ملفات وتقارير

ما هي التداعيات الجيوسياسية للحرب الصحية على السياسة الدولية؟

الحكومات وجدت نفسها أمام خيارات واستراتيجيات لم تكن تتوقعها لقد غيرت هذه الأزمة الهياكل السياسية في العالم- جيتي
الحكومات وجدت نفسها أمام خيارات واستراتيجيات لم تكن تتوقعها لقد غيرت هذه الأزمة الهياكل السياسية في العالم- جيتي

نشر موقع انسايد أوفر في نسخته الإيطالية تقريرا سلّط فيه الضوء على تأثير الحرب الصحية على السياسات الدولية. 

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الأزمة الصحية التي خلقها فيروس كورونا غيّرت عالمنا بشكل جذري. في الواقع، إنها لم تغير الحياة اليومية لمئات الملايين من الناس فحسب، بل أيضا العلاقات الدولية، حيث أن الحكومات وجدت نفسها أمام خيارات واستراتيجيات لم تكن تتوقعها. لقد استطاعت هذه الأزمة الصحية أن تغيّر الهياكل السياسية في العالم وتقلب أنماطها القديمة.

متى بدأ كل شيء؟


لفهم ما يحدث حقًا لعالمنا، يجب البدء من نقطة الصفر، أي من مقاطعة هوبي الصينية أين بدأ كل شيء وأين بدأت الآن تلوح بوادر انفراج الكربة لتعود الحياة لسابق عهدها. مثّلت الصين بؤرة تفشي الوباء الذي تغلغل بسرعة مهولة في جميع أنحاء كوكب الأرض. وخلال هذه الحرب، أُجبرت الصين على التعامل مع الولايات الأميركية، خاصة بعد أن وصلت الحرب بين هذين القطبين إلى أوجها.

الصدام بين الصين والولايات المتحدة


أفاد الموقع أنّ ترامب يدرك جيدًا أنّ الصدام مع الصين هو أمر لا مفرّ منه، وأن ساحة المعركة لن تكون مقتصرة على منطقة المحيط الهادئ، بل ستمتدّ على الكوكب بأسره. في الواقع، بدأت الصين في الخروج من قوقعتها الضخمة، بينما تكافح الولايات المتحدة خوفا من فقدان شبكة مصالحها. أمّا روسيا، فهي تتأمّل الوضع باهتمام أملا في فوز القوّة الصينية، لكن دون نسيان فائدة التمسّك بعلاقتها مع الولايات المتحدة. من جهتها، ستصبح أوروبا إما ساحة حرب عظيمة، أو فريسة عظيمة.

وبيّن الموقع أن فيروس كورونا ليس عدوا يمكن هزيمته بالأسلحة أو العقوبات، كما أنه ليس حليفا يمكن التعامل معه. هذا يعني أنّه في أعظم لعبة في العالم، فرض الفيروس نفسه كأقوى لاعب مختلف عن غيره من اللاعبين. ورغم أن الوباء أصبح العدو المشترك للكل، إلا أن جهود الجميع في القضاء عليه باءت بالفشل.

تزعزع القناعات


أوضح الموقع أن فيروس كورونا يهدد كل ما هو موجود في العالم. في الواقع، تعرّضت الصين لضربة شديدة عانت منها لأسابيع طوال. لقد كان من المفترض أن تكون هذه هي الحقبة الذهبية بالنسبة للمنطقة الآسيوية، لكن الوباء والخوف من الشرق ساهما في تزعزع جميع قناعاتها حول طريق الحرير. ومع تواصل تفشّي الوباء، يستمر تطوّر دبلوماسية بكين التي تبذل قصارى جهدها لمنع أوروبا من التراجع في علاقاتها مع الصين.

