قضايا وآراء

تركيا وروسيا.. اتفاق بل إعلان مبادئ حول إدلب

ماجد عزام
1300x600
1300x600
اتفاق أقرب إلى إعلان المبادئ وحتى إلى إعلان وقف لإطلاق النار ذاك الذي توصل إليه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في موسكو، في 5 آذار/ مارس، حول الوضع في محافظة إدلب السورية. وقبل قراءة أو تحليل المضمون ثمة نقاط منهجية يجب التوقف عندها وإعطاؤها حقها من الاهتمام من أجل فهم أشمل وأدق للاتفاق.

اللقاء عقد بعد شهور من انتهاكات نظام الأسد لمناطق خفض التصعيد في أرياف إدلب وحلب وحماة وفق اتفاق سوتشي (أيار/ مايو 2017) ورفض رورسيا الضغط عليه، وصولاً إلى الغدر بالجنود الأتراك (27 شباط/ فبراير الماضي) والرد التركي، القوي الحازم في الليلة نفسها، ثم إعلان عملية "درع الربيع" (1 آذار/ مارس) ضد قوات وقواعد النظام وطائراته في سماء محافظة إدلب. قبل العملية كان بوتين قد رفض فكرة القمة الرباعية مع تركيا وفرنسا وألمانيا لمناقشة التطورات في سوريا، وتمنع حتى عن لقاء أردوغان نفسه رغم إعلان الرئاسة التركية عن موعد متفق عليه لذلك.

منهجياً أيضا، كان يفترض أن يعقد اللقاء في أنقرة، كما أعلن الرئيس أردوغان نفسه، إلا أن عقده في موسكو عائد إلى تطورات داخلية روسية مرتبطة بالتعديلات الدستورية وما أثارته من غضب وأزمات وتداعيات سلبية في الشارع الروسي.

الاتفاق أو التفاهم الذي توصل إليه الرئيسان جاء مقتضباً من ثلاثة بنود، واعتبر ملحقاً لاتفاق سوتشي. وبدت البنود عامة جداً، ويكاد كل بند فيها يحتاح إلى اتفاق حوله، وهو ما تم العمل عليه لاحقاً مع عبر مفاوضات ثنائية بين وفود سياسية وعسكرية من الجانبين جرت في أنقرة منتصف الشهر الجارى، لنقاش شياطين التفاصيل العالقة.

الاتفاق تحدث عن وقف إطلاق النار وفق خطوط خفض التصعيد في سوتشي، كما عن إنشاء ممر آمن شمال وجنوب الطريق "إم 4" ودوريات ثنائيةمشتركة على طول الطريق نفسه ابتداء من منتصف آذار/ مارس الجاري.

كان أيضاً اتفاقا على محاربة الإرهاب وفق تعريف الأمم المتحدة، وهي النقطة التي تحدث عنها الرئيس بوتين، كما عن حق القوات التركية في الرد على أي اعتداء تتعرض له، وهي النقطة التي ركّز عليها الرئيس أردوغان في المؤتمر الصحفي أيضاً.

إذن نحن أمام تأجيل للنقاط الخلافية كون الاتفاق على وقف إطلاق النار كان بمثابة حاجة مشتركة للطرفين، حيث أن تركيا ردت بقوة على استهداف جنودها، كما نشرت آلاف الجنود مع معدات ثقيلة في محيط إدلب، وفهمت كما أي قيادة ديمقراطية منتخبة أن لا حاجة لاستمرار المعركة مع النظام طالما توجد إمكانية للتفاهم مع سيده ومشغله وصاحب القرار، بل الآمر عليه.

أما روسيا التي تورطت بطريقة ما في عملية استهداف الجنود الأتراك لجس النبض واختبار رد الفعل التركي والدولي، فلم تتوقع ربما رد الفعل الغاضب والعنيف من قبل أنقرة واستخدام المسدس، بل المدفع الذي كانت وضعته فعلاً على الطاولة.

لم تحبذ روسيا كذلك الصدام مع تركيا، خاصة مع الدعم السياسي الأمريكي والأوروبي لها، كما من حلف الناتو نفسه. وكان لافتاً أنها احتفظت بالسيطرة نظرياً على الأجواء في إدلب مع تجاهل حركة الطيران التركي المسير، وغير المسير، مستجيبة لطلب الرئيس التركي لها بالتنحي جانباً، وعملياً فقد تركت النظام والمليشيات الإيرانية مكشوفين أمام الضربات التركية.

ربما لم تجد موسكو حلاً في مواجهة الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار" التي دمرت منظومات بانتسير الروسية المضادة للطائرات والتي يديرها النظام، منذ ليلة 27 شباط/ فبراير، ولم يكن بالإمكان أو توقع أن تستخدم منظومة "أس أس 400" الأكثر تطوراً ضد شريكتها والتي تحتفظ بعلاقات متشعبة وقوية معها.

