ملفات وتقارير

ما أسباب وتداعيات الخلاف بين "سعيّد" وحركة النهضة؟

يرى سعيّد أن التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة هو الخيار الدستوري حال عدم نيل حكومة الفخفاخ للثقة- الرئاسة التونسية فيسوك
يرى سعيّد أن التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة هو الخيار الدستوري حال عدم نيل حكومة الفخفاخ للثقة- الرئاسة التونسية فيسوك

برز بالساحة السياسية التونسية خلاف غير معهود بين رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، وحركة النهضة (الجانبان يمثلان توجهات الثورة) حول تشكيل الحكومة الجديدة.


وظهر الخلاف إبان تصريح رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان نور الدين البحيري حول إمكانية سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال ورئيسها يوسف الشاهد واختيار رئيس حكومة جديد، في حال فشل المكلف إلياس الفخفاخ في نيل الثقة بالبرلمان.


وأعقب التصريح المذكور، تصريح مخالف صدر عن رئاسة الجمهورية، الاثنين، يؤكد أن سحب الثقة عن حكومة تصريف الأعمال ليس من صلاحيات البرلمان الحالي، وأن التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة هو الخيار الدستوري في حال عدم نيل حكومة الفخفاخ على الثقة.

هكذا تفاقم الخلاف


يفسر الكاتب والمحلل السياسي طارق الكحلاوي هذا الخلاف بأنه يعود إلى "وجود إشكال لدى حركة النهضة بفهم ظاهرة قيس سعيّد ووضعه".


ويوضح الكحلاوي لـ"عربي21" أن أهم محطات "سوء الفهم" بدأت عندما تم اقتراح شخصيات لرئاسة الحكومة ليختار سعيّد أحدها.


وحول هذا الخلاف، يقول: "تم التواصل مع حركة النهضة من قبل عدد من الفاعلين السياسيين من أجل إيجاد رئيس حكومة يتناغم مع رؤية رئيس الدولة بتشكيل حكومة تقوم على الإصلاحات ومنسجمة مع الاتجاه العام لنتائج الانتخابات 2019، لكن النهضة اشتركت مع "قلب تونس" في تقديم مرشح واحد وهو الفاضل عبد الكافي القريب جدا من "قلب تونس" بخلاف توجهات سعيّد العامة".

 

اقرأ أيضا: سعيّد : سيتم حل البرلمان حال فشل حكومة الفخفاخ بأخذ الثقة

ويفسر الكحلاوي تكليف سعيّد للفخفاخ بتشكيل الحكومة واستبعاد مرشح النهضة، لأنه "كان متناغما معه في التوجه العام والسياسة العامة للدولة، وبالتحديد بأن تبقى قلب تونس في المعارضة".


ويعتبر الكحلاوي أن الاتجاه العام لنتائج الانتخابات الماضية (خاصة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية) أبرز رغبة عامة بنبذ الفساد والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية حقيقية، وهو توجه مختلف عن توجه الخمس سنوات السابقة القائم على التوافق وجمع الجميع في سفينة واحدة، بدون أخذ ضرورة إحداث تغيير إصلاحي بعين الاعتبار كما ينشد الشارع التونسي.

وحول تغير موقف النهضة من "قلب تونس"، يرى الكحلاوي أن الانفتاح على "قلب تونس" الذي يعتبر "رمزا للفساد" ويشكل "تهديدا للأمن القومي" مثل "انقلابا في موقف الحركة خلال الحملة الانتخابية وما بعدها"، وهذا أدى أيضا إلى "اختلاف في التوجهات العامة بين رئيس الجمهورية والنهضة".   

ويضيف: "لا يوجد ما يبرر تغيير النهضة لموقفها، لكن يمكن فهمه بأن الحركة اعتبرت أن الشركاء الآخرين خاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب لا يمكن التعويل عليهما في حكم طويل الأمد، في المقابل اعتبرت أن قلب تونس المثقل بملفات الفساد يمكن حصره في الزاوية والعمل معه".

ويعتبر أن "هذا التصور يتجاوز تعقيدات العلاقة مع التيار وحركة الشعب التي يمكن حلها ببعض الصبر، وهو أفضل من التوجه نحو قلب تونس، في عملية حكم ستعكس تعايشا مع منظومة الفساد، تعيق الوصول لحكومة قادرة على الإصلاح".

ويرى بأن ذلك "سيعزز التوجه العام بالنفور من النخبة السياسية، وسيجلب التعاطف مع قوى ما قبل الثورة وعلى رأسها عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري"، موضحا: "في ظل هذا المشهد ليس من الصدفة أن حظوظ موسى تتحسن في استطلاعات الرأي".

ويؤكد: "برأيي أخذ وضع وتوجه رئيس الدولة في عين الاعتبار من قبل النهضة أهم من العمل على طمأنة قلب تونس".

واستبعد أن يكون التغير بموقف "النهضة" عائد إلى عدم رضاها عن دور سعيّد في دعم حكومة الحبيب الجملي بالشكل المطلوب، قائلا: "على العكس سعيّد ضغط في الكواليس على مختلف الأطراف للقبول بحكومة الجملي والقيام بالتنازلات اللازمة".

