كتاب عربي 21

العرب والإيرانيون: لماذا لا تتقدم المصالح على الأيديولوجيا؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
في الحادي عشر من شهر شباط/ فبراير من كل عام، يحتفل الإيرانيون بمناسبة الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وسقوط حكم الشاه رضا بهلوي، ووصول الإمام الخميني إلى سدة الحكم في إيران واقامة نظام الجمهورية الإسلامية، ومع هذه الاحتفالات السنوية تتجدد الأسئلة والإشكالات حول دور إيران في المنطقة والعالم، وأهداف المشروع الإيراني وموقف العرب من النظام الإيراني.

وينقسم العرب إلى قسمين: الأول يمجّد الثورة الإيرانية ونظامها، كونها وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية ودعمت قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وأنعشت دور الحركات الإسلامية في العالم، وقدّمت نموذجا سياسيا جديدا في العالم يرتكز على شعار الاستقلال والتحرر والاكتفاء الذاتي ويواجه المشروع الأمريكي- الإسرائيلي ويدعو إلى الوحدة الإسلامية.. والثاني يندد ويدين النظام الإيراني بحجة دوره التفجيري في بعض الدول العربية ووقوفه إلى جانب بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية كالنظام السوري، وتبني إيران للمذهب الشيعي وسعيها لنشر التشيع في العالم العربي، إضافة لإطلاق سلسلة اتهامات ضد إيران كونها تريد السيطرة على عدد من العواصم العربية وإقامة الامبراطورية الفارسية أو إعادة إحياء الدولة الصفوية أو استعادة دور المجوس، وأن إيران تستغل دعمها للقضية الفلسطينية ولقوى المقاومة في لبنان وفلسطين كي تسيطر على المنطقة، في حين أنها ترتبط بمصالح متبادلة مع أمريكا والكيان الصهيوني، وأن كل ما قامت به من خطوات لدعم الفلسطينيين كان غطاء لمشروعها المذهبي والفارسي والمجوسي والصفوي. (طبعا لن أناقش هنا مدى صحة أو عدم صحة هذه الاتهامات لأنه سبق الكتابة عنها، وهي تحتاج لنقاشات تفصيلية).

وبين وجهتي النظر هذه تضيع الحقيقة، ولا نستمع لتقييم موضوعي لكل التجربة الإيرانية في الحكم والمؤسسات والتطور العلمي والإنجازات العسكرية والتقنية والطبية والعلمية والثقافية، ويصبح الصراع القومي العربي- الفارسي أو الإيراني متقدما على كل المنطق الإسلامي والدعوة الإسلامية لتجاوز العصبيات والخلافات المذهبية.

وفي مقابل سعي بعض الدول العربية والمجموعات العربية المعادية للمشروع الإيراني لمواجهة الخطر الإيراني والاستعداد للتحالف مع أمريكا والكيان الصهيوني، بحجة الخوف من إيران ومشروعها المذهبي والقومي، نجد دولا إسلامية عريقة تبحث عن أشكال التعاون مع إيران، رغم بعض الخلافات السياسية أو الأمنية أو حتى المذهبية أحيانا، وهذا هو واقع الحال مع تركيا وباكستان وإندونيسيا وماليزيا وأفغانستان وطاجيكستان، وغيرها من دول إسلامية ترتبط بإيران بعلاقات قوية اقتصادية وسياسية وثقافية، وهناك تعاون بين بعض هذه الدول وإيران في المجالات الأمنية والعسكرية.

وأما على الصعيد العربي، فهناك دول تجاوزت كل الخلافات وارتبطت مع إيران بعلاقات قوية، كالجزائر وتونس وسلطنة عمان والكويت وقطر والأردن، في حين أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترتبط مع إيران بعلاقات اقتصادية قوية رغم الخلافات السياسية والخلاف التاريخي حول الجزر الثلاث.

وأما بقية الدول العربية فلكل منها حكاية وقصة على صعيد العلاقة مع إيران، سواء على مستوى الأنظمة أو الشعوب. ولن ندخل في تقييم تفصيلي لكل منها، لكن الأهم في كل ذلك أنه ليس صحيحا أن الجانب المذهبي أو الخلاف السياسي أو الأيديولوجي كان مانعا من قيام علاقات بين إيران والعديد من الدول العربية، وقد تكون المصالح الاقتصادية والتجارية وأحيانا السياسية هي الأساس لهذه العلاقات، وليس الخلاف القومي أو الأيديولوجي أو المذهبي. ولا بد من الإشارة إلى أن علاقات إيران أيام الشاه رضا بهلوي مع معظم الدول العربية كانت قوية وتصل إلى حد التحالف، في حين كانت المشكلة مع مصر أيام جمال عبد الناصر ومع العراق في بعض فترات حكم صدام حسين، وإن كان لاحقا حصل اتفاق بين إيران والعراق.

وفي الخلاصة أن أساس العلاقات بين الدول ليس بالضرورة أن تقوم على الخلاف الفكري أو المذهبي أو الديني أو حتى الأيديولوجي، بل إن كثيرا من الدول في العالم تجاوزت خلافاتها التاريخية والدينية وبحثت عن المصالح المشتركة فيما بينها، وهذا حال دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك العديد من الدول الآسيوية، وعلاقات إيران بتركيا وباكستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية نموذج لذلك.

