ملفات وتقارير

الخطر المتزايد للتغيرات المناخية.. هل أعدت الدول العربية العدّة لمكافحة تداعياتها؟

قضية البيئة والتغيرات المناخية لم تعد حكرا للنقاش من قبل فئات نخبوية فقط، بل باتت تمس كافة الأفراد- جيتي
قضية البيئة والتغيرات المناخية لم تعد حكرا للنقاش من قبل فئات نخبوية فقط، بل باتت تمس كافة الأفراد- جيتي
من موجات حر وجفاف شديدة إلى فيضانات وأعاصير مدمرة تخلف خسائر طبيعية وبشرية، هكذا ينذر التغير المناخي المستمر في كافة ربوع الأرض، خاصة في الدول العربية، بكوارث مكلفة، ما لم تتكاتف الجهود بجميع المؤسسات والمنظمات  للحد من الاحتباس الحراري والدمار البيئي.

وفي الوقت الذي لا تتوقف فيه "الأمم المتحدة" عن تحذير العالم، منذ العام الماضي، بخصوص اقتراب كارثة مناخية، ما لم تُتخذ الإجراءات اللازمة لتخفيض انبعاثات الكربون، تتواصل اللقاءات حول العالم، للبحث عن حلول لحماية البيئة ومناخ كوكب الأرض.

هل نجحت الدول العربية في سن قوانين ناجعة للتصدي لكافة تأثيرات التغيرات المناخية؟


المناخ.. من النخبة إلى المواطنين 
مع زيادة حدّة الكوارث الطبيعية، بات عدد من المختصين بالشأن البيئي وقضايا المناخ، يعتبرون أن قضية البيئة والتغيرات المناخية، لم تعد حكرا للنقاش من قبل فئات نخبوية فقط، بل باتت تمس كافة الأفراد؛ خاصة المواطنين العرب، في ظل الأوضاع الراهنة، من ازدياد في الأسعار، ومعدلات البطالة والفقر.

ووفقا للأمم المتحدة فإن ارتفاع درجات حرارة الأرض، يمثل السبب المباشر للتدهور البيئي، والكوارث الطبيعية، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، والاختلال الاقتصادي، والنزاعات والإرهاب.

وتحدثت "عربي21" مع عدد من خبراء البيئة وعدد من المواطنين من دول عربية مختلفة حول عاداتهم وسلوكهم اليومي الذي اعتمدوه أو غيروه وفقا لنصائح وإرشادات الأمم المتحدة، من أجل الحد من تداعيات التغيرات المناخية على حياتهم اليومية.

أسماء مهديوي، خبيرة في القانون العام، تعيش في المغرب، تقول: "نقدر كافة الجهود المبذولة للحد من التغيرات المناخية، سواء وطنيا أو دوليا؛ وبدورنا نعمل جليا على جملة من السلوكيات اليومية للمساهمة في حماية كوكب الأرض، من قبيل عدم استعمال السيارة إلا للضرورة، والتقليل من استعمال المنتوجات البلاستيكية، ولا نهدر الكثير من الطاقة الكهربائية".

وتوضح أسماء، أنها تعمل كذلك على إعادة تدوير بعض المواد القابلة للتدوير منزليا وكذلك توعية المحيط بمخاطر ما تعيشه الأرض من بفعل التغيرات المناخية، مردفة: "نحاول كذلك، ما أمكن، عقلنة استعمالنا للمياه، خاصة مع ما يعرفه المغرب من جفاف، في السنوات القليلة الأخيرة".

وقال الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، مصطفى بنرامل، إنه "من المؤكد أن تكون لهذه الظواهر المناخية تأثيرا كبيرا على صحة الإنسان، والنظم البيئية، والاقتصادات، والزراعة، وإمدادات الطاقة والمياه".

وذكّر الخبير البيئي، في حديثه لـ"عربي21" بقول الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، إن "هذا يؤكد الحاجة الملحة المتزايدة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأسرع ما يمكن، وبعمق قدر الإمكان للحد من تغير المناخ والوقاية من كل أشكال أحوال الطقس المتطرفة، مثل الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة والفيضانات والعواصف الرعدية الشديدة".

من جهته، يقول علي، مواطن مصري، إنه لا يستهلك الكثير من اللحوم، ويقتصد في الطاقة الكهربائية، ويوعي المحيط به على أهمية التقليل من استعمال الماء، وكذلك تجنب استخدام الأكياس البلاستيكية، وتجنب الأكواب الكرتونية لشرب القهوة.

تجدر الإشارة، إلى أن جملة من الدول العربية، في السنوات الماضية، عملت على سنّ قوانين تجرّم استخدام الأكياس البلاستيكية، خاصة السوداء، التي كانت تستعمل في حفظ الطعام أو بعض الأطعمة المخللة الحامضة، وذلك لما لها من أضرار مباشرة على البيئة، مثل تونس ومصر والمغرب والسعودية والإمارات. إلا أنه يذكر أنها لا تزال تُباع فيما يسمّى بالسوق السوداء، وتستخدم في الخفاء.

