أفكَار

رئيس "مسلمي أوروبا": مطالبنا اجتماعية ولا نسعى لحزب إسلامي

المسلمون في أوروبا هم مواطنون تحميهم القوانين والدساتير المعمول بها
المسلمون في أوروبا هم مواطنون تحميهم القوانين والدساتير المعمول بها

لم يعد المسلمون جسما غريبا عن مكونات المجتمعات الأوروبية، بعدما أصبحوا يمثلون أعدادا معتبرة في المجتمعات الأوروبية التي أقاموا بها ورسخوا تواجدهم فيها.. ومع أن قسما كبيرا من مسلمي أوروبا الغربية تحديدا جاء إليها مهاجرا، فإن القسم الأكبر من مسلمي أوروبا الشرقية هم مسلمون منذ قرون طويلة..

ولقد مكنت الدول الأوروبية الحديثة المسلمين من نحت مكان لهم ضمن مكونات المجتمعات الغربية، ولم تحل بينهم وبين الحفاظ على خصوصياتهم الدينية والثقافية ضمن رؤية غربية تقوم على التعددية الثقافية والإثنية ضمن الوحدة الوطنية.. وهي رؤية يقول الداعون لها إنها تمثل عنصر قوة للمجتمعات العاملة بها.

ومع أن تحديات إثبات الوجود للمسلمين في الغرب لم تكن سهلة من جميع النواحي، إلا أن ذلك لم يحل دون رعيلها الأول في العمل من أجل إيجاد كيانات جمعياتية تجمع المسلمين وتوحد كلمتهم في الغرب وتسهر على ضمان حقوقهم ضمن المواطنة الأوروبية.

ومن هنا كانت نشأة مجلس مسلمي أوروبا، الذي هو في الأساس "اتحاد المنظمات الإسلامية في  أوروبا"، على يد المهجّرين الأوائل من الطلاب المصريين، الذين توافدوا على الجامعات الغربية بعد خلاف الإخوان مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.. 

تأسس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا في بريطانيا أواخر سنة 1989م، وضم عضوية مؤسسات إسلامية على مستوى أوروبا، وله هيئة عمومية، ومجلس شورى، ومكتب تنفيذي. ويمتلك برنامجاً وخطة لمدة 20 سنة قادمة. وله مجموعة من المؤسسات في غير الدول الأوروبية. للاتحاد علاقات رسمية واضحة وقوية مع الأجهزة الرسمية الأوروبية على رأسها الاتحاد الأوروبي.

لكن الطابع الرسمي للاتحاد لم يمنع من وجود تحديات كبرى واجهته على مدى سنوات عمله في الساحة الأوروبية، بعضها يتعلق بمكونات المجتمعات الأوروبية وبالموقف من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبعضها الآخر له علاقة باستمرار الصراع السياسي بين الإسلاميين والحكومات في العالم العربي.. 

"عربي21"، تحاور رئيس مجلس مسلمي أوروبا عبد الله بن منصور، عن طبيعة المجلس وقضاياه والتحديات التي تواجهه، والخطاب الذي ينظم عمله. 


س ـ لنبدأ بمجلس مسلمي أوروبا ما هي حقيقته؟ من يمثل؟ هل هو تطور لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا؟ 


 ـ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وشكرا على استضافتكم، مجلس مسلمي أوروبا هو اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا سابقا وما تغير فقط هو الإسم، يعني أننا أردنا نزع كلمة منظمات لأن فهمها في أوروبا غير إيحاءاتها في العالم العربي، ورفعا للالتباس تم تغيير الإسم، وهو اسم أيضا قابل للتطور، كان الإسم المقترح، وقد نعود إليه، هو مسلمون أوروبيون. إذن هذه هي حقيقة المجلس باعتباره تطورا لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والذي يجمع في عضويته 27 دولة أوروبية من موسكو شرقا إلى دابلن غربا ومن استكهولم شمالا إلى مدريد جنوبا. 

س ـ هل حافظ مجلس مسلمي أوروبا على خاصية التنوع داخله بعدما تم نزع كلمة المنظمات؟ بمعنى هل أنتم مسلمون أوروبيون متنوعون من مراجع فكرية متعددة أم تمثلون مدرسة واحدة؟ 


  ـ أغلب الذين كانوا في تأسيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا كانوا من الإخوان المسلمين في بلادهم الأصلية، يعني أنهم كانوا من خريجي مدرسة الإخوان في العالم العربي وقد بقوا على هذا النهج الفكري حتى تم تأسيس هذا الاتحاد.  

