مقابلات

شعث: انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة قد تكون فرصة للتغيير

رامي شعث أفرج عنه مقابل التنازل عن الجنسية المصرية- عربي21
رامي شعث أفرج عنه مقابل التنازل عن الجنسية المصرية- عربي21

جهود توحيد المعارضة المصرية في الخارج بحاجة "إلى مزيد من الوقت والجهد.. ونبحث ذلك حاليا

 

أنا مستعد وجاهز دائما لأي عمل وطني يدعم قضية التغير السلمي والتطور الديمقراطي في بلادنا

 

انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة ستكون فرصة للتغيير إذا أجريت على أسس عادلة ومناخ مناسب

 

الدعوة للاتفاق على مرشح رئاسي الآن دعوة مهمة لكي نثبت أن المعارضة قادرة على إفراز البدائل

 

لا أحمل نظرة عنصرية تجاه جماعة الإخوان وأرفض التنكيل بهم أو وصفهم بـ"الإرهاب"

 

أدعو لإبعاد الدين عن الصراعات السياسية.. وعلى الإخوان التحوّل إلى حزب سياسي أو الاتجاه نحو العمل الدعوي

 

لن يكون هناك تغيير ديمقراطي في بلادنا إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبعد تغيير الديكتاتوريات العربية

قال الناشط السياسي البارز، رامي شعث، إن "انتخابات الرئاسة المصرية في عام 2024 ستكون فرصة للتغيير الكامل أو على الأقل التغيير في السياسات إذا أجريت على أسس عادلة ومناخ مناسب، وإذا استطعنا أن نتغلب من الآن على ملف حقوق الإنسان، لأن هذا الملف يعد مدخلا لأي تغييرات ممكنة في المستقبل".

وشدّد "شعث"، في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، على ضرورة "إنهاء حالة الخوف التي تسيطر على المجتمع المصري، بما يفتح المجال أمام العمل السياسي".

وأضاف: "هدفي في الفترة القادمة -قبل العمل على تكوين جبهة معارضة للتغيير الشامل- سيكون التركيز على ملف المعتقلين وحقوق الإنسان باعتباره مدخلا لحوار مجتمعي أوسع.. ودوري في هذه المرحلة هو تغيير الواقع على الأرض، ليسمح بظهور مرشح رئاسي آمن، وتكتل سياسي قادر على المنافسة بشكل آمن".

ووصف "ثنائية الاحتلال الإسرائيلي والديكتاتوريات العربية" بـ"الثنائية الكارثية التي حكمت المنطقة العربية خلال الـ70 عاما الماضية"، مضيفا أن "علينا تغيير هذه المعادلة؛ لن يكون هناك تغيير ديمقراطي في بلادنا إلا بتغيير وضع إسرائيل، وإنهاء احتلالها. وإنهاء الاحتلال لن يأتي إلا بتغيير الديكتاتوريات في بلادنا العربية؛ فهي نفس المعركة، وتصب في نفس الاتجاه والمصلحة".

وتاليا نص الحلقة الثانية من المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كنت قياديا في جبهة طريق الثورة "ثوار"، والتي كانت تهدف إلى وحدة القوى الثورية.. فأين تلك الجبهة اليوم؟ ولماذا فشلت القوى الثورية في تكوين جبهة موحدة حتى الآن؟


جبهة "ثوار" كانت عملا نضاليا مهما، وكانت تهدف لإبقاء رموز ثورة 25 يناير 2011 وأفكارها وأدواتها، وأسلوبها، وأهدافها قائمة في حياتنا العامة.

