تقارير

مدينة رفح ضاربة في التاريخ وتئن من القصف و"النازحين"

بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد استعادت مصر سيناء ووضعت أسلاكا شائكة لتفصل "رفح سيناء" عن "رفح الأم"
بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد استعادت مصر سيناء ووضعت أسلاكا شائكة لتفصل "رفح سيناء" عن "رفح الأم"
تعد مدينة رفح من المدن التاريخية القديمة؛ فقد أُنشئت قبل خمسة آلاف سنة وغزتها معظم الحضارات القديمة مثل الفراعنة والآشوريين والإغريق والرومان.

وهي مدينة فلسطينية حدودية، وتقع في أقصى جنوب قطاع غزة، وتبعد عن القدس حوالي 107 كم إلى الجنوب الغربي.

تعتبر المدينة أكبر مدن القطاع على الحدود المصرية، حيث تبلغ مساحتها 55 كم2، ويقسم سكان رفح إلى قسمين: القسم الأول هم سكان رفح الأصليون، والثاني هم لاجئون هاجروا إثر نكبة فلسطين عام 1948.

السكان

يعود معظم سكان رفح في أصولهم إلى مدينة خانيونس وإلى بدو صحراء النقب وصحراء سيناء، ثم أضيف إليهم اللاجئون الفلسطينيون الذين قدموا إلى رفح بعد النكبة في عام 1948م، وترجع أصولهم إلى مختلف قرى ومدن فلسطين المحتلة خاصة التي كانت تابعة لقضاء غزة.

وبلغ عدد سكانها في عام 1922 نحو 599 نسمة، وارتفع إلى 2220 عام 1945، وفي عام 1982 كان إجمالي عدد السكان حوالي 10,800 نسمة.


                                            مشهد للأراضي الرزاعية في مدينة رفح

وبحسب تعداد السكان عام 1997 للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإنه بلغ تعداد سكان رفح ومخيم رفح حوالي 91,181 نسمة، وتم إدراج مخيم تل السلطان مع عدد سكان 17,141 نسمة ليشكل اللاجئون 80.3٪ من مجموع السكان.

وفي تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2006، كان عدد سكان رفح 71 ألف نسمة، وبحسب إحصاء عام 2022، فقد بلغ تعداد سكانها نحو 300 ألف نسمة.

المساحة والمناخ

تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كم2، وتعتبر من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان.

ويتأثر مناخ رفح بقربها من البحر، وهو مناخ حار وجاف صيفا ومعتدل الأمطار شتاء، وبالرغم من أن رفح تطل على البحر الأبيض المتوسط، إلا أن مناخها يعتبر شبه صحراوي، إذ تصل درجات الحرارة صيفا في أحيائها إلى 38 درجة مئوية، في حين تنخفض درجات الحرارة في فصل الشتاء إلى نحو 10 درجات مئوية.

واشتهرت مدينة رفح بالزراعة فهو المصدر الغذائي للمدينة، وتصل مساحة الأراضي الزراعية في المدينة إلى حوالي 30% من مجموع أراضي المدينة، وتشتهر بزراعة الزيتون وبزراعة وتصدير الورد، إضافة إلى التوت البري والبطاطا والبندورة والخيار والحمضيات.

وتعتمد المدينة على المياه الجوفية فهي المصدر الوحيد للري والشرب، وتقدر المساحة المزروعة في رفح بحوالي 7500 دونم، وتطورت الزراعة فيها وأخذت تستخدم الوسائل الحديثة والطرق العلمية في الزراعة، وازدهرت الحركة التجارية في رفح نتيجة لتدفق رؤوس الأموال من أبنائها العاملين في الخارج، وتقتصر الصناعة على الصناعات البسيطة كصناعة الألبان والألبسة والحلوى بالإضافة إلى العديد من الورش الصغيرة.

تاريخ قديم

عرفت المدينة بأسماء عدة، عرفها الفراعنة باسم "روبيهوي"، وأطلق عليها الآشوريون اسم "رفيحو"، وأطلق عليها الرومان واليونان اسم "رافيا"، وأطلق عليها العرب اسم رفح.

تعدد أسمائها والدول والإمبراطوريات التي حكمتها يؤكد أن رفح مدينة قديمة جذورها ضاربة في القدم، وحملت الكثير من الأسماء على مر العصور وشهدت الكثير من المواقع الحربية الشهيرة.

وقد مرت رفح بأحداث تاريخية هامة منذ العصور القديمة وذلك لتميز موقعها الذي يعتبر البوابة الفاصلة بين مصر والشام. وفي عهد الآشوريين حدثت معركة عظيمة بين الآشوريون والفراعنة الذين تحالفوا مع ملك غزة، وقد آل النصر في هذه المعركة للآشوريين. وفي عام 217 قبل الميلاد حدثت معركة في رفح بين البطالمة حكام مصر والسلوقيين حكام الشام وبذلك خضعت رفح وسوريا لحكم البطالمة مدة 17 عاما إلى أن عاد السلوقيون واسترجعوها.

أما في العهد المسيحي فاعتبرت رفح مركزا لأسقفية إلى أن فتحها المسلمون على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

إلا أنه في القرن السابع للهجرة لم يعد لرفح عمران فأصبحت خرابا ثم عادت للازدهار بعد ذلك.

وقد مر بها نابليون عام 1799 في حملته الفرنسية على بلاد الشام، وزارها كل من الخديوي إسماعيل والخديوي عباس حلمي الثاني الذي رسم الحدود بين سوريا ومصر من خلال عمودي غرانيت وضعوا تحت شجرة السدرة القديمة.

