صحافة عربية

الغارديان: هل تريد أن تقضي حياتك على شاشة هاتفك؟

شرحت سبب تكرارنا لفحص هواتفنا وذلك لأننا أصبحنا معتادين للغاية- جيتي
شرحت سبب تكرارنا لفحص هواتفنا وذلك لأننا أصبحنا معتادين للغاية- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للصحفية المختصة بالشؤون العلمية، كاثرين برايس، قالت فيه "إنها كانت تحمل رضيعها، وتتصفح موقع "إباي" على هاتفها في الساعة الثالثة والنصف صباحا، عندما أحست وكأنها خرجت من جسدها ونظرت إلى ذلك المشهد الغريب".

وأضافت: "رأيت رضيعي يحدق في وجهي، ورأيت نفسي أحملق في هاتفي، فأصبت بالرعب. لم يكن هذا هو الانطباع الذي أردت أن يكون لدى رضيعي عن العلاقة الإنسانية، ولم يكن أيضا هو الشكل التي أردت أن أعيش بها حياتي الخاصة. قررت في تلك اللحظة أنني بحاجة إلى "الانفصال" عن هاتفي وإقامة علاقة جديدة بحدود أفضل".

وتقول "إن تلك التجربة كانت في عام 2016، وإنها لم تتمكن من العثور على كتاب يتناول سبب كون هواتفنا جذابة للغاية وما هي تأثيراتها علينا، ناهيك عن كتاب يقدم حلا، لذلك قررت أن تكتب بنفسها، حيث إن  ما تعلمته غير حياتها".

وأوضحت أن "هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا مقيدين بهواتفنا، ولكن السبب الذي وجدته الأكثر إثارة للغضب هو أن معظم التطبيقات التي تستهلك معظم وقتنا مصممة عمدا من أجل ربطنا، لأن هذه هي الطريقة التي يجني بها منشؤها المال. تعد هذه التطبيقات جزءا مما يُعرف باسم "اقتصاد الاهتمام"، حيث يتم بيع اهتمامنا، وليس السلع أو الخدمات".

وتابعت: "في هذا الاقتصاد، نحن لسنا عملاء هذه التطبيقات، بل المعلنون. نحن، في الأساس، المنتج الذي تم التلاعب به لمنح أثمن أصولنا، اهتمامنا، مجانا" مردفة بأن: "السبب وراء أهمية هذا هو أن حياتنا هي في النهاية ما نوليه الاهتمام. نحن نَخبَر فقط ما ننتبه إليه، ونتذكر فقط ما ننتبه إليه". 

واسترسلت: "بالتأكيد، هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلنا نرغب، أو نحتاج، إلى الاهتمام بما هو موجود على هواتفنا. ولكن من الضروري أيضا أن نتذكر أن انتباهنا، مثل الوقت، عبارة عن معادلة محصلتها صفر: كل دقيقة تقضيها في التصفح دون قصد هي دقيقة لم ننفقها على شيء آخر، شيء قد نهتم به بالفعل. وهذا أمر مهم، لأن هذه الدقائق، عندما تتكرر على مدار ساعات وأيام وأسابيع وشهور، فهي تشكل في مجموعها حياتنا".

واستفسرت: "هل تريد أن تشعر بآثار ذلك على نفسك؟" لتجيب: "ابحث عن الوقت اليومي الذي تقضيه أمام الشاشة، وقم بإجراء العمليات الحسابية لمعرفة عدد الأيام التي تستغرقها في السنة. على سبيل المثال، أربع ساعات من استخدام الهاتف يوميا، وهو أمر نموذجي جدا، ما يزيد عن 60 يوما كاملا كل عام".

وتقول إن "صانعي التطبيقات يجذبونك من خلال محاكاة التقنيات المستخدمة في ماكينات القمار، والتي تعتبر على نطاق واسع من أكثر الآلات التي تم اختراعها إدمانا على الإطلاق. وذلك لأن ماكينات القمار مصممة لتحفيز إفراز الدوبامين، وهو ناقل عصبي يساعد (من بين أمور أخرى) أدمغتنا على التسجيل عندما يكون السلوك يستحق التكرار - ثم يحفزنا على تكراره".

اظهار أخبار متعلقة


وأوضحت: "الدوبامين ضروري لبقاء جنسنا البشري، لأنه يضمن استمرارنا في القيام بأشياء مثل الأكل والتكاثر. لكن الشيء الصعب في أنظمة الدوبامين لدينا هو أنها غير تمييزية: إذا أدى سلوك ما إلى إطلاق الدوبامين، فسنكون متحمسين من أجل تكرار هذا السلوك، بغض النظر عما إذا كان مفيدا لنا، مثل التمارين الرياضية، أو ضارا، مثل تعاطي المخدرات أو إضاعة ساعة على  تيك توك وكلما زاد سلوك معين يؤدي إلى إطلاق الدوبامين، كلما زاد احتمال أن يصبح هذا السلوك عادة (وفي الحالات القصوى، إدمانا)".

وأضافت: "هذا يعني أنك إذا كنت تريد إنشاء منتج (أو خوارزمية) تجذب الناس، فالأمر بسيط للغاية: عليك دمج أكبر عدد ممكن من محفزات الدوبامين في تصميم منتجك. وهذا بالضبط ما فعله مصممو التكنولوجيا".

