هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت مجلة "بوليتكو" إن الوعد بالعودة إلى الاتفاقية النووية
مع إيران كان واحدا من الوعود القليلة المؤكدة لحملة جو بايدن في السياسة الخارجية، وهي الاتفاقية التي مزقها سلفه ووصفها بأنها "مروعة" و"أسوأ صفقة على الإطلاق".
وتتساءل المجلة في تقرير ترجمته "عربي21": ولكن لتحقيق هذا
الهدف، هل لدى بايدن استعداد بأن يعلن أن الحرس الثوري الإيراني ليس منظمة إرهابية؟
وتستمر التساؤلات: ماذا عن رفع العقوبات الأمريكية عن البنك المركزي الإيراني
المتهم بتمويل ميليشيات بالوكالة في الشرق الأوسط؟ أم هل سيلغي بايدن العقوبات التي
تستهدف الإيرانيين الذين حاولوا التدخل في الانتخابات الأمريكية؟
بفضل فرض الرئيس دونالد ترامب لهذه العقوبات وغيرها على إيران، تقول
المجلة إنه من المؤكد أن مثل هذه الأسئلة ستشوش على بايدن ومساعديه وهم يسعون إلى طريق
العودة إلى الاتفاقية النووية لعام 2015.
وتؤكد أن فريق الرئيس في مأزق سياسي: يجب أن يسيروا بحذر قبل أن يتراجعوا
عن مجموعة العقوبات التي خلفها ترامب، لكن إيران تصر على أنه يجب إنهاء معظمها، إن
لم يكن كلها، قبل إحياء الصفقة. ويعلن الجمهوريون، وحتى بعض الديمقراطيين بأنهم يعتزمون
محاربة بايدن في كل خطوة على الطريق في هذا الاتجاه. وبينما قال مستشار الأمن القومي
لبايدن، جيك سوليفان، يوم الجمعة إن معالجة البرنامج النووي الإيراني "أولوية
مبكرة حاسمة"، رفض آخرون في الإدارة وضع إطار زمني للعودة إلى الاتفاق النووي.
وقال مسؤول أمريكي: في الوقت الحالي، يفكر موظفو الحكومة الأمريكية المهنيون
المنخرطون في سياسة العقوبات في الخطوات التي يجب اتخاذها للعودة إلى الاتفاق. إنهم
يخططون لتقديم أفكارهم إلى السياسيين المعينين حديثا من بايدن، بما في ذلك روب مالي،
المخضرم في مجال العمل في الشؤون الخارجية الذي عينه بايدن كمبعوث خاص لإيران.
إذن ماذا سيفعل بايدن؟
في ما يلي الملامح الأساسية للحوار:
الدور الحاسم الذي تلعبه العقوبات في الصفقة الإيرانية
جاء اتفاق إيران لعام 2015 بعد سنوات من العقوبات الأمريكية والدولية
التي ضربت اقتصاد الجمهورية الإسلامية، وجعلت التحولات السياسية الداخلية الاتفاق أكثر
قابلية للتطبيق. ورفع الاتفاق، الذي تفاوضت عليه سبع دول، العقوبات المتعلقة بالمجال
النووي عن إيران مقابل قيود صارمة على برنامجها النووي.
ومع ذلك، ترك الاتفاق النووي العديد من العقوبات الأمريكية الأخرى على
إيران، مثل تلك المتعلقة بدعم النظام للإرهاب، وبرنامج الصواريخ الباليستية وانتهاكات
حقوق الإنسان. والعديد من العقوبات الأمريكية قوية بشكل خاص لأنها تنطبق على الكيانات
غير الأمريكية التي قد ترغب في التعامل مع إيران.
تولى ترامب منصبه وشكا من أن الاتفاق النووي كان ضيق التركيز وأن أحكامه
لا تستمر إلى مدة كافية. وقام بسحب أمريكا من الصفقة في عام 2018، ثم أعاد فرض العقوبات
المتعلقة بالمجال النووي مع تكديس عقوبات جديدة على جبهات أخرى، مثل تلك التي تستهدف
فساد النظام الإيراني أو دعمه للنشاط الإرهابي. بشكل عام، أضرت العقوبات بشدة بالاقتصاد
الإيراني، الذي تضرر أيضا من جائحة فيروس كورونا.
ومنذ مغادرة أمريكا للاتفاق، اتخذت إيران أيضا خطوات أبعدتها عن الامتثال
للاتفاق، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 20%. ويقول القادة الإيرانيون
إنهم سيعودون إلى الامتثال للاتفاق بمجرد أن ترفع أمريكا عقوباتها، ومن الأفضل العودة
إلى وضع 2016، كما يقولون. لكن بايدن أشار إلى أنه يريد أن تعود إيران إلى الامتثال
أولا قبل أن يرفع العقوبات.
