مقابلات

بهي الدين حسن: هذه سيناريوهات الفوضى والانقلابات بمصر

حسن قال إن "هناك دوائر غربية بدأت تخشى من أن ممارسات السيسي ستعجل بكابوس سوري مُضاعف في مصر وللغرب"- عربي21
حسن قال إن "هناك دوائر غربية بدأت تخشى من أن ممارسات السيسي ستعجل بكابوس سوري مُضاعف في مصر وللغرب"- عربي21

* العمليات الإرهابية في سيناء تراجعت من حيث العدد لكن ارتفعت قدرة داعش على القتل

 

* عجز السيسي عن قهر بضعة مئات من الإرهابيين في 6 سنوات سبب إضافي لتراجع شعبيته داخل الجيش

 

* سامي عنان مازال هو أكثر المرشحين لرئاسة الجمهورية خطورة على استفراد السيسي بالحكم

 

* عنان تعرض لمحاولة اغتيال منذ نحو عام في مستشفى عسكري نُقل إليها بعد مروره بأزمة صحية حادة

 

المعارضة السياسية في مصر في أضعف حالاتها منذ أكثر من نصف قرن

 

* التحالف بين المعارضة العلمانية والإسلامية ليس "حلا سحريا" وليس هناك تنسيق بينهما لا في الداخل ولا الخارج

 

* حدّة النقد الدولي لجرائم حقوق الإنسان بمصر في تصاعد خاصة خلال العام المنصرم

 

* قناعة المجتمع الدولي بقدرة نظام السيسي على الخروج من الأزمة الاقتصادية تتراجع يوما بعد يوم

 

* دوائر غربية بدأت تخشى من أن سياسات وممارسات السيسي تعجل بكابوس "سوري" مُضاعف في مصر وللغرب

 

* فوز الديمقراطيون بانتخابات الرئاسة المقبلة سيكون له تأثير إيجابي على الموقف الأمريكي الكلي من السيسي

 

* آمل ألا يلقى السيسي نفس مصير القذافي وأتمنى أن يعيش ليُحاكم في محاكمة عادلة محليا أو دوليا

 

 

كشف مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، أن بعض الدوائر الغربية "بدأت تخشى من أن سياسات وممارسات الرئيس عبدالفتاح السيسي لا تمنع انزلاق مصر نحو الفوضى وإلى سوريا أخرى، بل أدركوا أن تلك السياسات قد تعجل بكابوس سوري مُضاعف حجما في مصر والدول الغربية".

 

وقال في الحلقة الثانية وهي الأخيرة من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، إن "هناك انقلابا ناعما يجري داخل أروقة السلطة المصرية الحاكمة"، لافتا إلى أن "إبعاد محمود نجل السيسي إلى روسيا، وعودة بعض كبار قادة الجيش السابقين للمشهد العسكري، والإفراج عن الفريق سامي عنان، مؤشرات ودلائل على هذا الانقلاب".

وأكد الحقوقي البارز أن الإفراج عن عنان، الذي قال إنه كان وربما مازال أكثر المرشحين لرئاسة الجمهورية خطورة على استفراد السيسي بالحكم وبالانتخابات الرئاسية، جرى على الأرجح على غير رغبة السيسي.

كما تطرق حسن إلى ما وصفه بسيناريوهات الفوضى والانقلابات الناعمة والخشنة بمصر، مشدّدا على أن "مكانة السيسي داخل الجيش، خاصة بين الرتب الدنيا والوسطى، قد تعرضت لضرر جسيم أشك أنه يمكن مداواته، وهذا قد يفسر تصريح الصحفي المُقرب من قيادة المؤسسة العسكرية، ياسر رزق، بأن السيسي ربما لن يستمر رئيسا بعد 2024".

ونوّه إلى أن "شعبية السيسي تعرضت لانهيار كبير خلال العامين الأخيرين، خاصة عقب فداحة اللطمة التي وجهها له المقاول محمد علي فيما يتصل بنزاهته ونظافة يده هو وأسرته"، مشيرا إلى أن "عجز الجيش المصري عن قهر بضعة مئات من الإرهابيين في سيناء، سبب إضافي لتراجع شعبية السيسي داخل المؤسسة العسكرية".

وبسؤاله عن تصوره لنهاية السيسي، أشار حسن إلى أن "مسؤولا أمريكيا سبق أن أجاب عن سؤال مشابه بقوله إن (الجيش الذي أتى بالسيسي رئيسا، هو الذي سيخلعه). ولكني آمل ألا يلقى نفس مصير القذافي، بل أن يعيش ليُحاكم في محاكمة عادلة في مصر أو دوليا، يتعلم منها جميع المصريين من أجل مستقبل بلدهم".

وتاليا نص الحلقة الثانية وهي الأخيرة من المقابلة الخاصة:

 

كيف تابعت وفاة المواطن المصري الأمريكي مصطفى قاسم داخل محبسه؟ وما تقييمك لرد الفعل الأمريكي على الوفاة؟

 
من المحزن التلقي بشكل متواتر أنباء الوفيات/ القتلى المتوالية داخل السجون/ المقابر المصرية. هذه سياسة متعمدة لإرهاب المصريين، بحيث يستسلمون تماما لحكم الحديد والنار الذي تمارسه فئة عسكرية محدودة تحكم مصر وتنهبها تحت تهديد السلاح.