وعلى ضوء كل ذلك، ألا تستحق العلاقات بين العرب والإيرانيين مقاربات جديدة قائمة على المصالح والحاجات بعيدا عن الخلافات المذهبية والأيديولوجية والقومية؟

هل من مصلحة الدول العربية الذهاب إلى صراع مفتوح أو حرب عسكرية مع إيران؟ ألم يخض العراق حربا لمدة ثماني سنوات مع إيران وأدت إلى تدمير البلدين، وكانت النهاية قبول الطرفين وقف إطلاق النار؟ ألا ندرك أن المستفيد الوحيد من إثارة المخاوف والهواجس بين الإيرانيين والعرب هم الأمريكيون والإسرائيليون وبعض الدول التي تريد بيع الأسلحة والسيطرة على مقدرات بلادنا؟

ألا يمكن اليوم البحث عن المصالح المشتركة بين العرب والإيرانيين والجلوس على طاولة الحوار لبحث كل الهواجس والمخاوف المتبادلة؟ ألسنا نسمع ما يقوله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن كيفية تعاطيه مع الحاكم والملوك العرب؟ ألا يشكل ذلك استفزازا لنا للبحث عن مصالحنا بعيدا عن الضغوط الأمريكية؟ ألا تشكل صفقة القرن التي تهدد كل الوجود العربي وليس فقط الفلسطينيين؛ دافعا لنا للبحث في كيفية تجاوز مشكلتنا مع إيران؟

القضية ليست بسيطة ولا تعالج بشطحة قلم، بل تحتاج للكثير من الجهود والمبادرات، سواء من الإيرانيين أو العرب، لكن على الأقل لنفكر ولو لحظة بطريقة جديدة أو برؤية مختلفة علنا نساهم جميعا بردم هذه الهوة السحيقة، وبذلك ننقذ انفسنا وبلادنا من هذه الحروب التي لا طائل منها، والتي كلفتنا آلاف المليارات من الدولارات ودمرت بلادنا وأدت لسقوط الملايين من الضحايا والجرحى وتهجير الملايين من أبناء هذه الأمة.
التعليقات (1)
سوري حر
السبت، 15-02-2020 12:31 م
يا أستاذ قاسم قصير أنت تعلم بأن الأنظمة العربية أو النسبة الأكبر منها على الأقل ضائعة ولا " أيديولوجيا " فعليا تحكمها ولا غيره، سوى ربما " أيديولوجيا " الصراع مع شعوبها للبقاء، واختراع كل الحجج والذرائع للاستمرار بالحكم، على فرض أن ذلك يمكن اعتباره " أيديولوجيا " يمكن مقارنتها بـ " الأيديولوجيا " الإيرانية المذهبية الحاكمة المبنية بالأساس على كراهية العرب والانتقام منهم ومما فعلوه بفارس، والتي لا يتوافق معها معظم الشيعة بالعالم كما تعلم ... وارجوك الا تفكر بأن تبنتها للقضية الفلسطينية هو تبرئة لها من هذا الادعاء بالمطلق، لأن تبنيها لهذه القضية ليس صحيحا، بدليل النتائج الكارثية التي نراها جميعا اليوم على الأرض، والتبني فعلياً هذا كان بمثابة " حصان طروادة " إذ تمكنت به ومن خلاله من تخريب واحتلال البعض من دولنا والسيطرة عليها.. أكثر الأنظمة العربية يا استاذنا الكريم لا تعرف ماذا تريد، ولا ماذا ستفعل غدا ، بسبب فشلها بكل شيء، وعجزها عن فعل أو تقديم أي شيء ذو منفعة لشعوبها، الا طرق وأساليب الموت الرخيص لمن ينتقدها أو يعارض سياساتها، ولو كان ذلك بأيدي غرباء مأجورين ، والموت قد يكون أفضل، وربما أرحم من العيش في ظل بعضها كما ترى ... فاذا كانت مشكلة الأنظمة العربية غياب الرؤية المستقبلية، ولا أقول الايدولوجيا، فالمشكلة في ايران أعقد واعمق من ذلك بكثير، اذ أنك اذا ما وقفت بالعقل والمنطق امام ايدولوجيتها ستجد فعلياً أنك أمام فكر " لاهوتي وثني " جنوني لا رابط له ولا علاقة لا بدين ولا بشرائع سماوية ولا قوانين ولا فلسفة، فحواها ومرادها الغاء هويتك وجعلك منقادا بلا عقل ولا إرادة..! ايران اليوم هي صاحبة أيديولوجيا عدمية مكتملة الأركان، وهي " الأيديولوجيا " ربما الأكثر قبحا وبشاعة في التاريخ الإنساني " ولاية الفقيه " التي سحبها الخميني في غفلة من الزمن من بطون الكتب السوداء المرمية في مزابل التاريخ المنسي، ولا ادري لماذا اختارها هي وليس غيرها، وما الذي استهواه بها وبغرابتها وشذوذها، الا اذا كان قد وجد فيها ما يشبع رغبته السادية بالانتقام ليس من العرب فقط ، وانما من الانسان كمخلوق عاقل وحر، ولذلك أرى أن المطلوب من ايران المبادرة في فتح صفحة جديدة بعد سحب كل الأسباب التي أدت لما نحن فيه وليس العرب، وعلى العرب عندئذٍ التفاعل الجدي معها..

خبر عاجل