مقالات مختارة

السعودية تواجه استحقاقات ما بعد حرب غزة

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600
كتب سعيد الشهابي: أصبح الغرب على مفترق طرق إزاء سياساته مع دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا السعودية. فإذا كانت استراتيجية الغربيين حتى الآن تتمثل بإعادة هيكلة سياسة العمودين التي انتهجوها في الشرق الأوسط في السبعينات، واعتمدوا على كل من إيران الشاه والسعودية للحفاظ بها على مصالحهم، فإنهم الآن مطالبون بإعادة هيكلة سياسة الاعتماد على كل من الكيان الإسرائيلي والسعودية التي انتهجوها في السنوات الأخيرة.

فما اصيب به كل من هاتين القوتين مؤخرا من تراجعات يفرض على واشنطن بشكل ملح اعادة النظر في السياسة الامريكية التي انتهجتها بعد الحرب العالمية الثانية. تلك السياسة تأسست على دعم الاستقرار باية وسيلة واسلوب، وان ادى ذلك الى دعم الاستبداد والديكتاتورية.

وقد دفع الغربيون اثمانا لتلك السياسة، ولا يتوقعون ان يتمخض عنها ما هو ايجابي لمصالحهم. وكان امام الغربيين فرصة لاعادة صياغة استراتيجيتهم في الشرق الاوسط، وذلك بدعم حركات التغيير التي بلغت ذروتها في «الربيع العربي» ولكنهم فوتوا تلك الفرصة وسمحوا لقوى الثورة المضادة باجهاض مشروع التغيير.

وهناك تطوران خطيران فرضا نفسيهما على المنطقة واصبحا عامل ضغط على الغربيين لاعادة رسم سياساتهم في الشرق الاوسط بشكل جوهري. اولهما العدوان الاسرائيلي على غزة الذي زاد الوضع تعقيدا بعد ان فشل المعتدون في كسر ارادة المقاومة، الامر الذي سيفشل كافة الدعوات لنزع سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حد السواء. ولم يعد سرا ان السعودية دعمت العدوان الاسرائيلي، وربما كانت، مع مصر، من المحرضين عليه على Hمل طي صفحة ما يسمى «الاسلام السياسي» المتمثل بالاخوان المسلمين وامتدادها الفلسطيني متمثلا بمنظمة حماس. ويمكن القول ان الحرب الاسرائيلية الاخيرة من اكثر الحروب فشلا، فبدلا من القضاء على منظمتي «حماس» و «الجهاد الاسلامي» ودفعهما للاستسلام اصبح رئيس الوزراء الاسرائيلي يستجدي من وزير الخارجية الامريكي التدخل لوقف اطلاق النار، بينما رفضت المقاومة ذلك حتى يتم تحقيق مطالبها وفي مقدمتها انهاء الحصار المفروض على القطاع.

التطور الثاني الذي لا يقل اهمية، النتائج الكارثية للدعم للارهاب الاقليمي متمثلا بالمجموعات المتطرفة وعلى رأسها «داعش». فكان من نتيجة ذلك الدعم بسط المنظمة نفوذها على مساحات واسعة من سوريا والعراق. ولكن هذا النفوذ جاء بعكس النتائج المرجوة منه. فقد فرضت داعش نفوذها على شمال شرقي سوريا وشمال غربي العراق، ولم تستطع الوصول الى دمشق او بغداد. ماذا يعني ذلك؟ لقد ظهر ان المتضرر من امتداد نفوذ داعش هي المجموعات الدينية التي كان يفترض ان تقوم الحروب من اجل تحقيق مصالحها، وليس تعريضها لابشع اشكال الحكم المتزمت. وبذلك انتقلت الازمة الى العمق السني في العراق، بينما بقيت المناطق الشيعية خارج نفوذ تلك المجموعات. اما الغربيون فيرون ما يحدث للاقليات الدينية في الموصل ومناطق شمال العراق كارثة انسانية. 

فقد استهدفت «داعش» المسيحيين» وخيرتهم بين دفع الجزية او التحول الى الاسلام او الخروج، واستهدفت كنائسهم، فزحف الكثيرون منهم للمناطق الجنوبية مثل كربلاء والنجف. وتم تشريد افراد الطائفة اليزيدية الى الجبال بوحشية متناهية. وهنا قرر الرئيس الامريكي استخدام القوة لحماية هذه المجموعات.