تساهم إيطاليا في فهم هذه اللعبة السياسية التي تجري توازيا مع أزمة فيروس كورونا. في الحقيقة، تعتبر روما واحدة من الدول الأكثر اهتمامًا بالمصالح الصينية في الغرب وهي أول دولة موقعة على اتفاقية مجموعة السبعة لطريق الحرير الجديد، وهو الأمر الذي لم تقبله واشنطن أبدًا. لكن يبدو أن الفيروس تسبّب في التشكيك في متانة العلاقة بين الصين وإيطاليا، حيث عطلت الحكومة الإيطالية فجأة الرحلات الجوية المباشرة مع الصين لتجنب العدوى. ولكن بعد فترة، تفشّى الوباء في شمال إيطاليا، الأمر الذي سمح للصين بأن تصبح القوة العظمى الوحيدة القادرة على إنقاذ الجميع من الخطر.

تفكّك أوروبا


فسّر الموقع أن دونالد ترامب سارع باتهام الأوروبيين بنقل الفيروس إلى الولايات المتحدة، موقفا الرحلات بينها وبين أوروبا. وهذا الأمر يشير إلى أنّ الولايات المتحدة لم تعد حامية لأوروبا التي غرقت تماما إثر مواجهة أول أزمة حقيقية في القارة. لقد أثّرت الأزمة الصحية في الغرب على علاقاتها الدولية، إذ انقطعت كل التحالفات وانغمست كل دولة في شؤونها لإنقاذ نفسها من هذه الجائحة، الأمر الذي ساهم في تفكّك الاتحاد الأوروبي في غضون أيام قليلة وبداية الحرب الداخلية في أوروبا. في الحقيقة، إن إيطاليا معرضة للانهيار، خاصة مع تزايد عدد الضحايا وعزل أوروبا لها وانهيار أسهم أقوى شركاتها.

أمّا الحرب الكبرى الحقيقية فهي التي تخوضها الصين والولايات المتحدة اللتان تريان إيطاليا خندقا لهما. في الواقع، تدرك الصين أن تعزيز دعمها لإيطاليا سيمكّنها من تلميع صورتها كقوة نافعة مجدّدا، فقامت بإرسال الأطباء والمساعدات.

طغيان الفيروس على بروكسل


ذكر الموقع أنّ الاتحاد الأوروبي بدأ في النهوض والتدخل، فقد فهم أن ما تمر به إيطاليا يمكن أن يكون له عواقب مدمرة في جميع أنحاء أوروبا والغرب. من جهته، وجد ماكرون أن فرنسا يمكنها أن تترأس القيادة الأوروبية بركوب الصدام بين شمال وجنوب أوروبا من خلال خرق القواعد التي تفرضها بروكسل. أما فيما يخص ألمانيا، فقد فرضت أنجيلا ميركل قواعد صارمة على إيطاليا وإسبانيا، مما يجبرهما على اتخاذ خيارات صعبة.

إيطاليا خندق أوروبا


أفاد الموقع بأنّ إيطاليا تلقّت المساعدات الأمريكية والدعم الصيني والروسي، في حين لم تبذل دول الاتحاد الأوروبي جهدا للمبادرة بتقديم يد المساعدة. ومن الواضح أن جميع هذه الأطراف قررت الآن المراهنة على ايطاليا، إذ بادرت الولايات المتحدة، التي تأثرت بالتدخل الصيني الواضح جدا في إيطاليا، ببعث المساعدات، بينما أظهرت روسيا أنه يمكنها أن تلعب دورًا حاسما في مستقبل إيطاليا وأوروبا. 

وأخيرا أوضح الموقع أنّ ما يحدث هو رهان جيوسياسي ضخم قادر على تغيير توازن الغرب الذي يعيد تشكيل نفسه مع تفشي الفيروس. ويبدو أن نقطة التحول قد حانت الآن، إذ يمكن للاتحاد الأوروبي تغيير قيادته، كما يمكنه الانقسام تمامًا أو محاولة النهوض بنفسه بفضل فرنسا التي تدرك قدرتها على تولي زمام الأمور السياسية في بروكسل.


اقرأ أيضا: جائحة "كورونا" تقتل قرابة 37 ألفا.. هذه حصيلتها خلال 24 ساعة


0
التعليقات (0)