هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تقريرا لمدير برنامج "راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" لديه، ماثيو ليفيت، تناول فيه كيف عمل النظام السوري على دعم تنظيم الدولة باستمرار لصالحه.
واعتبر أن نظام بشار الأسد عمل لسنوات مع تنظيم الدولة، ووفر له الدعم بشكل منتظم عندما كان التنظيم يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، حتى عندما كان النظام يكافح لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية من مختلف الجماعات ضده، بما في ذلك تنظيم الدولة نفسه.
وجاء في التقرير: "كان أحد التكتيكات الرئيسية لاستراتيجية النظام تركيز جهوده العسكرية لمحاربة الجماعات المتمردة السورية المعتدلة التي تعارض دكتاتورية الأسد، لا سيما «الجيش السوري الحر»، وليس تنظيم الدولة".
وأكد أنه من غير المعقول أن تكون المخابرات السورية قد ساعدت عناصر تنظيم الدولة أو سهلت لهم أو سمحت لهم بذلك دون اتخاذ قرار مسبق من أعلى مستويات حكومة النظام السوري.
اقرأ أيضا: كيف ساهم نظام الأسد بصعود تنظيم الدولة؟.. شهادات جديدة
وقال: "اتخذ النظام السوري هذا القرار الاستراتيجي لتمكين وتسهيل صمود تنظيم الدولة بشكل متواصل في سوريا، سعياً منه لتصوير كافة عناصر المعارضة السورية على أنها إرهابية".
وأورد أنه في أيار/ مايو 2011، في أعقاب بعض المظاهرات المبكرة لـ"الربيع العربي" في سوريا، بدأ النظام السوري بإطلاق سراح إرهابيين متشددين في أول سلسلة من قرارات العفو الرسمية التي أصدرتها الحكومة.
ومن بين هؤلاء شخصيات بارزة في تنظيم الدولة مثل علي موسى الشواخ (الملقب بأبو لقمان). وفي هذا الإطار، صرّح بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق في وزارة الخارجية السورية، الذي انضم لاحقاً إلى المعارضة لصحيفة "وول ستريت جورنال" في عام 2014 بأن "الخوف من استمرار الثورة السلمية هو السبب في إطلاق سراح هؤلاء. أما التفكير المنطقي وراء إطلاق سراحهم، بالنسبة للأسد والنظام، فهو أنهم بدائل للثورة السلمية؛ فهم يعملون وفق عقيدة يخشاها الغرب".
ومن خلال إيواء المتشددين معاً في سجن صيدنايا سيئ السمعة قبل التمرد، عمل النظام بشكل فعال على ربط المتباينين وغير المتصلين سابقا، والذين جاءوا ليشيروا إلى أنفسهم على أنهم خريجو صيدنايا، بحسب التقرير ذاته.
وناهيك عن الإفراج الاستراتيجي والمتعمد لإطلاق سراح المتشددين من السجون السورية، امتنع نظام الأسد أيضاً بشكل متكرر عن مهاجمة مواقع تابعة لتنظيم الدولة. وفي بعض الأحيان، وافق نظام الأسد والتنظيم على العديد من صفقات الإخلاء.
وفي بعض الأحيان، بدا أن النظام يتواطأ مع التنظيم، في محاولة لتشجيعه على مهاجمة المعارضة المعتدلة بدلاً من النظام.
وفي حالات أخرى، بدا أن تنظيم الدولة يتخذ إجراءات تصب في مصلحة النظام السوري؛ فعلى سبيل المثال، في تموز/ يوليو 2014، انسحبت قوات تنظيم الدولة من الضواحي الشمالية لحلب، في الوقت الذي كان فيه النظام السوري يحاول الالتفاف حول قوات «الجيش السوري الحر» المتواجدة في المدينة.
ومكّن انسحاب تنظيم الدولة قوات النظام من احتلال الضاحية الشمالية للمدينة دون إطلاق رصاصة، ثم تطويق قوات «الجيش السوري الحر» المعارض في المدينة من ثلاث جهات.
وكان أحد الأسباب التي دفعت بنظام الأسد إلى عدم استهداف مواقع تنظيم الدولة في شرقي سوريا هو التعاملات التجارية للنظام مع التنظيم.
وصرحت وزارة الخارجية الأمريكية بشكل لا لبس فيه بأن "النظام السوري اشترى النفط من تنظيم الدولة عبر وسطاء مختلفين، ما زاد من عائدات التنظيم.
وبدأ ذلك في حوالي عام 2014، عندما سيطر التنظيم على منطقة دير الزور في شرق سوريا، وسيطر على أكثر من 60 في المئة من حقول النفط في البلاد، بما فيها حقل "العمر" النفطي الأكبر في سوريا.
وبحلول أيلول/ سبتمبر 2014، قُدّر الدخل اليومي لتنظيم الدولة من نفط الحقول العراقية والسورية بحوالي 3 ملايين دولار يومياً، مع مبيعات بحوالي 50,000 برميل يومياً في سوريا وحدها.
وفي عام 2015، ظهرت تقارير مفادها بأن تنظيم الدولة كان يبيع على الأقل بعضاً من نفطه للحكومة السورية.
اقرأ أيضا: فورين بوليسي: الأسد يستخدم تنظيم الدولة لترهيب الأقليات
ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، في عام 2014، "ربما يكون تنظيم الدولة قد كسب ما يصل إلى عدة ملايين من الدولارات في الأسبوع، أو ما مجموعه 100 مليون دولار، من بيع النفط والمنتجات النفطية للمهربين المحليين الذين يبيعونها بدورهم إلى الجهات الفاعلة الإقليمية، ولا سيما نظام الأسد".