كذلك، يعمل عدد من الشباب في عدد من الدول العربية، بجولات جماعية أسبوعية، في كل من الغابات أو الشواطئ، من أجل تنظيفها من كافة العبوات والأكياس البلاستيكية، والنفايات الصلبة، ووضعها في الحاويات المخصصة لها، بشكل طوعي، أو تنظيمي من طرف جمعيات المجتمع المدني، أو المنظمات المتخصصة، من أجل المساهمة في الحفاظ على البيئة. 

أي خطر على الدول العربية؟ 
أدرج تقرير لـ"مختبرات غرين بيس للبحوث" كل من المغرب والجزائر ومصر ولبنان وتونس والإمارات، ضمن الدول المهددة بـ"التأثير المدمر للتغير المناخي".

ودق هذا التقرير الذي حمل عنوان "على شفير الهاوية: تداعيات تغيّر المناخ على ستة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" ناقوس الخطر، بالقول إن "من التداعيات الوخيمة لظاهرة الارتفاع المتزايد لدرجة الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي، الشح الحاد في المياه، والآثار الواضحة على المجتمعات والمنظومات الحيويّة".


وسجّل هذا التقرير أن الكثير من دول المنطقة "تشهد بشكل طبيعي ظروفا جافة ودافئة للغاية مقارنة بأجزاء أخرى من العالم"، منبّها إلى أن "حرارتها ترتفع بمعدل متسارع يصل إلى 0.4 درجة مئوية لكل عقد منذ ثمانينات القرن العشرين، أي ما يعادل ضعف المعدّل العالمي".

وتابع بأن "خطر التغيرات المناخية على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تقتصر فقط على شح المياه وخلخلة توازنات الأمن الغذائي، بل يشكل أيضا تهديدها خطرا على التنوع البيولوجي البحري والأرضي"، مطالبا بتأسيس "صندوق لتعويض الدول والمجتمعات التي تواجه أخطر الآثار لتغير المناخ نتيجة الخسائر والأضرار التي لحقت بها".

وأثار ما ورد في القرير، مخاوف من تأثير التغير المناخي على محاصيل الزيتون والمانجو في مصر، التي تعد خامس دولة على الصعيد العالمي عرضة لتأثيرات اقتصادية، لارتفاع مستوى سطح البحر على المدن الساحلية والدلتا؛ فيما تشير تقديرات متباينة إلى انخفاض بنسب تتراوح ما بين 10% و60% في غلة المصالح الزراعية بمصر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وزيادة ملوحة مياه الري.


وفي لبنان، بحسب المصدر نفسه، سينخفض الناتج المحلي بنسبة 14% خلال عقدين، والمعدل في تزايد إن لم يتغير الحال؛ أما تونس، فهي مهددة بفعل انعكاسات التغيّر المناخي بفقدان مواردها الطبيعية، ويتوقع أن تواجه نقصا حادا في محاصيل الحبوب، بسبب جفاف نحو ثلث المساحات الزراعية بحلول عام 2030.

بالنسبة للمغرب، لفت التقرير إلى أن المملكة تشهد "شحا في التساقطات المطرية خلال السنوات الأخيرة، حيث سيواجه على غرار المنطقة الشمالية الغربية من القارة الإفريقية، ظروفا من الجفاف الزائد، وزيادة متوسط درجات الحرارة السنوية في العقود المقبلة من القرن الجاري، ما سيؤثر على إنتاج الغذاء".

وتوقع التقرير "أن معدل الإنتاجية الزراعية في المغرب، سوف يشهد انخفاضا بحلول عام 2080، إثر تغير أنماط تساقط الأمطار، حيث يمكن أن تتأثر الأراضي السقوية سلبا بفعل التملح، عندما يتبخر الماء تاركا كمية عالية مركّزة من الأملاح على سطح التربة" مشيرا إلى أن "السكان المغاربة الأكثر فقرا هم الذين سيكونون أكثر تضررا، باعتبارهم يعتمدون على الزراعة للحصول على الدخل".

وبعيدا عن التقرير، أشارت بيانات مراقبة الغابات العالمية إلى أن العراق فقد ما يمثل 137 هكتارا من الأراضي المغطاة بالأشجار في الفترة بين العامين 2000 و 2022، منهم 22 هكتارا بسبب الحرائق و115 هكتارا لعدّة أسباب أخرى. 