وجبهة "ثوار" شأنها شأن الائتلافات الشبابية والثورية التي تحركت خلال الثورة، كلها ذات طابع سلمي مدني يهدف لإعلاء صوته ومبادئه واجتذاب الناس حول هذا الصوت وهذه المبادئ، وفي يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2014، أي في أول احتفالية لذكرى الثورة بعد 30 حزيران/ يونيو، تعرض المحتفلون لهجوم عنيف بالدبابات والمجنزرات والمدافع الرشاشة، وتم اعتقال 360 ناشطا في يوم واحد، مما أوقف قدرة الجبهة على الاستمرار، وخاصة أنها جبهة سلمية مكونة من ناشطين ومواطنين عاديين يأملون في بلدهم أن تكون بشكل مختلف، وحين يتعرضون لهذا الحجم الكبير من العنف المفرط وتعرض حياتهم للخطر، فإنها تصعب مطالبتهم بالاستمرار؛ فاضطررنا لحل الجبهة حفاظا على حياة الناس، وهو ما لم يغير شعورهم أو تأييدهم لثورة يناير وأهدافها، وما زالوا يأملون في حدوث التغيير في لحظة ما.

هل يمكن إحياء مثل هذه الجهود على مستوى المعارضة في الخارج على الأقل بأن يكون هناك ائتلاف أو كيان موحد يضم معارضي الخارج؟


الأمر يحتاج لمزيد من الوقت للبحث؛ فأنا لا زلت حديثا في الخارج، وأعلم أن هناك محاولات عديدة خلال الفترة الماضية ولم يُكتب لها النجاح، ومن المهم إدراك اختلاف الأدوار، بمعنى أن المُعارض في الخارج دوره دعم أهلنا في الداخل، وليس المزايدة عليهم، أو دعوتهم للثورة، وإنما دوره في الساحة الغربية من خلال إعطائهم أكبر قدر من الحماية الممكنة والدعم الممكن، وليس إدارتهم أو التعالي عليهم، لكن كيف يتم ذلك، هذا ما نعمل عليه في الوقت الحالي.

كيف ترى التعاون أو التواصل بين القوى المدنية وبين جماعة الإخوان المسلمين أو تيار الإسلام السياسي بشكل عام؟


أنا أتحفظ على مصطلح "الإسلام السياسي"؛ فهناك تنظيم اسمه الإخوان المسلمون، وهذا التنظيم له تشعباته، وهناك عدد ضخم جدا من المصريين الملتزمين دينيا الذين في لحظات مختلفة وجدوا أنفسهم أقرب للإسلام السياسي باعتبار أن ذلك يُعرّفهم سياسيا.

وأعتقد أن تجربة العشر سنوات الماضية أثبتت أن فكرة إخضاع الدين للعمل السياسي فكرة سيئة جدا، ومسيئة للدين وللسياسة، وهو الأمر الذي يحتاج لإعادة تغييره.

كما أني لم أقف بعد على مدى تغير أو تطور رؤية الإخوان للمشهد بعد هذه السنوات، لذا أحتاج أن أرى ذلك، كما أني أحتاج لدراسة مدى تقبل المجتمع للتغيرات، كما أني لا أحمل نظرة عنصرية تجاه الإخوان – وإن اختلفت معهم سياسيا – فهم رفقاء في المواطنة، وإن كانوا منافسين سياسيا، كما أرفض وصفهم بالإرهاب، وأرفض سجنهم أو اعتقالهم، أو قتلهم أو منعهم بأي شكل من الأشكال رغم اختلافي السياسي معهم، وأحد أهم مبادئي في الحياة هو الدفاع عن حق الآخرين في التعبير عن أنفسهم قبل الدفاع عن حقي في التعبير عن نفسي، لكن كم نحتاج من الوقت لإقامة عمل سياسي مشترك..؟ هذا ما نريد أن نبحثه.

وبالتالي فأنت تقبل بالإسلامين في المشهد السياسي.. أم ترى إبعادهم وإفساح الطريق للقوى المدنية الأخرى؟