ولكن مع تطور الاتحاد أصبح البعد الأوروبي أكثر حضورا من البعد العربي والإسلامي على الرغم من بقاء بعض الانتماءات العاطفية لعدد من مؤسسي الاتحاد لبلادهم الأصلية، لكن لا يمكن أن يقال إن الاتحاد هو امتداد للإخوان المسلمين، وقد أعلنت أثناء رئاستي السابقة للاتحاد بأننا مؤسسة أوروبية مسجلة في العاصمة الفرنسية باريس، ومنظماتنا كلها منظمات مرخصة في أوروبا ولا نقبل في عضويتنا إلا المنظمات المرخصة في دوله الأوروبية.  

يبقى الفكر السائد عندنا هو ما يسميه الأكاديميون بمدرسة الإخوان لا كتنظيم وإنما كمدرسة فكرية تقوم على الفكر الوسطي الذي يشاركنا فيه غالبية المسلمين في العالم وهو شمولية وعالمية الدعوة، وبالتالي لدينا كل الجنسيات، كما أن لدينا السلفيين في سلوكهم وفكرهم ولدينا تبليغيون وتحريريون بالمنحى السياسي بالإضافة طبعا إلى الإخوان المسلمين، لكن ما يجمعنا هو المصلحة الأوروبية. 

س ـ هل توجد لديكم في المجلس خارطة لمسلمي أوروبا؟ كيف يتوزعون؟ 


 ـ  لدينا صورة واضحة للأقليات الإسلامية في أوروبا، إن مسلمي أوروبا يبلغ عددهم 65 مليونا، لذلك فعدد المسلمين في أوروبا ضخم بهذا المعنى، وهم ينقسمون إلى أربعة أقسام كبرى: 

هناك مسلمون من أصل أوروبي وهم أساسا أهل البلقان، يعني شرق أوروبا وهناك أقلية في بلغاريا وفي روسيا ولدينا فيها 26,000,000 مسلم حسب إحصاءات الدولة الروسية الرسمية لكنهم في الحقيقة نحو 40,000,000 مسلم. هؤلاء هم مسلمون أصليون، يعني أجدادهم أوروبيون من الأساس. 

ولدينا المسلمون الذين أتوا منذ خمسة عقود إلى أوروبا وتجنسوا بجنسيتها وأبناؤهم يحملون الجنسيات الأوروبية. 

ولدينا الفريق الثالث من المسلمين وهم الأوروبيون الذين اعتنقوا الإسلام وهؤلاء تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم، ولدينا معدل يقدر بـ ٣٦٥ شخصا يدخلون الإسلام بشكل يومي في العالم الأوروبي، فرنسا وحدها هناك 80 فرنسيا يدخلون الإسلام بشكل يومي. وهذا الفريق يشكل الآن عددا ضخما في مسلمي أوروبا.  


أما الصنف الرابع من مسلمي أوروبا فهم من المهاجرين الجدد من الطلبة والسلك الدبلوماسي والمبعوثين من العمال المؤقتين والمهجرين الجدد..  

هذه هي التقسيمات الأربعة الكبيرة، طبعا في داخلها تقسيمات أخرى كبيرة. 

من ناحية انتماءاتهم الإسلامية توجد أربع مدارس فكرية: المدرسة الفكرية الأوسع انتشارا هي مدرسة الإخوان المسلمين أو قل مدرسة الفكر الوسطي، وهناك المدرسة السلفية، هذه تمددت ثم تراجعت وهي محكومة بالدعم المادي الذي يأتيها من دول الخليج، المدرسة الثالثة وكان لها الأثر البالغ في تأسيس العمل الإسلامي في أوروبا وهي مدرسة التبليغ، كان تواجدهم الأكبر في بريطانيا وكل المسلمين القادمين من القارة الهندية. أما المدرسة الرابعة فهي مدرسة التحرير والتي نسميها مدرسة الخيار السياسي. 

هذه هي المدارس والأفكار الإسلامية الموجودة في أوروبا، ورغم الاختلافات الموجودة بينها فإن بينها تقاطعات كبرى..  