وفي عام 1906 حدث خلاف بين العثمانيين والبريطانيين حول ترسيم الحدود بين مصر والشام. وفي عام 1917 خضعت رفح للحكم البريطاني الذي فرض الانتداب على فلسطين.

وفي عام 1948 دخل الجيش المصري رفح وبقيت تحت الإدارة المصرية إلى أن احتلها الإسرائيليون في عام 1956 ثم عادت للإدارة المصرية عام 1957 حتى عام 1967 حيث احتلت من جديد. وبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد استعادت مصر سيناء ووضعت أسلاكا شائكة لتفصل "رفح سيناء" عن رفح الأم. وتقدر مساحة ما ضم إلى الجانب المصري حوالي 4000 دونم وبقي من مساحة أراضيها 55000 دونم اقتطع منها حوالي 3500 دونم للمستوطنات.

النقل والمعابر
تقع في رفح عدة معابر وبوابات منها:

ـ معبر رفح البري ويقع في المنطقة الجنوبية أخر الطريق الفاصل ما بين مدينة رفح وشوكة الصوفي وهوا معبر دولي ومنفذ قطاع غزة على جمهورية مصر العربية.

ـ مطار رفح الدولي وقد تم بناؤه في عهد السلطة الوطنية وتم إيقاف العمل به بعد انتفاضة الأقصى وتم تدميره من قبل قوات الاحتلال في عام 2006، ويقع على أراضي بلدية شوكة الصوفي شرق محافظة رفح.

ـ بوابة صلاح الدين الأيوبي وتقع في نهاية شارع صلاح الدين جنوب رفح ويحدها من الغرب بلوك ومن الشرق حي القشوط.

ـ معبر كرم أبو سالم أو "كيرم شالوم" وهو معبر جديد يقع أقصى شرق جنوب قطاع غزة ورفح وتم افتتاحه ليكون بديلا عن معبر المنطار بغزة، ويقع على أراضي بلدية شوكة الصوفي وهو منفذ بين غزة ودولة الاحتلال.

ـ معبر صوفا يقع أقصى شمال شرق رفح وهو صغير مقارنة بمعبر كرم أبو سالم ويستخدم لإدخال الأعلاف والفاكهة من الجانب الإسرائيلي.

ـ المحررات ما كانت تسمى سابقا بمجمع "غوش قطيف" وهي أراض شاسعة وخلابة الجمال تقع في غرب محافظة رفح.

ـ الشاطئ وهو شاطئ البحر الأبيض المتوسط ويقع أقصى غرب محافظة رفح، ويعرف بجماله مقارنة بشواطئ القطاع ونظافة مياهه ويبلغ طولهما ما يقارب الستة كيلومترات.

واقع مأساوي

وتعصف أزمات عدة بأكثر من 600 ألف نسمة في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، من بينهم 300 ألف نازح لجأوا إلى المدينة من شمال القطاع، بعدما اكتظت جميع المدارس الحكومية، وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالنازحين، إضافة إلى منازل الأقارب والأصدقاء، ومقار الأندية الرياضية والاجتماعية.

وتعتبر رفح إحدى المدن التي حددها جيش الاحتلال في إنذاراته المتكررة لسكان مدينة غزة وشمال القطاع، بالتوجه إليها جنوبا، وهي مدينة غير مؤهلة من حيث المرافق الخدمية والبنى التحتية لاستقبال مئات آلاف النازحين الذين يعيشون واقعا إنسانيا مترديا.


                                                        مشهد جانبي لمدينة رفح

رغم أنه من المفترض أن تكون مدينة رفح من "الأماكن الآمنة" للمدنيين في قطاع غزة، خاصة بعد أن دعا الجيش الإسرائيلي السكان في المناطق الشمالية، البالغ عددهم نحو 1.1 مليون نسمة، إلى النزوح جنوبا، فإنها تتعرض لقصف متواصل.

وقد فاقمت الحرب الوحشية الدموية والمدمرة ضد قطاع غزة، من الواقع المأساوي للمدينة، والذي تعاني منه بالأساس من أزمات كثيرة، ناجمة عن سنوات الحصار الطويلة.

وبفعل حركة النزوح الكبيرة من مدينة غزة ومدن شمال القطاع، هربا من القتل والتدمير بعد تهديدات الاحتلال لسكان تلك المدن، لجأ إلى مدينة رفح أكثر من 300 ألف نازح.

هذا النزوح الكبير للآلاف وبينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال، شكل ضغطا على المرافق الخدمية والبنية التحتية، غير المؤهلة، التي تعاني أساسا من انعدام التطوير والتأهيل لسنوات طويلة.

المصادر:

ـ رائد موسى، "رئيس بلدية رفح: نتعرض لكارثة إنسانية وهذه احتياجاتنا"، الجزيرة نت، 20/11/2023.
ـ المدن الفلسطينية في حدود الأراضي المحتلة عام 1967، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا).
ـ "كان يفترض أن تكون ملاذنا الآمن.. القصف يطارد نازحي غزة في رفح"، موقع قناة الحرة، 23/10/2023.
ـ مدينة رفح، منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة شؤون المغتربين.
ـ رفح المصرية تختفي بعدما انفصلت عن توأمتها الفلسطينية، القدس العربي، 13/1/2015.
ـ مدينة رفع، فلسطين أونلاين، 5/10/2022.
التعليقات (0)