اظهار أخبار متعلقة


وحسب وزارة الزراعة والموارد المائية، فإن محافظات إقليم كوردستان احترقت خلال الفترة بين العامين 2009 و 2022، فدمّرت ما يمثل 1.244 مليون دونم من الغابات، بسبب ارتفاع درجات الحرارة واستمرار الحرب ونقص الوعي والحرائق المتعمدة. 

ناقوس الخطر
ورصدت "عربي21" ما خلّفته التغيرات المناخية من آثار على عدد من الدول العربية، فقط خلال سنة 2022، فتوصلت إلى أن حرائق الغابات التي اجتاحت 14 منطقة شمال الجزائر، أسفرت عن مقتل 38 شخصا على الأقل، وتسببت في إتلاف نحو 1800 هكتار من الأحراش و800 هكتار من الثروة الغابوية في ولايات الطارف وسطيف وسوق أهراس وجيجل وسكيكدة وتيبازة؛ جراء موجة الحر التي اجتاحت منطقة شمال أفريقيا.


وفي الإمارات، اجتاحتها عاصفة رملية مصحوبة بأمطار غزيرة، استمرت على مدى أيام، تسبّبت في عدد من الأضرار البشرية والمادية، من بينها تعطيل حركة الملاحة الجوية ليومين في مطار دبي الدولي، إذ تم إلغاء 44 رحلة جوية وتحويل 12 إلى المطارات الإماراتية المجاورة، بالإضافة إلى صعوبة القيادة في ظل انخفاض مستوى الرؤية. 

هذه المشاهد، لم تقتصر على الإمارات فقط، بل شملت كذلك دولا خليجية أخرى، وهي: السعودية وسلطنة عمان والكويت.

وفي المغرب، اجتاحت حرائق لمدّة أربعة أيام، مناطق نائية في إقليم العرائش، ووزان وتطوان وتازة (شمال البلاد) تضرر إثرها نحو 4660 هكتارا من الأراضي، فيما طالت ألسنة النيران النصف منها تقريبا، حيث رصِدت بؤرة حريق كبيرة وسُجلت حالة وفاة واحدة، وإجلاء 1325 أسرة موزعة على 19 دوار (قرية).

Image1_8202327154921664602866.jpg
وفي هذا السياق، قال أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محمد سعيد قروق، إنه اليوم "لا يوجد أحد فوق الكرة الأرضية مستعد تمام الاستعداد لمواجهة أزمة المناخ، لدرجة أن جميع الظواهر الجوية التي أصبحت توصف بالعنيفة، تترك أثرا قويا في جميع الأماكن التي تمر منها، سواء كانت مرتبطة بالحرارة أو الجفاف أو عودة المياه الضخمة إثر الفيضان، أو الرياح وما ينتج عنها من حرائق الغابات".

اظهار أخبار متعلقة


وأوضح أستاذ المناخ، في حديثه لـ"عربي21" أنه من الناحية النظرية نجد الكثير من الدول تتأهب لمواجهة التطور المناخي، من قبيل برامج وقوانين، إلا أن الطبيعة تتسارع وتسبق الجميع، فنظل في منأى عن المبتغى، وهذا شيء طبيعي لأن الإنسان قدرته ضعيفة وهو بحاجة لوقت كبير لكي يفهم ما الذي يجري".

وأكد المختص في قضايا المناخ، أن "الدول العربية، تعد انتقالية بين النطاقات المناخية الحارة ذات التبخر العالي والأمطار القليلة فيما يخص فاعليتها وليس بالضرورة حجمها، وبين المناطق الأخرى التي توجد عند القسم الشمالي من الكرة الأرضية، والتي هي باردة وبها جملة من الظواهر المناخية؛ مما يعني أن هذه المناطق أكثر عرضة لتحولات جذرية بطبيعتها في دورتها المائية، بسبب الميزانية الطاقية التي تتغير". 

"على هذا الأساس نلاحظ أن هذه المناطق تشهد تارة أمطار غير عادية وعدة فيضانات، كما هو الشأن اليوم، وتارة أخرى تلاحظ أن بها عواصف ثلجية، حيث باتت الثلوج تتساقط في الصحراء، من قبيل الخليج العربي وشمال إفريقيا، والمغرب والجزائر وليبيا وتونس" يضيف المتحدث نفسه لـ"عربي21".

أما عن الحلول فيرى قروق أن "هذه الظواهر تجعل المسؤولين عن تدبير الشأن العام في حيرة من أمرهم لعدة أسباب، منها أن البنية التحية السائدة غير مؤهلة لمثل هذا النوع من الظواهر، وبالتالي إن عملية تأهيلها تتطلب وقت طويلا ومالا وفيرا، وكذلك خبرة قوية جدا، وفي المقابل إن الظواهر المناخية أسرع من كل هذا، مما يجعلنا في محنة حقيقية، وسينعكس على حياتنا العادية من ناحية الصحة والأنشطة والفلاحة وموارد المياه".
التعليقات (0)