ينتظر على الشواطئ الليبية آلاف من
المهاجرين غير الشرعيين، للعبور نحو
أوروبا، في الوقت الذي ينتظر فيه أكثر من 250 ألف لاجئ يحاولون الوصول إلى شواطئ إيطاليا، والعبور منها للغرب وبداية حياة جديدة في "أرض الميعاد".
بالضبط، هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة، كما يصورها تقرير إخباري كتبه مراسل صحيفة "ديلي تلغراف" ريتشارد
سبنسر من بلدة غريان اللييية.
يبدأ سبنسر تقريره بالقول: "جاءا معا من الصحراء وفرق بينهما البحر، معا قطع الاثنان الصحراء، وبدءا رحلة ألعاب الموت ووصلا أخيرا للبحر المتوسط".
ويتابع: "الآن محمد خير يعيش مقيدا في معسكر ليبي، غير قادر على العودة لبيته، وتحطمت كل طموحاته بسبب قيام خفر السواحل بالسيطرة على القارب الذي ركبه مع 200 آخرين، أما عبد السلام فقد ركب قاربا آخر وبدأ حياة جديدة، فقد وصل إيطاليا ومنها للنرويج والآن بدأ بداية جديدة".
يظهر التقرير مصير الشابين، عبر الكيفية التي تتحرك فيها عجلة الحظ في القرن العشرين في أعلى حالاته. فبعد كارثة جديدة في البحر، تمثلت بغرق قاربين، تجددت الدعوات لدول الشمال الغنية، لاتخاذ إجراءات لمنع الكوارث البحرية.
وفي ذلك، نقلت الصحيفة عن مسؤولين ليبيين قولهم: "إن هناك 250 ألف لاجئ ينتظرون دورهم للعبور لأوروبا، حيث سهل حركتهم وطريقهم انهيار الأمن في البلاد".
ويقول العقيد زياد علي أرهومة، نائب مدير خفر السواحل الليبية: "لا تستطيع الحكومة الليبية السيطرة على حدودها في الجنوب"، مضيفا أن المهاجرين "يأتون من دول الصحراء، وأرتيريا والصومال ومن سوريا".
ويؤيد تصريحات أرهومة، حديث لوزير الداخلية الليبي صلاح مازق، الذي قال محذرا في مؤتمر صحافي نهاية الأسبوع بهذا الشأن: "أحذر العالم، وأوروبا بالتحديد، أنه إن لم يتحملوا مسؤولياتهم، فستقوم
ليبيا بتسهيل عبور هذا السيل من المهاجرين".
لقد أصبح وقف القوارب المطاطية، وقوارب الصيد القديمة أمرا اعتياديا كل يوم، فهناك أكثر من 25 ألف مهاجر، عثرت عليهم القوارب الإيطالية هذا العام، مقارنة بـ 43 ألف مهاجر عام 2013.
من جهته، وصف أمير البحر الإيطالي "غويسبيد دي جيورجي"، أن عبور المهاجرين "يشبه الخروج التوراتي".
يقول المسؤولون في ليبيا: "إن الذين يعبرون إلى أوروبا، أقل ممن بقوا في البلاد أو الذين يحاولون العبور". ويعلق أرهومة على ذلك: "لو أخذت إيطاليا ما بين 30 إلى40 ألف لاجئ في دولة عدد سكانها 60 مليونا، فماذا عن ليبيا التي يعيش فيها 125 ألفا من المهاجرين ولا يتجاوز عدد سكانها الـ6.25 مليون.
بالعودة إلى التقرير، وبالتحديد إلى اللاجئ خير، الذي يقبع داخل كوخ بمعسكر في بلدة غريان، جنوبي العاصمة طرابلس، فقصته تظهر المدى الذي حاول فيه الكثيرون البحث عن حياة للمستقبل حرة ومزدهرة.
واللاجئ خير من أرتيريا التي توصف بأنها من أسوأ بلدان العالم، في مجال حقوق الإنسان، ومثله مثل الآلاف الذين أجبروا على الخدمة الإجبارية في الجيش، التي تعني البقاء مدى الحياة.
يقول خير: "حاولت عبور البحر ثلاث مرات، وكنت أبحث عن حقوقي، وفي كل مرة يتم القبض علي، وقد باعت أمي كل شيء الآن، ذهبها وزينتها وبيتنا ومواشينا، ولم يبق شيء، ولم يعد هناك ما يمكن فعله".
لقد قام خير وزميله عبد السلام، بعبور بلدان شهدت حروبا وانقلابات. وفي إحدى المرات وجد نفسه مع 23 شخصا في سيارة "لاند كروزر"، عندما اصطدمت بكثبان رملية.
ودفع خير للعصابة التي هربته 4 آلاف دولار، إضافة إلى ألفي دولار رشوة للجنود المصريين، الذين هددوهم بمصادرة السيارة. كما أنه دفع 1600 دولار أخرى لعبور البحر، وانتهت محاولته الأولى بعد خمس ساعات عندما ألقى خفر السواحل الليبيين القبض عليه.
لقد دفعت عائلة خير 1300 دولار للإفراج عنه، وقد حاول مرة أخرى للعبور إلى أوروبا، لكن خفر السواحل ألقوا القبض عليه هذه المرة أيضا، وأعادوه إلى ليبيا.
في المرة الرابعة، دفع خير 1600 دولار، لمهرب أخذ المال، وهرب وتركه وحيدا. بالرغم من ذلك، حاول هو ورفاقه المضي نحو الساحل، لكن الشرطة ألقت القبض عليهم، ومن بين 32 كانوا في سيارة "لاند كروزر"، ظل هو الوحيد الذي لم ينجح بالوصول لأوروبا.
وتشير الصحيفة إلى أن الاتجار بالبشر عبر المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا، ورقة استخدمها الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، للحصول على تنازلات من الدول الأوروبية، بعد انفتاح ليبيا على الغرب.
وبعد قيام ثورة 2011 في ليبيا، فتح القذافي الباب أمام المهاجرين، وساعد في هذا انهيار مؤسسات الدولة، ولم تشكل البحرية الليبية من جديد إلا العام الماضي.
وتتم حراسة ساحل ليبيا الطويل من خلال 4 سفن وقوارب حراسة أخرى.
ويعترف المهربون بأن مهمتهم كانت سهلة، يقول أحدهم: "في هذه الأيام من الممكن تهريب أي شيء لليبيا، مخدرات، أسلحة وبشر".
وبسبب الوضع الأمني فإنه يتوقع قدوم أعداد كبيرة أخرى في الأعوام المقبلة.
وبرر المهرب عمله بأنه يقوم بمساعدة الأشخاص لتحقيق أحلامهم، ومعه بالتأكيد حلمه.
ويقوم المهرب بجمع زبائن لأصحاب القوارب من المدن الجنوبية في ليبيا، ونقلهم للساحل، فيما يتقاضى عن كل شخص ما بين 10 و150 دينارا ليبيا، ويرسل كل أسبوع أو شهر ما بين 200 و300 شخص، قائلا في النهاية: "هناك المئات من الأشخاص الذين يقومون بما أقوم به".