وبهذا الصدد، استدل على "اللقاء الذي عقده سعيّد يوم 21 كانون الأول/ ديسمبر الماضي مع الأحزاب الأربعة (النهضة، وتحيا تونس، وحركة الشعب، والتيار الديمقراطي) عقب إعلان الأخير انسحابه من مشاورات الحكومة، إلا أن الرئيس تفاجأ بموقف رئيس النهضة الذي قال له في بداية الاجتماع فات الأمر الآن والنهضة لم تعد معنية باستئناف المشاورات".

فرص الحل


ويعتقد الكحلاوي بأن "فرص الحل موجودة"، موضحا أن "هناك محادثات مكثفة لإيجاد حل".


ويرجح بأن الحل "لن يكون بتنازل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف للقبول بضم قلب تونس إلى الحكومة".

ويتابع: "إذا تم الاتفاق على هذه القاعدة وعلى تحقيق بعض مطالب وتحفظات حركة النهضة حول الحكومة، ربما تكون قاعدة مشتركة تذلل المشاكل، وتفتح صفحة جديدة بين سعيّد والنهضة".

ويكمل: "في حال لم يتم ذلك فإن رئيس الجمهورية أعلن بشكل واضح التوجه لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وسندخل إلى مرحلة جديدة سياسية تماما"، وسيترتب على ذلك بحسب الكحلاوي "صعود حظوظ عبير موسى والحزب الذي يتعاطف مع المنظومة القديمة وقوى ما قبل الثورة، وهذا وضع خطير على البلاد خاصة على النهضة، لأن هذا الحزب يدعو بشكل واضح لاستئصال النهضة وتيار الإسلام السياسي".

 

اقرأ أيضا: ما دستورية سحب الثقة من حكومة الشاهد في حال فشل الفخفاخ ؟

ويقول: "على حركة النهضة أن ترتب أولوياتها بأن علاقتها برئيس الجمهورية علاقة مفصلية، وأهم من قلب تونس، لأن الذهاب لانتخابات سيضر بالوضع العام وخاصة النهضة، وهذا كله يدعو إلى إعادة ترتيب الأولويات للحفاظ على المسار الديمقراطي للدولة".

الخلاف أوسع من طرفين


من جانبه، يرى الكتاب والمحلل السياسي أنور الغربي أن الخلاف ليس فقط بين رئاسة الجمهورية وحركة النهضة، بل يشمل أغلب المكونات في الساحة التونسية.

ويقول لـ"عربي21": "الخلاف يتركز حول تركيبة الحكومة والأهداف التي تشتغل عليها، حيث يرى البعض أن هناك إصلاحات جوهرية لا بد أن تقوم بها الحكومة في المرحلة القادمة، فيما يرى آخرون ضرورة تكوين الحكومة دون الذهاب بعيدا في مسألة الإصلاحات الكبيرة خلال هذه المرحلة".

ويشير إلى أن "المسألة الأخرى التي برز فيها الخلاف جليا بين الرئاسة والنهضة تعلقت بتفسير الدستور"، قائلا: "تبين في الواقع أن الدستور يحتاج الآن إلى دور الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، وهي غير قادرة على القيام بهذا الدور، لذا نحتاج إلى إصلاحات في هذا المجال".

وحذر من خطورة تحدق بالمسار الديمقراطي في الدولة سببه أن "تكون السلطة التنفيذية سواء رئيس الدولة أو الحكومة هي من تجتهد في تأويل النصوص الدستورية".

ويؤكد على أن "المسار الديمقراطي يحتاج إلى توافقات من كل الأطراف، ويحتاج إلى عمل جماعي، ولو تمسك أي طرف بصلاحياته وحاول فرضها على البقية في هذه المرحلة فسيترتب على ذلك مآلات خطرة على مسار الدولة بأكمله".

وطالب كل الأطراف أن "تترفق ببعض"، لأن "المسار الديمقراطي لا يزال هشا"، بحسب الغربي الذي قال: "البرلمان كله أحزاب صغيرة باستثناء النهضة وقلب تونس بأحجام متوسطة، والساحة السياسية فيها الكثير من المتغيرات، وهو ما دلت عليه الانتخابات الأخيرة بانقراض أحزاب كانت حاكمة".

وفي إطار السعي لحل الخلاف، رجح الغربي أن "يتم التوصل إلى الحل قبل انتهاء المهلة الممنوحة للفخفاخ (تنتهي الخميس المقبل)".


ويقول: "كل الأطراف ليس لها مصلحة بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، لأن الجميع يدرك أننا سنشهد نسبة عدم مشاركة عالية، وربما يفرز برلمانا أكثر تشتتا من الحالي، وربما تندثر بعض الأحزاب الممثلة الآن، وخاصة إذا ما تم إقرار عتبة لدخول البرلمان".

وعن كيفية تجاوز معضلة إشراك "قلب تونس" بالحكومة والتي تتباين وجهات نظر الرئاسة والنهضة حولها، فيقول: "المنظومة القديمة الممثلة في قلب تونس وجزء من المعارضة اليمينية خاصة الحزب الدستوري الحر ستظل موجودة في الساحة عبر اجتهادات وأشكال مختلفة".

ويرى بأن "إقصاء أي طرف عن المشهد السياسي يجب أن يبقى بيد الشعب"، مضيفا: "أن يتم إشراك بعض الناس القريبين من المنظومة القديمة وهم كثر ممن خدموا في الدولة سابقا وبينهم قريبون من قلب تونس سيساعد على تجاوز الإشكالات المطروحة حاليا في الساحة التونسية".

التعليقات (0)