وفي آذار/مارس 2015، أدرج "الاتحاد الأوروبي" رجل الأعمال السوري البارز جورج حسواني على القائمة السوداء، موضحاً أن "الحسواني يقدم الدعم ويستفيد من النظام من خلال دوره كوسيط في صفقات شراء النفط من تنظيم الدولة من النظام السوري".
وفي غضون ذلك، ووفقاً لتحقيق أجرته صحيفة "فايننشال تايمز"، كانت هناك تقارير تفيد بأن شركة حسواني، "هيسكو"، "ترسل إلى تنظيم الدولة 15 مليون ليرة سورية (حوالي 50 ألف دولار) شهرياً لحماية معداتها، والتي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات".
ونفى نجل حسواني ذلك، لكنه أكد أنه في الواقع يدير تنظيم الدولة "جزئياً" مصنع الغاز في توينان التابع للشركة.
ومع ذلك، لم تنته التعاملات التجارية لنظام الأسد مع التنظيم بالنفط والغاز. فقد قام النظام أيضاً بشراء وبيع الحبوب من المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم. ووفقاً لبعض التقارير فإن سامر فوز، رجل الأعمال السوري الذي أدرجه "الاتحاد الأوروبي" على القائمة السوداء في 2019 لتقديمه التمويل وغيره من أشكال الدعم لنظام الأسد، نقل الحبوب من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية إلى الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
ووفقاً لتقارير أخرى، قام أيضاً بنقل القمح من مناطق سيطرة تنظيم «داعش» عبر تركيا إلى مناطق سيطرة النظام السوري.
كما دعم النظام السوري تمويل تنظيم الدولة من خلال السماح للمصارف السورية بمواصلة العمل وتقديم الخدمات المالية داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
وفي تقرير عن تمويل تنظيم الدولة صدر في شباط/ فبراير 2015، وجدت "مجموعة العمل المالي" -وهي الهيئة متعددة الجنسيات التي تطوّر وتعزز سياسات مكافحة الأنشطة المالية غير المشروعة- أن "أكثر من 20 مؤسسة مالية سورية لها عمليات في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة" واصلت القيام بأعمال تجارية هناك. بالإضافة إلى ذلك، بقيت هذه الفروع "مرتبطة بمقرها الرئيسي في دمشق. وبعضها قد يحتفظ بروابط مع النظام المالي الدولي".
ونظر نظام الأسد في الاتجاه الآخر، وسمح لتنظيم الدولة بإجراء معاملات مالية من خلال شبكات مالية غير رسمية، حتى بعد أن تم الكشف علناً عن هذه القنوات غير المشروعة لتمويل الإرهاب.
على سبيل المثال، في نيسان/ أبريل وأيلول/ سبتمبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حددت وزارة الخزانة الأمريكية سلسلة من الميسرين الماليين لتنظيم الدولة وشركات خدمات الأموال التي كانت تمكّن أنشطة التنظيم في سوريا وخارجها. لكن حكومة النظام السوري لم تتخذ أي إجراء ضد الوسطاء الماليين المعلنين لتنظيم الدولة، الذين استمروا في العمل دون أي مضايقات.
ولم تكن الشبكات المالية لتنظيم الدولة المعنية كبيرة ومهمة، ما جعل قرار حكومة الأسد بعدم التصدي لها، حتى بعد أن أصبحت أنشطتها علنية، أمراً مزعجاً للغاية. فقد شملت على سبيل المثال "المدير المالي العام" لـ تنظيم «داعش» عبد الرحمن علي حسين الأحمد الراوي، الذي كان وفقاً للمعلومات الواردة في بيان صحفي لوزارة الخزانة الأمريكية الذي صنفه على قائمة الإرهاب في نيسان/أبريل 2019، "واحداً من بين عدد قليل من الأفراد الذين قدموا تسهيلات مالية كبيرة لتنظيم «داعش» داخل سوريا وخارجها".
علاوة على ذلك، كان لدى عبد الرحمن سيولة بالعملة الصعبة في سوريا تقدر بعدة ملايين من الدولارات. وشغل منصب المدير المالي العام لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وقبل انتقاله إلى تركيا، سافر في جميع أنحاء سوريا نيابة عن التنظيم".
وتعني خسارة تنظيم الدولة للأراضي، إلى جانب الزيادة النسبية في قوة النظام السوري، أن منفعة التنظيم لدمشق قد تلاشت إلى حدّ كبير. فقد هاجمت خلايا التنظيم بشكل أساسي القوات المتحالفة مع النظام في البادية في عام 2020، ونفذت قوات النظام عمليات استهدفت قوات تنظيم «داعش» بدلاً من السماح لها بالانتقال كما كان من قبل، وأصبح التنظيم أكثر اعتماداً على شركات خدمات الأموال غير المشروعة في المنطقة لتحويل الأموال دولياً.
وأورد التقرير أنه لا يوجد تحالف عالمي واضح -سياسي أو عسكري- للتصدي للتهديد الذي يشكله نظام الأسد، الذي قتل أعداداً أكبر بكثير مما فعل تنظيم الدولة، وسهل الأنشطة الإرهابية للتنظيم، وتسبب في نزوح السكان، وتدفقات الهجرة، وعدم الاستقرار الإقليمي الهائل.
وأضاف: "قد تصدى المجتمع الدولي لتحدي تنظيم الدولة، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة التحديات المتعددة الأوجه التي يطرحها نظام الأسد، ناهيك عن التصدي للكارثة التي يمثلها نظام الأسد بحد ذاته".