فخ سياسي لبايدن
خلال جلسة التأكيد الأخيرة أمام أعضاء مجلس الشيوخ، تذوق وزير الخارجية
الحالي أنتوني بلينكن الانتقادات التي تنتظر بايدن إذا تحرك لرفع العقوبات التي فرضت
في عهد ترامب. لم يذكر السناتور تيد كروز (جمهوري من تكساس) دعم إيران للإرهاب فحسب،
بل ذكر أيضا معاملتها القاسية لأفراد مجتمع المثليين والمتحولين كأسباب لعدم التهاون
مع النظام.
وأشار بلينكن إلى أنه منفتح على الإبقاء على بعض العقوبات. وقال:
"كان الاتفاق النووي شيئا واحدا، لكن الاستمرار وحتى تعزيز قدرتنا على صد السلوك
الإيراني الفظيع والتعامل معه بشكل فعال، بما في ذلك في مجال الإرهاب، كان شيئا نحتاجه
ويجب أن نفعله".
وأضاف بلينكن، مع ذلك، فإن "إيران التي تمتلك سلاحا نوويا... تخاطر
بالتصرف مع عدم خشية العقوبة أكثر مما تفعل حاليا. لذلك أعتقد أن أول أمر يجب أن نفعله
هو إعادة ذلك إلى المربع".
كروز ليس المشرع الوحيد الذي يشعر بالقلق من الصفقة النووية. فقد عارض
العديد من الديمقراطيين، بما في ذلك كبير الديمقراطيين الحاليين في لجنة العلاقات الخارجية
بمجلس الشيوخ، بوب مننديز من نيوجيرسي، الاتفاقية عندما تم التفاوض عليها في ظل إدارة
باراك أوباما.
وقال مساعد لسيناتور جمهوري في مجلس الشيوخ إن المشرعين المتشككين في
الاتفاق سيعارضون على الأرجح العديد من محاولات بايدن لتخفيف العقوبات إن لم يكن كلها.
كما أنهم سيرصدون كيفية قيام الإدارة بفرض العقوبات التي تقرر الإبقاء عليها. وقال
المساعد إن أحد المجالات المثيرة للقلق هو طريقة تعريف إدارة بايدن للبضائع التي تندرج
تحت الإعفاءات "الإنسانية" من العقوبات.
وقال المساعد: "إذا رفعوا العقوبات، فقد أرى عقوبات جديدة يتم نقلها
من خلال الكونغرس.. سنراقب عن كثب أي نوع من الاتفاقات أو التفاهمات التي سيتوصلون
إليها مع الإيرانيين".
ومن المؤكد أن بايدن سيواجه ضغوطا من إسرائيل وبعض الدول العربية للإبقاء
على أكبر عدد ممكن من العقوبات على إيران. وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو إلى أنه سيعارض محاولات استعادة الاتفاق النووي لعام 2015، الذي حاربه بشدة
خلال سنوات أوباما.
ويقول الأشخاص الذين عملوا في إدارة ترامب إن الرئيس الجديد يجب ألا يرفع
أيا من العقوبات لأن الاتفاق النووي لا يستحق الإحياء. وبدلا من ذلك، يجادلون بأن فريق
ترامب قدّم هدية إلى بايدن من خلال وضع النظام الإسلامي الإيراني تحت ضغط شديد.
قال لين خودوركوفسكي، كبير مستشاري وزارة الخارجية السابق بشأن سياسة
إيران: "لا تخففوا.. فالطريقة الوحيدة للحصول على تحرك إيجابي من إيران هي زيادة
الضغط".
ومع ذلك، يشير مؤيدو الاتفاق إلى أن استراتيجية ترامب فشلت في دفع إيران
إلى محادثات من أجل اتفاق أكثر صرامة. كما لم توقف طهران السلوكيات الأخرى التي أزعجت
أمريكا وحلفاءها، مثل دعم الميليشيات خارج حدودها؛ كما أنها أقرب إلى القدرة على بناء
سلاح نووي اليوم مما كانت عليه عندما كانت أمريكا في الصفقة.
قالت ماري كاشينسكي، نائبة مدير السياسة في صندوق Ploughshares، وهي مجموعة مناصرة للأمن النووي: "هل يستحق رأس المال السياسي الذي
يتعين عليك إنفاقه لرفع العقوبات؟" وأجابت على سؤالها قائلة: "نعم، لأن الاتفاق
النووي كان يؤدي الغرض".