السعودية اصبحت الآن تواجه تحديات عديدة، بعضها قديم والآخر طرأ مؤخرا. هذه التحديات قد لا تسقط نظام الحكم السعودي ولكن ليس مستبعدا ان تضعفه كثيرا وتفقده جانبا كبيرا من النفوذ الذي توفر للرياض في العامين الاخيرين. ومن هذه التحديات  ما يهدد الحكم السعودي، خصوصا التوتر الداخلي. فبرغم القبضة الامنية الشديدة تشهد المملكة اضطرابات سياسية بين الحين والآخر ليس في المنطقة  الشرقية فحسب، بل في مناطق نجد نفسها. وتتواصل الاعتقالات التي تؤدي في الغالب للمزيد من التوتر. وبعد اعتقال المحامي وليد ابو الخير قبل ثلاثة شهور، اعتقل العديد من المتظاهرين الشهر الماضي بعد المشاركة في مظاهرات 16 رجب في عدد من المدن السعودية للمطالبة باطلاق سراح السجناء الذين يقدرون باكثر من عشرة آلاف سجين سياسي. ومن بين الذين شملهم الاعتقال كل من عدنان الشعلان وعبد المحسن الواصل وعبد الحكيم الدويش. وقبل ذلك اعتقل تسعة اكاديميين بدعوى ارتباطهم بجماعة الاخوان المسلمين. وقد تصاعد التوتر في المنطقة الشرقية بعد انتشار انباء باحتمال تنفيذ حكم الاعدام بالشيخ نمر النمر الذي اعتقل في 2011، الامر الذي ستكون له تداعيات واسعة. ولكن الامر المهم هنا يتمثل بنجاح السعودية في صد الخطر الذي كان يتربص بها من تنظيم «القاعدة». فبعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر استطاعت اجهزتها الامنية اختراق خلايا التنظيم وتوجيهها بعيدا عن نهج استهداف الغرب او الرغبة في التغيير السياسي، واعادت مسار مجموعات منها بأجندة طائفية انتشرت في سوريا والعراق بشكل خاص. 

اما التحدي الآخر فيتمثل بما تفرزه الساحة اليمنية من صراعات ناجمة عن استحقاقات وأد ثورة شعبها. فالحدود اليمنية تفرز الكثير من المفاجآت. ولا يمثل الحوثيون الا واحدا من التهديدات للوجود العسكري السعودي على الحدود. فهناك خلايا القاعدة، الفاعلة منها والنائمة، التي تعمل في اليمن، والتي تعتبر السعودية مسؤولة عن النفوذ الامريكي الذي يستهدف وجودها في اليمن او في الجزيرة العربية. هذه المجموعات بقيت خارج نطاق التأثير السعودي ومرتبطة بخط القاعدة الذي يرأسه ايمن الظواهري. السعودية ساهمت في اجهاض ثورة اليمن ومنع التغيير الكامل فيه، ولكن هذا البلد الكبير مرشح للمزيد من الحراك السياسي وفك الارتباط مع نظام علي عبد الله صالح الذي ما يزال يحكم البلاد برغم سقوط شخص الرئيس. السعودية تنظر بتوجس لليمن الذي يمثل نقطة ضعف في خاصرة الجسد السعودي، ولذلك ستواصل الرياض اهتمامها باليمن وتدخلها في شؤونه، خصوصا مع وجود الحوثيين على القرب من الحدود بين البلدين. يضاف الى ذلك ان للسعودية اطماعا في اليمن الذي تحتوي مناطقه الجبلية على الحدود مع السعودية حقولا نفطية غنية.

وثمة تحد آخر للوجود السعودي يمثله ما يسمى «الاسلام السياسي» خصوصا بعد تآمر السعودية مع عسكر مصر ضد حكم الاخوان قبل اكثر من عام. سيظل الصراع هنا قائما بين الحركات الاسلامية الكبرى والمجموعات المتطرفة المدعومة من السعودية. وقد أنشئت هذه المجموعات، لتكون بديلا لتنظيم «القاعدة» الاصلي الذي يستهدف الغرب وليس معنيا بالحرب الطائفية، وكذلك لمجموعات الاسلام السياسي كالاخوان وحماس والنهضة وغيرها. وبعد ما فعلته السعودية من تمويل انقلاب مصر، تشعر الرياض ان عليها مواصلة حرب استئصال المشروع الاسلامي السياسي الذي تمثله تلك المجموعات بما لديها من امكانات. 

ومن غير المنطقي الاعتقاد بان الحركات الاسلامية ستستسلم لارادة العسكر في مصر او فلسطين او اي بلد آخر، بل الارجح انها ستدخل يوما في صراع مباشر مع ا لحكم السعودي، وهذا ما يقلق رموزه.

ويشير تصاعد التردي الامني في لبنان الى اصابع اجنبية شجعت المجموعات المتطرفة لاشغال لبنان بارباكات امنية خصوصا مع استمرار جمود الوضع السياسي ومحاولات انتخابات الرئيس وتشكيل الحكومة. هذه الارباكات لا تنفك عن حالة المناكفة بين طهران والرياض حول ملفات لبنان والكيان الاسرائيلي والعراق والبحرين وباكستان ومصر.

فاذا وجد الغربيون ان بامكانهم التعاطي الايجابي مع الايرانيين، فسيكون الحكم السعودي ليس معزولا فحسب، بل قد يستغني الغربيون عن خدماته لانه استنفد اغراضه ولم يعد قادرا على حماية المصالح الغربية، بل ربما اصابها في مقتل بتشجيعه المجموعات المتطرفة التي تستهدف كل من يناوئها، خصوصا اذا كانوا من غير المسلمين. انه صراع جديد – قديم، ولكنه ضرورة للتغيير المطلوب في المنطقة، وان كان ذلك على حساب راحة البعض  او مصالحهم. 


(القدس العربي)
التعليقات (0)