س ـ هل لديكم قراءة ومعلومات عن الانتماءات الطبقية والفكرية للمسلمين في مجتمعاتهم الأوروبية؟ 


 ـ أغلب المسلمين الأوروبيين يتواجدون في مجال الخدمات، كان وضع المسلمين الاقتصادي قبل نحو عقدين من الزمن أقل من المتوسط، لكن الآن تطورت الأوضاع وأصبح لدى المسلمين الأوروبيين طبقة من رجال الأعمال وطبقة فوق المتوسط، بل أصبح غالبية المسلمين الآن في أوروبا في الطبقة المتوسطة، طبعا دون أن أدخل هنا طبقة المهاجرين الجدد.

ومع أن غالبية المسلمين ما زالوا في مجال الخدمات فقد لاحظنا أنهم تمكنوا من اقتحام أربعة مجالات كبرى للعمل: مجال الصحة كممرضين وأطباء وتخصصات دقيقة في المجال الطبي في ألمانيا وفرنسا بشكل خاص بأعداد كبيرة، مجال التعليم سواء في المدارس الخاصة أو المدارس الحكومية في أغلب البلدان الأوروبية، مجال التجارة وخصوصا ميدان اللحم الحلال والطعام وكل ما يتعلق بصناعة الغذاء، حتى أن الأكل الحلال دخل في الثقافة الأوروبية، والمجال الرابع هو مجال الخدمات أي السياحة والإعلاميات والصحافة والكتابة والنشر، وبالتالي أصبح مستوى الأقلية الإسلامية الاقتصادي أفضل بكثير مما كان عليه سابقا. 

س ـ بهذا المعنى لم يبق المسلمون الأوروبيون على هامش مجتمعاتهم؟ 


 ـ بالعكس نحن متأكدون ولدينا معطيات أن الذين يدفعون رواتب التقاعد للقسيسين والأحبار هم الأئمة، لأن الآخرين أعمارهم فوق الـ65 سنة ومعدل أعمار الأئمة أقل من 40 سنة والذين يدفعون تقاعد أساتذة التعليم أغلبهم من المسلمين لأن معدل سن المسلمين أقل بمعدل 23 سنة من معدل سن باقي المواطنين الأوروبيين، وبالتالي لم يعد المسلمون الأوروبيون عالة على المجتمعات الأوروبية بل هم يساهمون في عجلة الاقتصاد. 

س ـ هل يمكن الحديث وفق هذا التحليل عن الإسلام الأوروبي؟ 


  ـ طبعا يمكن الحديث عن إسلام أوروبي، نعم هنالك ثوابت في الإسلام لا تتغير مثل الفرائض والعبادات، لكن هنالك تنوع في التنزيل لهذه الثوابت.. مثلا أنا لباسي هو تماما لباس قومي من الفرنسيين.. بمعنى أنني أحترم ثوابت الإسلام في اللباس بالثقافة الأوروبية.. طريقة تنظيم بيتي وطريقة مخاطبتي للناس، حتى في صلاتي لا أصلي في مكان قد يزعج الناس ولا أرفع الأذان في مكان قد يزعج الناس، ولا أسهر في رمضان سهرة قد تزعج راحة الناس، وإنما أمارس شعيرة الصيام والقيام بما يحقق الغرض منها ويحترم راحة الناس وخصوصياتهم.. وكما أن الأوروبيين يسلمون علي ويحيونني فإنني أسلم عليهم وأحييهم بمثل ما فعلوا..  

نحن مقتنعون بأن الإسلام هو ديننا وأن أوروبا هي وطننا ونحن نتعامل على هذا الأساس، وليس هنالك تعارض بين المفهومين.. قد تأتي بعض الإشكاليات وهي طبيعية وموجودة في كل زمان ومكان لكننا وصلنا إلى حل هذه المعادلة ونطبق الإسلام والدعوة بما لا يستفز مجتمعاتنا الأوروبية. 