الإسلام ديننا جميعا، وهو عامل وحدة وليس تفرقة، لذا أنا أؤمن بضرورة إبعاد ديننا وعقيدتنا خارج إطار صراعنا السياسي، وأتمنى من كل القوى المصرية، بما فيها الإخوان المسلمون، أن يتحولوا لحزب سياسي حقيقي، وبالتالي أن تصبح أفكارهم وأهدافهم ومطالبهم محل نقاش باعتبارها أهداف ورغبات إنسانية من حزب سياسي، وليس باعتبارها ذات طابع ديني أو مقدس، وآمل أن الأزمة الماضية قد ساعدت على نضج سياسي يسمح بأن نتصارع جميعا على قاعدة خدمة الوطن من خلال مرجعية مواطنة لا تميز بعض الناس على بعض، أو تؤدي إلى تعامل بعنصرية بين الناس وبعضهم، وأملي أن يكون هذا النوع من التغيير داخل الإخوان المسلمين، وأعتقد أن قطاعات كبيرة من الإخوان قد أدركوا ذلك، وبدأت بالفعل تجاه عمل سياسي عام أو الاتجاه نحو العمل الدعوي، وهذا أمر مهم ومطلوب؛ لأن الناس يحتاجون مَن يعلمهم أمور دينهم، لكن بشكل منفصل عن العمل السياسي، وهذا هو خلافي الرئيس مع الإخوان المسلمين، وما غير ذلك فهو خلاف تفصيلي حول السياسات ويمكن مناقشته في إطار وطني.

البعض طرح اسمك كمرشح لقيادة المعارضة في الخارج.. ما موقفك من هذه الدعوة؟


أكيد أنا سعيد بالمحبة والثقة التي أولاها لي كثير من الناس، لاعتقادهم أني قادر على قيادة المعارضة بالخارج، وهو شيء مُطمئن لي، لأني كنت دائما مخلصا في أهدافي ومبادئي وملتزم بها خلال الثورة وبعدها، وفي 30 حزيران/ يونيو وما بعدها، وفي موقفي من مقاطعة إسرائيل، وفي اعتقالي، وخروجي.. متمسك بمبادئي، كل ذلك من أسباب المحبة، لكنها أيضا مسؤولية ضخمة جدا، ومن المبكر الحديث عنها وخاصة كوني حديث الخروج من المعتقل، بالإضافة إلى كوني خارج البلاد، لذا أشكر هؤلاء جدا، وأقول لهم: ما زالت أحتاج لبعض الوقت حتى أتفحص الأمور قبل اتخاذ أي قرار.

من حيث المبدأ: ليس لديك مانع.. أليس كذلك؟


أنا مستعد وجاهز دائما لأي عمل وطني يفيد بلدنا، ويطورها سياسيا أو يدعم أزمة المعتقلين أو يدعم قضية التغير السلمي والتطور الديمقراطي. هذه مبادئ لا أتنازل عنها، أما عن دوري فيها: فقد أكون قياديا في المعارضة أو عضوا أو ناشطا بشكل منفصل، وبشكل عام سألتزم بدوري دون النظر لشكله وحجمه وإطاره السياسي.

هل المعارضة المصرية ستكون قادرة يوما ما على تشكيل بديل سياسي لنظام عبد الفتاح سيسي؟


بلادنا لم تكن يوما عاقرا، بلادنا دائما تنتج الكثير من الوطنيين والمفكرين والقادرين على إنشاء أحزاب سياسية وعلى المنافسة السياسية، وهو أحد الدوافع الرئيسة للضغط باتجاه التغيير الديمقراطي في مصر؛ لأني أرى مدى وفرة الوطنيين والخبراء في بلادنا، لكن أعيد وأكرر أنه خلال هذه اللحظة يجمع شعبنا على أهمية أزمة المعتقلين، وأزمة حقوق الإنسان وهو مدخل لأي تغييرات ممكنة في المستقبل، وهدفي في الفترة القادمة -قبل تكوين جبهة معارضة للتغيير الشامل- سيكون التركيز على ملف المعتقلين وملف حقوق الإنسان باعتباره مدخلا لحوار مجتمعي أوسع.

