لم شمل العائلات الفلسطينية بين الضفة والقطاع.
في 24 كانون الثاني/ يناير من عام 2012 لم تسع الفرحة قلبي "راشد" و"داليا"، ففي ذلك اليوم بدأت حياتهما الزوجية، ولكن سرعان ما بدّدت سلطات الاحتلال فرحتهما حينما رفضت منحهما التصاريح اللازمة لدخول الضفة المحتلة.
تحكي داليا قصة الوطن الفلسطيني المقسم بأمر الاحتلال بين الضفة وغزة والقدس والأراضي المحتلة عام 1984، وتقول لـ"عربي21": "لم أدع باباً يلمّ شملي بزوجي المقيم بالضفة إلا وطرقته.. ناشدت مراكز حقوق الإنسان في
غزة والضفة والقدس وأراضي الـ48، ولكن دون جدوى".
وأضافت أنها عزمت على تحمل مشقة البعد عن عائلتها والعيش في الضفة لمدة 10 سنوات لتحصل بعدها على "هوية الضفة" التي تمكنها من التقدم بتصريح لزيارة أهلها بقطاع غزة، ولكن سلطات الاحتلال حالت بينها وبين ما عزمت عليه، لتظل الحدود المفرّقة بين الزوجين هي المشهد الغالب على حكايتهما.
لعنة الاحتلال
ما يقرب من ثلاثة أعوام مرّت على داليا وراشد، وهما ينتظران معجزة تؤذن باجتماعهما تحت سقف واحد، ويعيشان صراعاً داخلياً يدفع باتجاه إنهاء معاناتهما من خلال تخلي أحدهما عن الآخر، ولكنهما ينتصران على ذلك الصراع بإصرارهما على عدم الاستسلام لإرادة الاحتلال.
وقالت داليا التي درست الفيزياء وتخرجت من كلية العلوم بالجامعة الإسلامية بغزة، وحصلت على الدبلوم في كلٍّ من "الإعلام" و"التربية" و"إدارة الأعمال"، إن "لعنة الاحتلال تسبب بتحطيم أحلامي، فهي التي فرّقت بيني وبين زوجي، ومنعتني من السفر للدراسة في فرنسا بعد حصولي على منحة كاملة لمباشرة الدراسات العليا في مجال الفيزياء والفلك".
وتساءلت وهي تذرف الدموع: "ماذا بعد حوالي ثلاث سنوات من مرارة الفراق ولوعة الانتظار؟".
وأضافت داليا أن زوجها الذي يعمل مهندساً في شركة كهرباء نابلس؛ فكر مراراً بإنهاء عمله بقصد التوجه إلى غزة والاستقرار فيها، مشيرة إلى أنها رفضت ذلك بشدة، "فلا يمكن أن أكون سبباً بابتعاده عن عمله وذويه، ناهيك عن انعدام فرص العمل في القطاع، وارتفاع نسبة البطالة" كما تقول.
مخالفة للقانون الدولي
بدورها؛ أكدت مديرة الهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان رندة سنيورة، أن سياسية الاحتلال الإسرائيلي تعتمد على إبقاء مشكلة "لم شمل" العائلات الفلسطينية قائمة بلا حل، مشيرة إلى أنها "سياسة مخالفة للقانون الدولي الإنساني".
وأضافت لـ"عربي21" أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكثير من الاتفاقيات المتعلقة بهذا الشأن؛ أكدت على حرية اختيار الزوج وحرية التنقل.
ويسعى الاحتلال من خلال تلك السياسة لفرض وقائع على الأرض مخالفة للقوانين الدولية وحقوق الإنسان؛ من أجل زيادة عدد الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحد من التطور الديموغرافي للسكان الفلسطينيين، وذلك بمنع "لم شمل" العائلات الفلسطينية، بحسب سنيورة التي أكدت أن الاحتلال يعدّ غزة والضفة "وحدتين جغرافيتين".
وأوضحت أن "هذه المشكلة تفاقمت في الفترة الأخيرة بسبب سياسات الاحتلال التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان"، مشيرة إلى أن كثيراً من تلك السياسات تمارس "العقوبات الجماعية المخالفة للقانون الدولي، والتي ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب".
وأكدت أن فرص "لم شمل" العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة "أضحت صعبة جداً، نتيجة المعوقات التي يضعها الاحتلال، مشيرة إلى أن العالم يتعامل مع "دولة" الاحتلال وكأنها فوق القانون".
وأضافت سنيورة: "لم يبق لنا كمؤسسات تُعنى بحقوق الانسان سوى تسليط الأضواء على هذه المشكلة الإنسانية من خلال الإعلام في محاولة للضغط والمناصرة".