ما هو الأمر المعقد للغاية بشأن عقوبات ترامب؟
عالجت الجولات العديدة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، كل شيء من المؤسسات التي يسيطر عليها المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى
شركات الصلب والألمنيوم الفردية.
وبينما أصر مسؤولو إدارة ترامب على أن الهدف الرئيسي هو وقف العدوان الخارجي
لإيران، جادل الناقدون بأن السياسة تهدف في الواقع إلى التسبب بانهيار النظام، مع وضع
العراقيل أمام استعادة رئيس آخر للاتفاق.
ويتوقع المسؤولون الأمريكيون السابقون أن يطلب المفاوضون الإيرانيون قبل
كل شيء من بايدن إنهاء العقوبات المفروضة على القطاعات الصناعية الرئيسية؛ النفط على
وجه الخصوص، التي قللت التدفق النقدي للبلاد.
ومن هناك قد يتم البحث في تفاصيل كل إجراء عقابي.
خذ على سبيل المثال عقوبات الإدارة في أيلول/ سبتمبر 2019 على البنك المركزي
الإيراني. تم فرض العقوبات في ظل سلطات مكافحة الإرهاب، لكن بعض الخبراء والمسؤولين
السابقين يشككون في المنطق وراء هذا التصنيف. وأشاروا إلى أن البنك كان بالفعل خاضعا
لعقوبات أمريكية أخرى، وأن كل ما فعلته إدارة ترامب هو أنها صعبت على إيران شراء البضائع
الإنسانية، مثل الغذاء والدواء، عبر البنك.
ويمكن أن تكون طريقة تعامل بايدن مع تصنيف ترامب للحرس الثوري الإيراني
كمنظمة إرهابية أجنبية نقطة ساخنة أخرى.
ففي حين أن قلة يجادلون في أن الحرس الثوري الإيراني، وهو المتهم بالوقوف
وراء مقتل المئات من القوات الأمريكية في العراق، يشارك في أنشطة خبيثة، إلا أنه كان
بالفعل خاضعا لعقوبات أمريكية أخرى. يمكن أن يتطرق السؤال إلى ما إذا كانت إدارة ترامب
قد استخدمت تصنيف "منظمة إرهابية أجنبية" بشكل صحيح بالنظر إلى أنه تم تطبيقه
في الماضي على جهات فاعلة غير حكومية، وليس على هيئة حكومية أجنبية.
ومع ذلك، من المرجح أن يُبقي بايدن على عقوبات مثل تلك المفروضة على الجماعات
الإيرانية -بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني- المتهمين بمحاولة التدخل في الانتخابات
الأمريكية لعام 2020. وقالت إدارة ترامب إن هذه الكيانات حاولت "زرع الخلاف بين
جمهور الناخبين من خلال نشر معلومات مضللة عبر الإنترنت وتنفيذ عمليات التأثير الخبيثة
التي تهدف إلى تضليل الناخبين الأمريكيين".
ما هي نهاية اللعبة؟
يقول المسؤولون الأمريكيون السابقون إنه من المحتمل أن تؤدي قرارات بايدن
النهائية إلى صورة مختلطة: العقوبات غير النووية ذات الأساس القانوني المتين ستبقى
قائمة، بينما العقوبات الأخرى -مثل بعض التي يبدو أنها تهدف إلى تدمير الاتفاق النووي-
ستتم إزالتها على الأرجح.
وقد يتخذ فريق بايدن أيضا نهجا تدريجيا: تقديم بعض التخفيف المحدود للعقوبات
مقابل الإجراءات الأولية من جانب إيران للتراجع عن التقدم النووي الأخير كخطوة أولى
نحو العودة الكاملة إلى الاتفاقية من قبل كلا البلدين.
هناك ضغط للتحرك بسرعة. لسبب واحد، هو أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية،
المقرر إجراؤها في حزيران/ يونيو، قد تؤدي إلى وصول حكومة متشددة تعارض الاتفاق النووي
إلى السلطة.
لكن عندما طُلب منه التعليق، أشار مسؤول في وزارة الخارجية إلى أن عملية
العودة إلى الاتفاقية ستستغرق وقتا أطول مما قد يرغب العديد من المدافعين عنها.
وقال المسؤول في بيان مكتوب: "إيران بعيدة عن العودة إلى الامتثال
وهناك العديد من الخطوات في العملية التي سنحتاج إلى تقييمها.. سيكون أول عمل لنا هو
التشاور مع الكونغرس وحلفائنا بشأن الطريق إلى الأمام".