وهنا أود الإشارة إلى أن هناك 3 معتقلين في سجن "مزرعة طرة" جنوب القاهرة لا زالوا مُضربين عن الطعام منذ نحو 3 أسابيع، وهم وليد شوقي وأحمد ماهر ريجو وعبدالرحمن موكا، وقد انضم لهم لاحقا 12 معتقلا جديدا، وذلك اعتراضا على استمرار حبسهم التعسفي والظالم والانتهاكات التي يتعرضون لها، وأنا من خلالكم أوجّه لهم كل التحية وأُعبّر عن تضامني الكامل معهم، وأدعو الجميع إلى المشاركة في حملة تهدف للضغط من أجل إطلاق سراحهم في أسرع وقت، وأطالب الجميع بدعمهم.

مطالب وشعارات ثورة يناير في 2011 كانت "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، بينما تمثلت المطالب اليوم في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإيقاف الإعدامات والإخفاء القسري.. فهل سقف مطالب المصريين تراجع إلى أبعد مدى؟


أرى أن سقف المطالب لم يتراجع، وتجربتي خلال السنوات الماضية ومنذ كانون الثاني/ يناير 2014  -آخر فاعلية للثورة، والتي تم قمعها بعنف شديد– وخلال أعياد الثورة التي تلت هذا اليوم والناس في حالة خجل من الثورة، وفي حالة اكتئاب وفقدان ألم، وضعف شديد، حتى وصل الأمر لتجنب بعض الثوار مقابلة بعضهم حتى لا يشعرون بالأسى لما حصل، وفي كانون الثاني/ يناير 2022 تلقيت عشرات من رسائل التهنئة بذكرى يناير، وشاهدت العشرات من الصور والفيديوهات يتبادلها البعض، والتي وثقت الأحداث الأولى للثورة والتي لم أشاهدها من قبل، وشعرت بعودة الوطنية والانتماء والفخر بالمشاركة في ثورة يناير، وأعتقد أن هذه الروح بدأت في العودة للملايين الذين شاركوا في يناير، وهذا مفتاح التغيير المطلوب الذي يملكه الشعب، ويتحكم به في الوقت المناسب له، وليس المناسب لغيره.

تم اعتقالك مع آخرين في ذكرى 30 يونيو بزعم أنك كنت تخطط وتسعى لإسقاط الدولة من خلال "تحالف الأمل" في هذه المناسبة.. فكيف ترى اليوم أحداث 30 حزيران/ يونيو اليوم؟ وما توصيفك لها؟


بداية اعتقالي لم يرتبط بالأساس بتاريخ 30 حزيران/ يونيو، وإنما لمعارضتي عالية الصوت للدور المصري في «صفقة القرن»، ومن السخافة أن يرتبط اعتقالي بقضية «خلية الأمل» وبالمناسبة هي ليست خلية بالمعنى المفهوم، وإنما جزء من "الصورة" التي يرسمها النظام، والتي تحدثت عنها من قبل، وخلية الأمل هي عبارة عن ائتلاف لعدد من الأحزاب السياسية الرسمية، والتي اجتمعت لدراسة الدخول في الانتخابات عبر ائتلاف، وهو أمر شرعي وقانوني، لكن في بلادنا حيث "الصوت الواحد" ومنع الحياة السياسية، تم اعتقالهم وتوجيه التهم لهم، وتحويل هذا الائتلاف الشرعي إلى "خلية إرهابية سرية"، بالرغم من عدم وجود أي سرية في الموضوع، وأنا لم أكن عضوا في حزب أو عضوا في هذا الائتلاف الشرعي، وإنما كان اعتقالي اعتقالا عشوائيا موجها لشخصي؛ لدوري في القضايا السياسية الداخلية، وارتباط ذلك بالقضية الفلسطينية ومدى العلاقة بين النظام وإسرائيل وسياسات ترامب في المنطقة، وإضافتي للقضية شأنه شأن كل القضايا الموجودة لدى محاكم أمن الدولة العليا، وهي قضايا ليس لها علاقة ببعضها، وأطرافها ليس بينهم أي علاقات، وكل شخص منهم مُعتقل لأسباب مختلفة ولتعبيره عن رفضه لسياسات اجتماعية أو اقتصادية أدت إلى تجميعهم في قضايا واحدة.