س ـ هل يمكن الحديث عن خطاب إسلامي أوروبي؟ 


 ـ نعم يمكن ذلك، فنحن مثلا لا نطالب بتطبيق الشريعة، نحن نطبق الشريعة في أنفسنا وذواتنا، ليس لدينا مطلب من الحكومات الأوروبية بذلك، هذا ليس من مطالبنا.. نحن أقلية نطالب بالسماح لنا بإقامة شعائر ديننا.. ونحن لا نخطب خطبا فيها تسفيه للنصارى أو لليهود أو للبوذيين أو حتى للعلمانيين.. لا أدعوهم لديني بطريقة تبشيرية وإنما أدعوهم بسلوكي، أنا أعرض عليهم بضاعتي، أنا لا أدعو للعنف ولا أساند حركات جهادية تعرض أمن الناس الآمنين إلى الخطر.. ليست لدي أي عداوة مع أي دولة عربية أو إسلامية حتى وإن كانت بعض الدول تعاديني أنا أبحث أن أعيش بعلاقات طيبة مع مختلف الدول العربية والإسلامية ومع بلادي الأوروبية.. 

وحتى إذا جاءتني دعوة رسمية من أي بلاد عربية أو إسلامية فأنا لا أستجيب لها إلا بعد استشارة دولتي الأوروبية التي أعيش بها.. وأذكر هنا أنني شاركت في مؤتمر بإحدى الدول الخليجية إبان موجة الصور الكرتونية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد طالبوا بمقاطعة البضائع الفرنسية وطلبوا رأيي.. لكنني خرجت من القاعة فورا ورفضت الطلب لأنه لا يمكنني أن أطالب بمقاطعة بضائع بلدي فرنسا.. فالمواطنة الأوروبية لها علينا حقوق يجب أن نحترمها، وهذا طبعا في الخطاب والسلوك الذي نمارسه. 

س ـ هل هذا الفهم للإسلام في أوروبا له علاقة بأي طريقة بالديانة الإبراهيمية التي تمت الدعوة لها مؤخرا؟ 


 ـ لا، أبدا، لا توجد أي علاقة لنا بذلك.. نحن بدأنا هذا السلوك منذ 40 سنة، أي منذ بدأنا العمل الإسلامي في أوروبا الغربية.. تلك كانت مشاريع لمواجهة الحركة الإسلامية.. وقد بدأت مبكرا بالفعل، فقد حصلت اجتماعات تمهيدية لمواجهة الحركة الإسلامية وقيل إن السبيل إلى ذلك هو تقديم بديل مقنع وكفيل بتعويض خطاب الحركة الإسلامية.. حاولوا التركيز على البديل الصوفي واشتغلوا على ذلك لسنوات طويلة، لكنهم وجدوا أن مداه قصير جدا، فاتفقوا في فلسطين المحتلة على إيجاد دين يجتمع فيه المسلمون واليهود والنصارى بهدف تمييع الإسلام، وهذا مشروع فاشل ولا مستقبل له.. نحن معتزون بديننا وبإسلامنا لكن ضمن سلوك يحترم بلادي الأوروبية.. هذا هو السلوك الحضاري للإسلام. 

والحديث عن ديانة موحدة هو مطلب خيالي وغير واقعي ولم يطالب به لا المسلمون ولا اليهود ولا النصارى.. لكم دينكم ولي ديني.. ولو أراد الله لجعلهم أمة واحدة.  

س ـ بعض المراقبين يأخذ على هذا الخطاب أنه ملكي أكثر من الملك، أي أنه يدافع عن أوروبا أكثر مما هي تدافع عن نفسها.. لكن مع ذلك ما زال الغرب وأوروبا منه يتعامل معكم على أنكم مختلفون عنه ويخشاكم.. لماذا هذا الجفاء؟ 


 ـ نحن المسلمون أمام أربعة تحديات في الغرب: التحدي الأول هو وجود حركة صهيونية نشيطة في أوروبا، وهي حركة تعتقد أن الوجود الإسلامي في أوروبا، هو الرافد الأساسي لفلسطين كما اعتقدوا أن الوجود اليهودي في الغرب هو الرافد لإسرائيل.. هذه هي معادلتهم، بما أنه لا قيام لإسرائيل دون السند اليهودي في الغرب فإنه لا قيام لفلسطين دون السند الإسلامي في الغرب، فلذلك أرادوا محاربة هذا الوجود الإسلامي في الغرب. وعندهم تأثير كبير في وسائل الإعلام ومصادر القرار في أوروبا وهو عمل منظم ونحن نعرف كثيرا من تفاصيله.  

