كتاب عربي 21

دموع وزير الصحة التونسي

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
الحدث في معركة تونس مع وباء كورونا ليوم السابع من نيسان/ أبريل هو بكاء وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي. لقد بكى بكاء مقهور، وهو يرى جهده وجهد فريقه العلمي والطبي والإداري يذهب سدى. لقد قاد الرجل معركته باقتدار وبث الطمأنينة في بلد مرعوب من موت مجهول. حاز الرجل ثقة الناس بعلمه وثقته في نفسه وخطابه المطمئن ووجهه الذي لم يفقد الابتسامة.. الشجاعة الواثقة المحفّزة. قبل ذلك حاز ثقة فريقه العلمي لما حشد حوله أكبر كفاءات البلد الطبية، ومكّن لهم في إدارة الأزمة بشكل علمي.. تواضع لهم فانسجموا وظهرت النتائج المشجعة على قرب الخلاص، ثم خرج الناس من الحجر كأنهم مدفوعون دفعا ضد الوزير وفريقه لتحصيل منحة قررتها الدولة.

الجنرال المكي

منذ بدء المعركة ظهرت خطة وزارة الصحة المبنية على العلم وحسن التوقع وقراءة تقدم الوباء. تم إغلاق الحدود تدريجيا فزال الخطر الوافد، ووضعت خطة الحجر التدريجي ثم الحجر الشامل في تناغم كامل بين الوزير وفريقه وبين رئيس الحكومة. وبدا كما لو أن كل شيء يسير على ما يرام، وبدأت نتائج التحليل على قلتها تؤشر إلى تراجع العدوى. وتحدث الناس البسطاء عن الجنرال عبد اللطف المكي، ومجّد الجمع فريقه، خاصة السيدة المكلفة بالمتابعة الرقمية (مسؤولة أكبر مخبر طبي للأمراض السارية والمنقولة والأوبئة).

تحرك الفريق الطبي تحت ضغط نقص المعدات، وخاصة أجهزة الدعم بالأكسجين (الأسرة المجهزة) وغياب الأمصال الأساسية في الكشف المخبري الاستباقي. لكن هذا النجاح بدأ يثير غيرة مرضية كنا نقرأها على صفحات اليسار التونسي؛ الذي تذكر من دون الشعب التونسي أن الوزير الناجح من حزب النهضة الإسلامي. تلك الصفحات كشفت نيتها بسرعة. لا يهم أن ينجح البلد في مقاومة الوباء، المهم أن لا ينجح وزير "خوانجي" في ذلك. لقد مروا من الغيرة إلى التخريب.

كلما كانت نتائج المقاومة تظهر في انخفاض أرقام العدوى والأموات، كلما كانت ثقة الناس في الفريق القائد تزيد، وحاز الوزير بين الناس لقب الجنرال مكي. لقد دخل بيوت التونسيين ودخل قلوبا كثيرة وجدت فيه الرجل الواثق ومصدر الطمأنينة. لكن التخريب بدأ، وسقط جهد كثير في الحضيض، لذلك بكى الجنرال قهرا يوم السابع من نيسان/ أبريل.

كسر الحجر يسقط جهد الوزارة والوزير

يتحدث كثيرون في انتظار تحقيق أمني عميق عن رسائل هاتفية مجهولة المصدر وصلت صباح الاثنين للناس ليخرجوا لقبض منحة دعم؛ بعضها لفئات هشة فقدت أجورها بسبب توقف النشاط الاقتصادي، فضلا عن المستحقين القدامى من العائلات المعوزة.

لماذا لم يتقن وزير الشؤون الاجتماعية تصريف المنحة بالمحافظة على الحجر الصحي، رغم أن الإمكانيات المادية والبشرية بين يديه؟ هل تواطأ ضد زميله أم كشف جهله وعجزه وفشله أمام نقابات اليسار المهيمنة على وزارته، والتي زيّنت له سهولة توزيع المنح عبر البريد في يوم واحد؟

كان رئيس الحكومة يتبجح بانسجام فريقه الحكومي وقدرته على إدارة الأزمة، لكنه رمى كرة الوعود للناس دون خطة تنفيذية، وزاد الطين بلة أن رئيس الدولة يزايد على حكومته بدعوة الناس إلى تحصيل حقوقهم دون نظام، كأنه زعيم شعبي يقود معركة استقلال ضد حكومة استعمارية.

النتيجة على الأرض خرج الناس وتكدسوا أمام شبابيك البريد في أغلب مناطق البلاد (باستثناء مناطق الجنوب، حيث أفلح متطوعون في تنظيم الناس وكسر الزحام والحفاظ على التباعد الاجتماعي الضروري للوقاية). وضعت نتائج الحجر كلها في الميزان الآن، وسننتظر أرقام العدوى الكارثية خلال الساعات القادمة (من 4 إلى 10 أيام لتفشي الفيروس). وحُق للجنرال أن يبكي، فقد سقط جهده وجهد فريقه في الماء، والبلد الآن مهدد بشهر آخر من الحجر الصحي الإجباري. (ولن نحسب كلفته الاقتصادية ولا النفسية على عتبات شهر الصيام).

لماذا لم يتدخل الأمن بحزم لردع الأفواج الهائجة؟ لقد كان الأمن يتفرج متظاهرا باللطف، وهو الذي لا تزال آثار عصيه على أجساد التونسيين. حيثما نتوقع وجود اليسار في مفاصل السيستم نجد سبب الكارثة. الكيد السياسي بوسائل خبيثة لا تهتم إذا مات تونسيون أو انهار بلدهم واقتصادهم، فالمهم والأولى أن يسقط الوزير النهضوي ويفشل. وقد صار عمله الآن مهددا إلا بمعجزة أن يكون التونسيون بصحة جيدة، ولن يضيرهم خروجهم خلال يومي 5 و 6 نيسان/ أبريل. حتى الآن ذهب جهد كثير هباء منثورا، ولذلك نفهم الحزم الفجائي الذي أظهره وزير الداخلية. كان عليه أن يجيب عما إذا كان أعوانه يلتزمون بأوامره أم بأوامر نقابات اليسار في الداخلية.

سيذكر التاريخ رجال المرحلة

نعم نحن ما زلنا تحت الحجر الصحي ونخشى قدوم الكارثة في شهر نيسان/ أبريل، ونتوسل معجزة إلهية. لكن الصورة تنكشف لكل ذي عقل وبيان. الحرب الأيديولوجية قائمة ووسائلها واضحة: التموقع القديم في الإدارة والنقابات، طبعا من أجل تخريب كل جهد وطني في معارك سياسية مفوتة تجاوزها التونسيون بعد أن ملوها وعافوها، لكن قوما منا ما زال همهم حرب التموقع والسياسة التي تقوم على الضرب تحت الحزام، وقد أفلحوا ولكن للتاريخ ذاكرة نعوّل عليها.

ما يزل الجنرال المكي وزيرا للصحة يقود معركتنا ضد الوباء، ونحن نكتشف فيه الإنسان الشفوق بعد أن عرفنا الطبيب الحكيم والإداري الفذ والزعيم الذي يحسن قيادة فريقه. للتاريخ سجلنا المواقف، وسجلنا أسماء الرجال، وسيكون لنا قرار.

نقول للجنرال دموعك غالية ونحن نجلّ عقلك وقلبك وجهدك، والأيام دول.
التعليقات (0)