وداخل السجن تعرف هذه القضايا بـ"قضايا الثلاجة" بمعنى احتجازك بلا تهمة أو قضية أو محاكمة حقيقية لأطول وقت ممكن، والتعسف في استخدام قانون مجحف كأداة لعقاب السياسيين والناشطين والمتحدثين..!


أما عن توصيف 30 حزيران/ يونيو اليوم؛ فأنا من الناس الذين لم تختلف رؤيتهم في لحظة 30 حزيران/ يونيو ولا بعدها مباشرة ولا الآن، ما زلت أرى أن 30 حزيران/ يونيو هو حراك شعبي غاضب من سياسات الإخوان، وغاضب من شكل إدارة الحكم خلال العام الذي حكم فيه الرئيس السابق محمد مرسي، وهو ما استغلته أطراف محددة لعودة النظام السابق وعودته بكامل جبروته، وبالتالي هو انقلاب على ثورة كانون الثاني/ يناير وأهدافها وأدواتها، حتى رغبة الناس في تغيير محمد مرسي أو الاعتراض على السياسة التي أدار بها البلاد كانت تهدف للضغط عليه لتغيير هذه السياسات أو الذهاب لانتخابات مدنية جديدة وهو عمل ديمقراطي، وللأسف انتهت 30 حزيران/ يونيو لعمل غير ديمقراطي، بل عمل انقلابي أدى للسيطرة على الحكم بالقوة وليس الاحتجاج على الرئيس المنتخب.

البعض يقول إن "السياسية هي فن الممكن" و"الثورة هي تحقيق المستحيل".. فكيف يمكن التوفيق بين هاتين الرؤيتين؟


العدد الأكبر من الشباب الثوري ولدوا في ثورة يناير وما بعدها، وأصيب الكثير منهم بالإحباط بعد 30 حزيران/ يونيو وبعد القمع الواسع الذي تعرض له الناس، وفقدوا إيمانهم بالسياسية، وأصبح متخبطا تجاه العمل الثوري، وكثيرا ما كنت أقول لهم: تعالوا نفكر في صناعة ثورة دون أن نحشد الملايين، وكيف نعمل بالسياسة بعيدا عن "قذارتها" - لانتشار مصطلح "السياسة نجاسة" عند الكثير – وكنت أقول دائما: بأن السياسة أداة يمكن استخدامها بشكل سيء أو بشكل مفيد ووطني، ويعتمد ذلك على استخدامك لها، والثورة ليست فقط "تظاهرة مليونية"، وإنما هي تغيير شامل بعلاقاتنا مع بعضنا البعض، ومع إيماننا ببلادنا ودورها، وفرض هذا التغيير في بعض الأحيان يكون في أصغر التفاصيل في حياتك الاجتماعية، والاقتصادية، والدراسية، حتى يحدث التغيير الواسع، أما لحظة الثورة و"المليونية" ليست من اختيار أحد، وفيها يتجمع الشعب المصري، وهو وحده مَن يقرر ميعادها، وليس غيره.

وليس بالضرورة أن رموز ثورة يناير هي رموزنا في المستقبل؛ فشعبنا يفرز كوادر جديدة وأفكار جديدة تخدم مصالحه، وكلي أمل بحدوث التغيير، لكن هذا التغيير قد يأتي بثورة أو بدون ثورة، أو من خلال عمل ونضال سياسي مستمر، وقد يأتي دفعة واحدة من خلال تغيير راديكالي شامل، أو بخطوات تبدأ بتغيير ملفات أبرزها ملف حقوق الإنسان باعتباره قاعدة رئيسية لتعامل المواطنين وبعضهم، وبين المواطنين والدولة، ومن ثم تسمح بتغييرات أخرى تسمح بالعمل السياسي والمجتمعي والاقتصادي بما يطور بلادنا.

الوضع الذي نحن عليه اليوم لا يمكن استمراره، والوضع في مجتمع خائف وتحت الإرهاب لا يمكن استمراراه، والوضع بشكله السياسي والاجتماعي الآن لا يمكن استمراره، ودوري هو العمل على تغيير هذه الظروف، وليس بالضرورة التغيير الشامل للنظام.