وقالت إن ؛هواتفنا وتطبيقاتها، في الواقع، مليئة بالعديد من محفزات الدوبامين، حتى أن الخبراء مثل تريستان هاريس، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لمركز التكنولوجيا الإنسانية، يشيرون إلى الهواتف على أنها ماكينات القمار التي نحتفظ بها في جيوبنا. على سبيل المثال، الألوان الزاهية هي محفزات للدوبامين".

وأردفت: "كذلك الأمر بالنسبة للحداثة، والأمور التي يصعب التنبؤ بها، والترقب وكل ذلك نَخبَره تقريبا في كل مرة نفحص فيها هواتفنا. المكافآت هي أيضا محفزات ضخمة. في حالة ماكينات القمار، من الواضح أن المكافأة المحتملة هي المال. على هواتفنا، تأتي بعض المكافآت الأكثر شيوعا في شكل تأكيد اجتماعي، مثل الإعجاب أو التعليق على منشور. ولهذا السبب فإن تطبيقات مثل وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار والبريد الإلكتروني والألعاب والتسوق من السهل جدا إضاعة الوقت فيها: فهي التطبيقات التي تحتوي على أكبر عدد من محفزات الدوبامين".

إلى ذلك، حذّرت من "أنه إذا لم ندرك ما يحدث، ولم نقاومه بوعي، فقد نصبح مهيئين للبحث عن دفقات الدوبامين من أجهزتنا، لدرجة أننا، مثل فئران المختبر المدربة على الضغط على رافعة للحصول على الطعام، ننقر أو نضغط على أي شيء يَعِد بتقديمه، بغض النظر عما إذا كان له أهمية أو قيمة بالنسبة لنا".

اظهار أخبار متعلقة


وقالت إن "العواقب، على المستوى العالمي، مروعة". وكما كتب هاريس: "لم يسبق أن كان لدى حفنة من مصممي التكنولوجيا مثل هذه السيطرة على الطريقة التي يفكر بها المليارات منا، ويتصرفون، ويعيشون حياتهم".

كذلك، شرحت سبب تكرارنا لفحص هواتفنا وذلك لأننا أصبحنا معتادين للغاية، بفضل الدوبامين، على الاعتقاد بأن فحص هواتفنا هو سلوك يستحق التكرار، لدرجة أنه عندما لا نتمكن من التحقق من هواتفنا، غالبا ما نشعر بالقلق، ونبدأ في المعاناة من ظاهرة  "الخوف من أن يفوتنا شيء". 

وتابعت: "القلق بالطبع أمر مزعج، فماذا نفعل للتخفيف منه؟ نقوم بفحص هواتفنا وعندما نفعل ذلك، نواجه محفز الدوبامين، مما يعزز فكرة أن فحص الهواتف هو سلوك يستحق التكرار. وتستمر الدورة حتى نقوم بكسرها".

وتوضح من تجربتها أن خطواتها الأولى في عملية التخلص من سيطرة هاتفها كانت تقليل التعرض لمحفزات الدوبامين عن طريق إيقاف تشغيل معظم الإشعارات، وإخفاء أو حذف معظم التطبيقات التي تستغرق وقتا طويلا والذي كان بالنسبة لها البريد الإلكتروني والأخبار.

ثم قامت بتحويل ألوان شاشة الهاتف إلى الأبيض والأسود. كما أنشأت أيضا حدودا مادية مع هاتفها عن طريق حظره من غرفة النوم وطاولة الطعام، وشحنه في خزانة ليلا. وقالت إنها تحتفظ بكتاب أو كراسها على طاولة بجوار سريرها حيث كان يوضع هاتفها.

وقالت إنها سألت نفسها أيضا عما تريد أن تفعله حقا في وقت فراغها، وجعلت هذه الأنشطة متوفرة قدر الإمكان، بحيث عندما تشعر بالإغراء لتناول الهاتف تقوم ببديل سهل وأكثر فائدة. على سبيل المثال، كانت ترغب في تحسين عزف القيثارة، لذلك استغلت بعض الوقت الذي استرجعته من هاتفها للتسجيل في فصل دراسي جماعي.

اظهار أخبار متعلقة


وبدأت في ترك قيثارتها خارج صندوقها في المنزل. كما بدأت تضيع وقتا أقل على هاتفها، ونتيجة لحضور الفصل الشخصي، التقيت بمجتمع من البالغين ذوي التفكير المماثل وتكوين صداقات جديدة غير متوقعة.

وتقول في نهاية مقالها: "علاقتي بهاتفي لا تزال غير مثالية.. لكنها تحسنت بطرق لم أكن أتوقعها أبدا عندما قررت الانفصال عنه لأول مرة. أصبحت أكثر ملاحظة وأكثر حضورا. أشعر بأنني أكثر هدوءا وأكثر ارتباطا بعائلتي وأصدقائي ونفسي. تبدو الحياة أكثر جمالا. وفي هذه الأيام، بدلا من السماح لهاتفي بأن يكون إغراء لإضاعة الوقت، أحاول استخدامه بمثابة تذكير لطرح سؤال أشجعك على طرحه على نفسك: هذه حياتك. ما الذي تريد الاهتمام به؟".
التعليقات (0)