قضايا وآراء

الناجون من كورونا.. وهم ملء الفراغ

حازم عياد
1300x600
1300x600

جهود الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الأعراض الاقتصادية لفايروس كورونا المستجد (كوفيد 19) فاقت وعلى نحو مذهل جهود مكافحة الوباء الصحية بأصفار كثيرة. 

فمقابل إنفاق 130 مليار دولار لدعم القطاع الصحي بالمستلزمات الطبية والبحوث؛ خصصت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب وبموافقة من الكونغرس الأمريكي بشقيه مجلس النواب والشيوخ ترليون و870 مليار دولار لمواجهة تداعيات الوباء على الاقتصاد الأمريكي.

الخطة التحفيزية أعلن عنها دونالد ترامب مساء الثلاثاء الماضي بعد إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لها؛ إذ ستنفق الولايات المتحدة 5% من الخطة التحفيزية المقدرة بـ 2 ترليون دولار على الرعاية الصحية لتوفير المستلزمات الطبية من كمامات وأجهزة تنفس ورعاية طبية منزلية وبحوث و دراسات في حين سينفق ما تبقى من المبلغ لحماية الاقتصادي الأمريكي والشركات والبنوك من الركود والكساد.

المخصصات ستوجه نحو العمالة والشركات الصغرى والمتوسطة وأسواق المال والبنوك بضخ أموال تقي الاقتصاد الأمريكي الركود والانهيار وتديم النشاط في ظل أنباء عن تعافي الصين من الوباء وإطلاقها العنان لعجلتها الاقتصادية بشكل يهدد بملء الفراغ الناجم عن انشغال أمريكا بالوباء الذي اقترب من مرحلته الرابعة في أمريكا.

 

السباق الذي يسعى في ظاهره لحماية القطاعات الإنتاجية والصناعية وتوفير السيولة والقروض تحول إلى صراع لملء فراغ متوهم تجاوز الحدود الحمائية والتجارية المتوافق عليها معلنا عن نهاية حقبة وبداية نظام اقتصادي جديد

   
توقيت التصديق على الخطة والإعلان عنها مساء الثلاثاء 24 آذار (مارس) الحالي لم يكن عبثا؛ إذ ترافق مع خطة طوارئ ألمانية وأوروبية خصصت ترليون دولار للتعامل مع آثار وباء كورونا؛ تخطت فيها ألمانيا عقدة غياب العجز عن موازنتها العامة بإقرارها موازنة تعاني من عجز قدر بـ 130 مليار دولار الأول في تاريخها منذ أكثر من 40 عام باقتراضها ما 156 مليار يورو متجاوزة  المعايير التي التزمت بها منذ العام 2009 على أمل تجاوز الخسائر المترتبة على تفشي فايروس كورونا والمقدرة بين 400 إلى 700 مليار يورو ومليون ونصف المليون وظيفة.

أرقام رغم ضخامتها تبقى متواضعة أمام المبالغ الضخمة التي توافقت عليها الإدارة الأمريكية والكونغرس بغرفتيه وعلى نحو يثير الاستغراب والعجب؛ إذ لن تكتفي الولايات المتحدة بضخ 2 ترليون دولار؛ بإصدارها تشريعات لتخفيضات وإعفاءات ضريبة وقروض تضيف إلى الخطة التحفيزية المعلنة 4 ترليون دولار لتصل الخطة التحفيزية إلى 6 ترليون دولار دافعة مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية والعالمية للارتفاع بين 8 إلى 13% بعد افتتاحها يوم أمس الأربعاء؛ أرقاما لم تبلغها منذ العام 2009.

السباق لإنعاش اقتصاديات الدول الكبرى شمل اليابان وكوريا الجنوبية قابله تدهور وتراجع كبير في عجلة الإنتاج عالميا في الهند والبرازيل التي انضمت إلى الدول المهددة بالكساد والركود بعد تفشي الوباء؛ بالإعلان عن إجراءات عزل في الهند لأكثر من مليار إنسان؛ فالهند ومن خلال شركة الغاز طلبت من موردها القطري وقف شحنات الغاز المتفق عليها مستعينة بمبدأ الظروف القاهرة .

فالأزمة الاقتصادية العالمية رغم الجهود الأوروبية والأمريكية والصينية ما زالت تحث الخطى نحو ركود وكساد عالمي يحذر منه الاقتصاديون في ظل نزعة للتنافس والتسابق بين الدول المتضررة لملء الفراغ الافتراضي المتوهم.

فوهم الفراغ بغياب الخصوم وملء الفراغ بين الدول المنتجة للطاقة كالنفط والغاز (ومثاله السعودية وروسيا وأمريكا)؛ أو بين الدول الصناعية الكبرى (ومثاله الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي والهند والبرازيل)؛ أطلق العنان لحرب تجارية ستكبد الاقتصادات المتنافسة المزيد من الخسائر الاقتصادية والصحية؛ فكورونا ترافق مع حمى وهلوسات اقتصادية غير مسبوقة عالميا تنبئ بسوء تقدير ورؤية مشوشة ناجمة عن حمى الوباء وأوجاعه.

ختاما: الجهود الأوروبية والأمريكية والروسية والآسيوية لمواجهة جائحة كورونا فتحت الباب لحرب تجارية جديدة محطمة كل الاتفاقات ومتجاوزة كافة التفاهمات الدولية؛ فالسباق الذي يسعى في ظاهره لحماية القطاعات الإنتاجية والصناعية وتوفير السيولة والقروض تحول إلى صراع لملء فراغ متوهم تجاوز الحدود الحمائية والتجارية المتوافق عليها معلنا عن نهاية حقبة وبداية نظام اقتصادي جديد قادم لا محالة على أنقاض النظام القديم الذي لن ينجو منه أحد. 

التعليقات (1)
هيمن الخطابي
الخميس، 26-03-2020 06:10 م
تفاقمت المشكلات الاقتصادية العالمية قبل ظهور فيروس كورونا الجديد، وكانت غالبية التقديرات الاقتصادية تشير إلى أن الازدهار الاقتصادي منذ 2009 الذي بدأ بعد أزمة الركود الأخيرة في 2008، قد طال أمده، وأن العالم مقدم على سنوات ركود جديدة، عزز من احتمالات تحققها الحرب التجارية التي استعرت بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، مع مشكلات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى غرق الكثير من اقتصادياتها في أزمة الديون كاليونان وغيرها، فضلاً عن زيادة الإنتاج العالمي من النفط وانهيار أسعاره، ومن غير المعروف بعد المدى الذي سيصل إليه وباء فيروس كورونا العالمي الجديد، ومن التوقعات حدوث موجات متتالية لانتشاره عالمياً، والأموال الموجهة لدعم الاقتصاديات المتدهورة نتيجة إجراءات وقف وتقييد العديد من الأنشطة الاقتصادية هي أموال مقترضة تزيد من حدة أزمة الديون الحكومية المتزايدة، وقد لا تكون كافية، كما تنذر باستمرار انخفاض الطلب على النفط وانخفاض أسعاره، وسقوط اقتصاديات غالبية دول الخليج النفطية، وقد تكون بداية النهاية للنظم الاستبدادية الهشة في الشرق الأوسط.