الأكاديمي المصري البارز وأستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة، قال في مقابلة سابقة مع "عربي21" إن "الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024 يمكن أن تُشكّل فرصة هائلة لإحداث التغيير المنشود".. فهل هذه الانتخابات المرتقبة ربما تكون فرصة هائلة لإحداث التغيير بالفعل؟


قد يكون ذلك صحيحا إذا استطعنا أن نتغلب من الآن على ملف حقوق الإنسان، لأن ملف حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين هو المدخل لكل ذلك، فليس هناك انتخابات في إطار من الخوف، وإذا حاولت الترشح سيُقبض عليك، والداعمين لك سيُلقى بهم في السجون، وستُمنع من الظهور في التلفزيون، وستُمنع من عقد لقاءات جماهيرية، أو من عمل تحالف حزبي، فليس هناك انتخابات في ظل إرهاب للعمل السياسي، وبالتأكيد إذا كانت هناك انتخابات في 2024 على أسس عادلة ومناخ عادل سينتج عنها شيء جيد مدخله إنهاء أزمة المعتقلين وحقوق الإنسان، وإنهاء حالة الخوف التي تسيطر على المجتمع، بما يفتح المجال أمام العمل السياسي، وقتها ستكون 2024 فرصة للتغيير الكامل أو على الأقل التغيير في السياسات.

ما رأيك في مطالبة البعض للمعارضة من الآن بالاتفاق على مرشح رئاسي بعينه وبرنامج انتخابي واضح؟ وهل تُعتبر دعوة سابقة لأوانها؟


هي دعوة مهمة لكي نثبت للمجتمع أن المعارضة قادرة على إفراز بدائل والتفكير فيها، وهو ما يحتاجه المجتمع الآن، لكن كل ذلك لن يحدث إلا بعد المواجهة الحقيقية والشاملة لملف حقوق الإنسان، والذي يعتبر "ملف القهر والخوف"، وقد تلقيت مؤخرا اتصالات من قادة بعض الأحزاب أخبروني خلالها عن خوف أعضاء الحزب من الاجتماع لعقد الجمعية العمومية للحزب، فكيف لأشخاص غير قادرين على حضور اجتماع للحزب أن يُشكّلوا بدائل سياسية أو الدخول في حملة انتخابية في 2024، هذا هو ما نحتاج لتغييره فورا حتى نفتح المجال تجاه التطور السياسي، وتعديل مسارنا الاقتصادي ومعالجة أزماتنا المجتمعية.

وإذا تشابهت الظروف التي جرت فيها انتخابات 2014 وانتخابات 2018 وبقيت أدوات القمع كما هي فلن تختلف نتائج انتخابات 2024 كثيرا، وستكون بمثابة تعيين شخص في منصب رئيس الجمهورية. الانتخابات يجب أن تتم في أجواء من الحرية تسمح للناس بالمشاركة والتبادل والصراع الفكري، وهو غير مسموح به في أجواء الخوف والقمع، وبالتالي لن تكون هناك انتخابات حقيقية بأي صورة من الصور.

مَن هو المرشح الذي يمكن أن تدعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة حال تغير الأوضاع السياسية والحقوقية؟


الحديث عن ذلك سابق لأوانه، وخاصة في ظل عدم إعلان أي مرشح عن نفسه، وليس هناك إجماع في المجتمع أو حتى على مستوى مجتمعنا السياسي على ترشيح شخص محدد لدعمه، ودوري في هذه المرحلة هو تغيير الواقع على الأرض، ليسمح بظهور مرشح "آمن"، ويسمح بظهور تكتل سياسي قادر على المنافسة بشكل "آمن"، ويسمح بتبادل مع المجتمع حول الرأي والفكرة والمشروع؛ فتركيزي على هذا الجانب قبل التطرق لموضوع اختيار المرشح.