التحدي الثاني هو أن الكاتوليك أساسا أقل من البروتستانت وأقل من الأرثودوكس ومن الأنجليكان، الكاتوليك لديهم فريق متمكن ولا سيما في فرنسا، ولذلك فإن فرنسا متخلفة عن الفاتيكان وقد قلت ذلك للبابا الأول والثاني، وهذا الفريق يعتقد أن الوجود الإسلامي في الغرب منافس للوجود المسيحي أو الكاتوليكي تحديدا وأن فتح المساجد وغلق الكنائس قد يكون إشارة لتحول أوروبا نحو الإسلام، ولذلك فهم يسعون من خلال نفوذهم في مراكز القرار للحد من هذا الوجود الإسلامي.  

التحدي الثالث ويمثله العلمانيون الذين أبعدوا الدين عن قيادة الحياة، وصدر في فرنسا في عام  ١٩٠٥قانون فصل الدين عن الدولة، والعلمانية الفرنسية هي أشد أنواع العلمانية في العالم عندهم حرب لكل دين فما أدراك إذا كان الأمر يتعلق بالإسلام، وخصوصا لما جاءت قضية الحجاب من حوالي 20 سنة أو أكثر، أسقط في أيديهم لأنهم اشتغلوا قرونا لنزع لباس المرأة كله وتأتيهم بنت صنعت في فرنسا لا تلبس اللباس الأوروبي فقط بل تغطي رأسها، فهذا كان إشارة مستفزة لهم. والعلمانيون متمكنون في مراكز التعليم بالمدارس والجامعات، وبالتالي هؤلاء يحاربون الإسلام أيضا. 

التحدي الرابع، هو تحد إسلامي للأسف الشديد وهو شقان: الشق الأول هو حكومات عربية أساسا متواطئة بل هي تؤلب علينا.. وقد قال لي رئيس المخابرات المركزية الفرنسية إن ما يأتينا من تقارير ضدكم المفروض أن نرميكم في البحر لو أخذنا بها.. ولكنه قال لي بأنهم أناس عقلاء ورأينا أن أغلب ما قيل عنكم غير دقيق ومزور.. يعني أن هنالك حربا شعواء من أجهزة مخابرات عربية تستهدف المسلمين وتؤلب على الوجود الإسلامي في أوروبا.. وهذا له تأثيره كذلك. 

الشق الثاني من نهاية التحدي الإسلامي هو جهل كثير من المسلمين وعدم تحضرهم وعدم معرفتهم بدينهم وعدم سلوكهم السلوك الصحيح، بل وتهور بعضهم.. وارتكاب بعضهم لأعمال عنف وتعريضهم لحياة الآمنين إلى الخطر.. هذه الجهالة في فهم الدين وتطبيقه أيضا تؤثر علينا في أوروبا.. 

هذه التحديات الأربعة يمكنها أن تلخص لك وللقارئ السبب في الحذر والحيطة التي يتعامل بها الغرب مع المسلمين.. الغرب ينظر إلينا من هذه الزوايا التي أشرت إليها على رغم اندماجنا ومواطنتنا الأوروبية. 

لدينا حدان لا يمكن لنا أن نتجاوزهما: حد القانون وحد الشرع، وفي داخل هذين الحدين يمكننا أن نتصرف.. لكن بعض الناس يقولون لنا بأن الغرب لن يرضى عنا مهما فعلنا لصالح دعم مواطنتنا ومجتمعاتنا التي نحن جزء أصيل منها الآن..  

أنا لا يمكنني أن أحاكم وفق موقفهم مني وإنما أحاكم بموقفي وبسلوكي.. وإذا كان سلوكهم غير حضاري فهذا لا يمنعني من الإلتزام بالسلوك الحضاري الذي هو سلوكهم إسلامي أصيل.. 

س ـ هل فشلتم في إثبات وطنيتكم؟ 


 ـ أبدا، أغلب القضايا التي ورفعت ضدنا في القضاء الأوروبي المحاكم أنصفتنا وبرأتنا، ولعل آخرها قضية النمسا، حيث تم تسفيه الحكومة.. ثم قضية حسن يوسف الذي هرب إلى بلجيكا ثم حكمت محكمة بلجيكية بفساد القرار الفرنسي ضده القاضي بتسليمه إلى فرنسا.. وملخص ذلك أن القضاء الأوروبي رغم وجود بعض الحيف لكن في غالبه ينصف المسلمين..  