بناء على وقف إطلاق النار بقى الوضع على حاله، حيث لم ينسحب النظام من المناطق التي أعاد السيطرة عليها خلال الشهرين الماضيين (استعادت المعارضة بعضاً منها)، لكن من جهة مقابلة بقيت القوات التركية في أماكن انتشارها بما يتجاوز نقاط المراقبة (عشرات الآلاف مع أسلحة ثقيلة) حسب اتفاق سوتشي، والتي تمنع النظام السوري من اجتياح إدلب أو حتى من التفكير في الصدام مع الجيش التركي، بعد تجربة درع الربيع القصيرة (خمسة أيام)، حيث فقد النظام آلافا من جنوده وعشرات الطائرات والدبابات مع إخراج عدة مطارات له من الخدمة، علماً أن تركيا لم تعلن إنهاء العملية بشكل رسمي حتى الآن.

كان لافتاً الاتفاق على الممر الآمن شمال وجنوب طريق "أم 4" والدوريات المشتركة عليه، ما يعني أن الإشىراف الأمني سيكون للطرفين مع فتحه واستخدامه للمدنيين بالضرورة، دون حضور النظام أمنياً وعسكرياً.

الرئيسان تحدثا عن عودة طوعية وآمنة للنازحين، وهذا بحاجة لنقاش معمق بين الجانبين، حيث أن لا عودة لهؤلاء إلى قراهم وبلداتهم في ظل استمرار سيطرة النظام وحضوره العسكري في المناطق التى أعاد السيطرة عليها.

في سياق أوسع، أكد التفاهم الروسي التركي الغياب الإيراني الكامل عن المشهد (رغم الضجيج الإعلامي المعتاد)، ورغم الضربات التي تعرضت لها إيران هي وحشودها الطائفية، وتبجح وتهديد مركز العمليات الإيراني في سوريا في محاكاة نظرية وهزلية لمركز حميميم الروسي، وحتى عرض الرئيس حسن روحاني للقاء ثلاثي يضم إيران تركيا ونظام الأسد قبل لقاء أطراف أستانة لم يأخذه أحد على محمل الجد، ما أكد قناعتي منذ اليوم الأول تجاه عملية أستانة التي هي عبارة عن اثنين زائد واحد، والاتفاق الروسي التركي الأخير أخرج عملياً إيران من الصورة وحوّلها إلى تابع لروسيا تماماً كما النظام.

هنا بدا لافتاً طلب الرئيس أردوغان مباشرة من وزير الخارجية الروسي، في حديث جانبي بعد القمة، إبلاغ النظام الأسد بالاتفاق، وهو نفسه بالمناسبة الحديث الذي عبر فيه لافروف عن إعجابه بأناقة الرئيس التركي وحبه لربطة عنق التي كان يرتديها.

مقابل الغياب الإيراني كان حضور أمريكي مباشر تجاه العملية العسكرية التركية والتفاهم التركي الروسي الأخير، ليس فقط عبر دعم سياسي استخباراتي لتركيا، إنما عبر زيارة السفير جيمس جفري والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة كيلي كرافت لمدينة إدلب في 3 آذار/ مارس، مع رفض تقديم أسلحة أمريكية وحتى منظومة باتريوت لتركيا، إنما مع الموافقة على فعل ذلك من حلف الناتو. كما جرى رفض تمرير أو دعم الاتفاق في مجلس الأمن ضمن تأكيد الحضور الأمريكي في المشهد السوري، وفي سياق مقايضة محتملة مع روسيا حول اتفاق السلام الأفغاني الأخير مع حركة طالبان الذي شهد إبعاد وتهميش لروسيا.

عموماً في النهاية وباختصار، ما نحن بصدده إعلان مبادئ تضمن أساساً وقفا لإطلاق النار وإسكات المدافع ووقف نزوح اللاجئين باتجاه الحدود التركية ، بينما سيعمل الطرفان بشكل متواصل على التفاصيل الخلافية، وهو ما تم فعلاً فى الاتفاق الفرعي أو التنفيذي في أنقرة (13 آذار/ مارس)، والتفاهم على إقامة غرف عمليات مشتركة للتنسيق الميدانى بينهما.

وقد تتدهور الأوضاع. هنا أو هناك، ولكن ستظل عموماً تحت السيطرة. وفي كل الأحوال نحن أمام إدارة تكتيكية للمشهد السوري في ظل صعوبة، بل استحالة الذهاب إلى تسوية سياسية دائمة في المدى المنظور، واستحالة الحسم العسكري من قبل روسيا والنظام وإيران، في ظل تمركز آلاف الجنود الأتراك على الأرض، وطائرات البيرقدار المسيرة التي حلّت معضلة السيطرة على الأجواء السورية. وعملياً أحرجت روسيا، وأكدت محدودية قدراتها في تكبيل أو تقييد أيادي شريكتها أو من يفترض أنها كذلك.
التعليقات (0)