قلت إن السبب الرئيسي في اعتقالك تمثل في إضرارك بالعلاقة بين مصر و"إسرائيل" ورفضك لـ"صفقة القرن".. فكيف ترى العلاقات المصرية الإسرائيلية اليوم؟


مع الأسف أرى أن الأمور تزداد سوءا؛ فثنائية الاحتلال الإسرائيلي والديكتاتوريات العربية هي التي حكمت المنطقة العربية خلال السنوات الـ 60 أو الـ 70 الماضية، وكلاهما استفاد من الآخر، وخدموا مصالح بعض؛ فإسرائيل لا تقدر على استمرار "بلطجتها" على الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه إلا بوجود ديكتاتوريات خاضعة وقابلة، وتلك الديكتاتوريات تجد الدعم لدورها في ضمان أمن إسرائيل، وبالتالي هذه الثنائية هي "ثنائية كارثية".

وقد رأينا خلال الفترة القليلة الماضية التقارب المصري-الإسرائيلي والتنسيق الأمني والعسكري، واتفاقيات الغاز، وتنسيق العلاقات مع الدول المجاورة، وقد زاد هذا التقارب جدا خلال فترة ترامب، ومحاولته لتوسيع التطبيع العربي الإسرائيلي بهدف تسليم إسرائيل إدارة المنطقة، وهو ما يمثل كارثة لقبول نظامنا السياسي بذلك، فمع الأسف كل ذلك موجود وعلينا مواجهته.

وأيضا على الإسرائيليين والغرب إدراك أن أي علاقة بين إسرائيل والديكتاتوريات لن تؤدي للأمن والسلام في المنطقة، ولن تؤدي لأي تغيير في الأوضاع، وستبقى هذه العلاقات مشوهة، لأنها مرتبطة بعدد قليل من الأشخاص الذين يقبلون ذلك؛ لأن غالبية المجتمع لا يقبل بذلك قبل تحرير فلسطين وعودة الحقوق العربية الشرعية إلى أهلها.

"إسرائيل" كانت آخر دولة تتخلى عن الرئيس المخلوع حسني مبارك عقب اندلاع ثورة يناير.. فهل ستكون أيضا آخر دولة تتخلى عن عبد الفتاح سيسي؟


أنا أرى أن إسرائيل "عامل مضر" دائما؛ فهي عامل مضر باحتلالها لفلسطين، وعامل مضر في نقل تجربتها للديكتاتوريات العربية في كيفية قمع شعوبها كما تقمع الشعب الفلسطيني، كما تعطي المثل في التعصب الديني، والذي يقابله تعصب ديني في بلادنا، والكثير من أمراض في المنطقة (في الديمقراطية، وفي العدالة، وفي الاقتصاد) مبنية على هذا الكائن الإسرائيلي المحتل المخالف لكل القوانين الدولية، والمستمر في ذلك، وبلا شك ستستمر إسرائيل في دعم الديكتاتورية في بلادنا، وستدعم الهزيمة والإحباط، وستدعم منع التغير في بلادنا، وعلينا تغيير هذه المعادلة، وقياسا على ذلك لن يكون هناك تغيير ديمقراطي في بلادنا إلا بتغيير وضع إسرائيل، وإنهاء احتلالها، وإنهاء احتلال إسرائيل لن يأتي إلا بتغيير الديكتاتوريات في بلادنا، فهي نفس المعركة ونفس الاتجاه ونفس المصلحة.

التعليقات (2)
توتو
الأحد، 09-10-2022 09:57 م
غور ف داهية تاخد دم تقل امك
كيف؟!
الثلاثاء، 08-03-2022 07:46 م
شكرا للسيد شعث، منذ أيام جاء في مقال السيد الصايغ بعنوان " مصر لن تنهض اقتصاديا إلا بتفكك "جمهورية الضباط" بعدها كان هناك مقال بعنوان" إمبراطورية المخابرات المصرية". هل حقا ننتظر إنتخابات سنة 2024؟! هؤلاء اللصوص لن تغيرهم السلمية أبدا. إن لم تعدوا لهم كل أسباب القوة بدون إستثناء" مفهوم السلمية" لن يتغير شيء و لو بعد ألف عام