س ـ من يمثل المسلمين في الغرب؟ 


 ـ نحن في مجلس مسلمي أوروبا ندعي أننا نحمل هم كل المسلمين، ولكننا نمثل كل المسلمين.. الطريقة الوحيدة التي نفضلها نحن هي أن نؤسس جمعيات معلنة مرخصة وهي تقوم بأنشطة لمساعدة المسلمين في تأدية شعائرهم الدينية، والحفاظ على هويتهم والاندماج في مجتمعاتهم.. هذه الجمعيات تمثل عموما المسلمين.. يجتمع هؤلاء ويختارون قيادات لهم.. وقد تجتمع هذه الجمعيات في فيدراليات كما هو الحال عندنا في المجلس، فنحن فيدرالية لجمعيات وطنية على مستوى 27 دولة.. وهؤلاء يجتمعون كل أربعة أعوام لانتخاب قياداتهم بالطرق النزيهة.. طبعا وكعادة التنافس على المواقع دخلت في تنظيماتها هذه بعض العادات السيئة المعروفة لكنها لم تتحول إلى ظاهرة.. لكن يبقى السمت العام أن المسلمين يختارون من يمثلهم في هذه الجمعيات..  

وعندنا مظلة أوروبية أن يلتقي المسلمون الأوروبيون بمختلف مشاربهم على قضايا عامة، مثل تحديد مواقيت الصيام والإفطار في شهر رمضان وكذلك عندما يتعرض الإسلام والمسلمون لهجمات ظالمة، ونحن نسعى إلى هذه المظلة الكبرى التي تحترم فيها الخصوصيات الفكرية والمفاهيمية.. 

أما مسألة التمثيل السياسي فنحن لا نفضل أن يكون للمسلمين كيان سياسي يميزهم عن غيرهم، نحن رأينا أن ينخرط المسلمون في الحياة العامة وفي الأحزاب السياسية الموجودة أصلا ويخدمون مصلحة المسلمين الذين هم جزء من المجتمعات الأوروبية.. فيمكنني أن أتفق في مدينة أوروبية ما مع شيوعي وفي أخرى مع يميني تجمعني بهم مصلحة مجتمعنا.. وبذلك نحن نترك للمسلمين تقدير مصالحهم وفق حاجيات مدنهم.. ولا نرغب أن نجمعهم في حزب إسلامي يعزلهم أولا ثم يسهل استهدافهم كذلك.  

س ـ هل هذا تمييز تكتيكي بين الإسلام والسياسة؟  


 ـ نحن نرى أن الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأوروبية تقدم كل ما يحتاجه المواطن سواء كان مسلما أو غير مسلم من رعاية اجتماعية وطبية وعلمية.. فقط ما ينقصها هو الجانب الديني.. جانب المساجد والصلوات والصيام والحج وما إلى ذلك من العبادات.. هذه نحن نغطيها وبالتالي لا يوجد أي مبرر لنا للانفصال سياسيا.. نحن نقدم خدمتنا الدينية وهي غير موجودة في ثقافتهم.. 

نحن لم نتنازل عن الإسلام لا تكتيكا ولا قناعة، نحن نعتقد أن الإسلام دين شامل لجميع نواحي الحياة وعلى رأسها السياسة ولكن لا توجد لدي مطالب سياسية خاصة بنا.. السياسة في الإسلام هي قيم، الشورى، العدل والخدمة.. وأي شخص يأتي للحكم عبر الشورى وعبر الأصوات بما فيها صوتي ويحكمني بالعدل ويقدم لي الخدمات الضرورية لحياتي كان اسمه روبار أو محمد لا فرق.. إذا رأيت حيفا في الخدمة أو في العدل عند ذلك يأتي الإسلام ليغير ذلك.. وبهذا فالمسلمون في أوروبا هم مواطنون تحميهم القوانين والدساتير المعمول بها.. ولهذا لا مبرر لتأسيس حزب سياسي خاص بالمسلمين..  


التعليقات (1)
الحماية القانونية
الإثنين، 07-11-2022 05:45 م
يجب تأسيس جمعيات حقوقية ترشد المسلم تعرفه بواجباته و حقوقه وتدافع عنه وعن هويته الإسلمية

خبر عاجل