قضايا وآراء

تأثير منظمة الأمم التركية الجديدة على العالم العربي

هاني بشر
1300x600
1300x600
يعد انضواء سبع دول من الأمم التركية تحت لواء منظمة دولية جديدة أبرز حدث سياسي دولي خلال السنوات الماضية، بغض النظر عن حجم التغطية الإعلامية التي حظي بها. وذلك لعدة أسباب؛ منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو جغرافي. فالأمر لا يتعلق بتركيا كدولة، بخلاف الانطباع الأولي الذي قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى.

ينبغي التنويه في البداية إلى أن الرابطة الحضارية التي تجمع دولة تركيا الحالية هي ذاتها التي تجمع هذه الدول، وهي أذربيجان وجمهورية شمال قبرص وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، مع العالم العربي. فبغض النظر عن اللغة التركية متعددة اللهجات في هذه الدول، فإن التاريخ الإنساني المشترك والعائد بشكل أساسي للحقب الإسلامية المختلفة، يشكل جسرا مهما بين هذه الدول والعالم العربي. وقد انقطع هذا الجسر لعدة عقود بسبب الغزو السوفييتي لهذه المناطق في آسيا الوسطى قبل نحو مائة عام.

وبالمناسبة، فإن هذه المناطق كانت تنطوي تحت مظلة واحدة هي تركستان، تمتد من غرب الصين الحالية في مقاطعة سينك يانغ وصولا لبحر قازوين. وقد احتل الاتحاد السوفييتي قسمها الغربي واحتلت الصين القسم الغربي، بعد أن كانت كتلة واحدة متماسكة مطلع القرن الماضي، ما تركها مفتتة لعدة جمهوريات.  
هذا الكيان الجديد، يمثل نقلة نوعية في ما يمكن أن نسميه الدبلوماسية البديلة في عالم متلاطم الأمواج الحالي. وهو نوع من تطوير لفكرة عدم الانحياز القديمة، أي محاولة لخلق طريق ثالث خارج الاستقطاب الدولي الحالي بين الدول الكبرى ومعاركها، التي هي أشبه بمعارك وحوش الغابات لشدة وحشيتها

سياسيا، فإن هذا الكيان الجديد يمثل نقلة نوعية في ما يمكن أن نسميه الدبلوماسية البديلة في عالم متلاطم الأمواج الحالي. وهو نوع من تطوير لفكرة عدم الانحياز القديمة، أي محاولة لخلق طريق ثالث خارج الاستقطاب الدولي الحالي بين الدول الكبرى ومعاركها التي هي أشبه بمعارك وحوش الغابات، لشدة وحشيتها واعتمادها بشكل رئيسي على تناحر القوى الصلبة دوليا، أي لغة المال والحرب والنزاعات من دون إطار ثقافي أو حضاري.

قد يثير أي توسع استراتيجي لتركيا تخوفات لدى كثير من العرب ممن يعتبرون أن أي نجاح لتركيا هو خصم من المصالح الاستراتيجية العربية، لكن الحقيقة أن التمدد التركي كان لسد فراغ استراتيجي تركته كثير من الدول العربية بملء إرادتها. والواقع أن هذا الفراغ كانت ستملؤه قوى أخرى، شئنا أم أبينا، وفقا لنظرية المرحوم الدكتور حامد ربيع الذي كان يرى أن أي فراغ استراتيجي في منطقة من المناطق، لا بد وأن تملأه قوة من القوى. ولحسن الحظ أن صادفت لحظة الضعف العربي لحظة نهوض تركي.

لا أود الدخول في جدل حول توصيف الوجود التركي قديما في العالم العربي وما إذا كان احتلالا أو فتحا، وإنما أنشغل بالتوصيف الواقع الحالي الذي يقول إن أثمان سد هذه الفراغات الاستراتيجية باهظ الثمن عربيا، ناهيك عن أنه غير ناجح. وغني عن البيان دور روسيا في سوريا والولايات المتحدة في العراق وفرنسا في دول المغرب العربي، ولهذا فإن تأسيس كيان سياسي دولي يضم الدول التركية، هو إضافة مهمة للعالم العربي في الساحة الدولية، وستكون له انعاكساته مستقبلا، وقد يوفر إطارا بديلا للتحالفات الدولية.
هذا الكيان الدولي الجديد أكثر من مجرد تمدد تركي في مساحات استراتيجية جديدة، وإنما إعلان ولادة إطار من التعاون الدولي غير مسبوق، وإذا كتب له الاستمرار، فإنه سيمثل رئة يتنفس بها العرب في عالم اليوم، بعد أن أثخنتهم جروح الصراعات والمؤامرات

اقتصاديا، فإننا أمام مشهد ولادة نمر آسيوي جديد، يمتلك كل مقومات النجاح الاقتصادي من ناحية الموارد، وخاصة النفط والغاز، والإرادة السياسية والتجانس الحضاري والثقافي. وذلك ضمن أطر تعاون مختلفة مثل جمعية برلمانات الدول الأعضاء، ومجلس العمل التركي، ومنظمة الأكاديمية والثقافة التركية الدولية، واتحاد الغرف والبورصات المشتركة في العالم التركي، وغرفة التجارة والصّناعة. 

أما على الصعيد الجغرافي، فإننا أمام إعادة لملمة لقطع متشابكة على خريطة آسيا الوسطى؛ متصلة جغرافيا بشكل وثيق عبر العائلات المشتركة قبل الميراث السياسي واللغوي المشترك، والأهم أنه يشترك مع دولة متقدمة عسكريا هي تركيا؛ أنجزت عملية عسكرية ناجحة في أذربيجان لإعادة إقليم ناغورنو كاراباخ، وبرهنت بها على قدرتها على التدخل العسكري لحماية مصالح الحلفاء.

ولهذا، فإن تأسيس هذا الكيان الدولي الجديد، أكثر من مجرد تمدد تركي في مساحات استراتيجية جديدة، وإنما إعلان ولادة إطار من التعاون الدولي غير مسبوق، وإذا كتب له الاستمرار فإنه سيمثل رئة يتنفس بها العرب في عالم اليوم، بعد أن أثخنتهم جروح الصراعات والمؤامرات.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)