الحركة السياسية الكردية في
تركيا قديمة ولم تبدأ بتأسيس
حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان، بل كانت هناك تيارات وأحزاب سياسية كردية، ويقال إن حزب العمال الكردستاني تم تأسيسه آنذاك على يد عملاء جهاز الاستخبارات التركية إلا أن هذا ليس موضوع هذا المقال.
حزب العمال الكردستاني تأسس في سبعينيات القرن الماضي كمنظمة مسلحة ذات توجهات قومية كردية انفصالية وماركسية – لينينية إلا أنه تخلى إلى حد ما عن هذه التوجهات في السنوات الأخيرة كما تخلى عن فكرة الانفصال وقيام دولة كردية مستقلة.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة تم ترشيح السياسي الكردي ألطان طان الذي سبق أن مارس السياسة في حزب الرفاه والحزب الديمقراطي، ضمن القائمة الموالية لحزب العمال الكردستاني، في محاولة للانفتاح على الإسلاميين إلا أن هذه المحاولة لم تنجح، وكان تأثير ألطان طان محصورا جدا، وظل الخط السياسي الذي يتبناه الحزب قريبا من خط العلمانيين اليساريين.
هناك تشابه إلى حد كبير بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العمال الكردستاني في الإيديولوجية والثقافة والتوجهات، وعلى سبيل المثال كلا الحزبين علماني يساري يميل إلى إقصاء الأحزاب والتيارات الأخرى باستخدام القوة والانفراد في الساحة السياسية. وحكم حزب الشعب الجمهوري البلاد لسنين طويلة كحزب سياسي وحيد ويرى نفسه أنه صاحب الجمهورية والنظام بصفته الحزب المؤسس للجمهورية وحزب أتاتورك. وكذلك حزب العمال الكردستاني، يرى نفسه صاحب القضية الكردية وقام وما زال يقوم بالضغوط على الأحزاب والتيارات الكردية الأخرى بقوة السلاح وأحيانا بممارسة العنف والإرهاب ليبقى هو وحده في الساحة السياسية الكردية بلا منافس.
حزب العمال الكردستاني وحزب الشعب الجمهوري كلاهما يتبنى الثقافة العلمانية ويدافع عنها بل ويرى ضرورة فرضها على المجتمع بقوة، وكلاهما بعيد عن الاحترام لثقافة المجتمع المسلم وعاداته وتقاليده ومعتقداته سواء كان تركيًّا أو كرديًّا، ولذلك تجد في كلا الحزبين مثلا من لا يصوم رمضان ويشرب الخمر في وضح النهار والناس صيام. وبفضل هذا التشابه حصل المرشح الكردي صلاح الدين دميرطاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على حوالي 4 بالمائة من أصوات الناخبين الأتراك اليساريين من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري. وفي انتخابات 1991 البرلمانية كان حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي برئاسة أردال إينونو تحالف مع حزب العمل الشعبي الكردي ودخل آنذاك 18 نائبا مواليا لحزب العمال الكردستاني البرلمان التركي ضمن قائمة حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي.
حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي تأسس بعد انقلاب 12 أيلول / سبتمبر 1980 العسكري كامتداد لحزب الشعب الجمهوري ولما سُمِحَت للأحزاب السياسية التي تم حظرها بعد الانقلاب العسكري ممارسة الأنشطة السياسية وعاد حزب الشعب الجمهوري إلى المعترك السياسي حل حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي نفسه لينضم إلى حزب الشعب الجمهوري. وأما حزب العمل الشعبي فقامت المحكمة الدستورية بحظره كما حظرت فيما بعد أحزابا كردية أخرى، ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي امتدادا لتلك الأحزاب. وكان ذلك التحالف هو التحالف الأبرز ونقطة تحول في تاريخ الأحزاب السياسية الكردية التي أسسها الموالون لحزب العمال الكردستاني.
النائبة الكردية والقيادية في حزب الشعوب الديمقراطي آيسل توغلوك دعت قبل أيام في مقال لها "القوى العلمانية والغيورين على مستقبل الدولة" إلى تحمل مسؤوليتها في إنقاذ البلاد. وأثارت هذه الدعوة التي تعني بلا شك "دعوة صريحة للانقلاب"، استياء كبيرا في صفوف الديمقراطيين الأكراد والأتراك، لأن الأكراد لم يعانوا في تركيا مثل ما عانوا في السنوات التي حكم البلاد الانقلابيون. ولم ينس الشعب الكردي أنواع التعذيب التي شهدها سجن ديار بكر العسكري في الثمانينيات.
هذه الدعوة المثيرة تعكس من جهة حالة العجز واليأس التي يعيشها بعض السياسيين الأكراد إلى درجة تدفعهم للاستنجاد بجلادهم، ومن جهة أخرى تشير إلى مدى هشاشة إيمانهم بالديمقراطية وإرادة الشعب. وهناك احتمال آخر، وهو اختراق الحركة السياسية الكردية، وهي قصة أخرى، إلا أن الشيء المؤكد أن دعوة النائبة آيسل توغلوك ليست لصالح الأكراد على الإطلاق.
الأمراض التي تعاني منها الأحزاب التركية هي تقريبا الأمراض نفسها التي تعاني منها الحركة السياسية الكردية، ولذلك فإن الأحزاب السياسية الكردية أيضا بحاجة إلى التغيير والتأقلم للظروف الجديدة مع قراءة المشهد والتطورات بشكل صحيح وإدراك المتغيرات ومراعاة وعي الشعوب. والذي لا يفعل ذلك فستجد نفسه متأخرا عن ركب التاريخ إن لم يجد في مزبلته، لأن عجلة التغيير تدور بلا توقف ودون أن تنتظر أحدا.