لقد ثارت الحكومة والكونجرس والإعلام في أمريكا، لأن مصطفي قاسم المواطن الأمريكي/ المصري المسلم، توفي في سجون مصر بعد اتهامات مُلفقة ومعاناة هائلة وإهمال متعمد ومتكرر. هذا درس مهم جدا أن يتعلمه المصريون: القيمة السامية للإنسان الفرد، حتى لو كان مزدوج الجنسية، وحتى لو كان دينه مختلفا عن دين الأغلبية الساحقة في أمريكا. الدفاع عن الإنسان الفرد هو خط الدفاع الأول عن الدولة وعن كرامتها، والعكس صحيح. فالدول التي تبرر سحق الفرد برفعة الدولة مثل مصر/ السيسي، هي دول ومواطنوها في ذيل دول العالم في كل مؤشرات التقدم الإنساني والعلمي والحضاري. 

بالمناسبة، لقد قرأت في إحدى الصحف أن الأمريكي الذي قتل في هجمة لإحدى المليشيات العراقية التابعة لإيران، وردت عليها أمريكا بهجمة مضادة قتلت فيها عددا كبيرا من أعضاء الميليشيات، ثم باغتيال قاسم سليماني وقائد إحدى هذه الميليشيات، هو مواطن أمريكي عراقي مسلم.

لماذا لم تتدخل واشنطن بقوة للإفراج عن المعتقلين المصريين الأمريكيين على غرار ما حدث مع الحقوقية آية حجازي؟


هناك أيضا الحقوقي محمد سلطان الذي أفرج عنه السيسي عندما كان أوباما رئيسا. هناك أيضا ضغوط أمريكية متواصلة للإفراج عن آخرين، وأتوقع أن وفاة/ مقتل مصطفى قاسم ستعجل بالإفراج عنهم.

وصفت الإفراج عن الفريق سامي عنان بأنه "انقلاب ناعم".. فما هي أبعاد هذا "الانقلاب الناعم"؟


هذا ليس بجديد، فتاريخ حكم العسكريين في مصر هو تاريخ التقلب بين انقلابات ناعمة وخشنة. لكن الإعلام ليس مسموحا له سوى بنشر بعض الحقيقة حول الانقلابات الخشنة فقط، وفقط من منظور المنتصر فيها. هذا ما تابعناه خلال انقلاب ناصر الخشن على محمد نجيب 1954، ثم انقلابه في 1967 على عبد الحكيم عامر و"استنحاره"، ثم انقلاب مراكز القوى على السادات 1971، ثم اغتيال عسكريين للسادات وسط جيشه.


بين هذه الانقلابات الخشنة جرت عشرات الانقلابات الناعمة، التي نجم عنها تغير محدود في طابع علاقات القوى بين الركائز الرئيسية الثلاث لنظام 23 تموز/ يوليو المستمر معنا حتى الآن.

الركائز المتصارعة هي الجيش، والأجهزة الأمنية، ورئيس الجمهورية المُزكى من الجيش. حتى هزيمة حزيران/ يونيو 1967 ثم حسم الصراع الدامي بين عبدالحكيم عامر وجمال ناصر، كان المكون العسكري في الأجهزة الأمنية هو المسيطر.

ومنذ 1968 صار المكون المدني للأجهزة الأمنية (أي وزارة الداخلية) هو المهيمن بشكل تدريجي داخل البلاد، من أجل إيجاد عنصر توازن مع الطموح السياسي الانقلابي للجيش والمخابرات. ذلك كان أحد أهم أسباب "انقلاب" الجيش على مبارك عشية 25 يناير. ومنذ 11 شباط/ فبراير 2011 جرى بشكل تدريجي تعديل علاقات القوى مرة أخرى داخل الأجهزة الأمنية لصالح المكون العسكري على حساب الشرطة، ومع تولي السيسي الحكم اكتملت عملية العودة إلى ما قبل 1967.

وفي المشهد الأخير لوحظ أنه قد جرى الإفراج عن الفريق سامي عنان دون قرار أو حتى تفسير رسمي مُعلن، ولم يُصدر السيسي عفوا صحيا ولا سياسيا عنه، بل قيل لأسرته أن يحضروا لاصطحابه للمنزل. الأمر الذي ترك - إلى جانب تطورات أخرى متوالية سأشير إليها- فجوة كبيرة استدعت تفسيرات متعددة. أحدها هو أن انقلابا ناعما يجري في أروقة السلطة الحاكمة.

فالفريق عنان ليس سجينا مثله كعشرات الألوف الآخرين من السجناء السياسيين المصريين؛ فهو رئيس أركان سابق للقوات المسلحة التي تحكم البلاد منذ تموز/ يوليو 1952، وأحد حكمائها الذين بدأوا يدركون مخاطر توغل الجيش في السياسة. وكان قبل القبض عليه -وربما مازال- أكثر المرشحين لرئاسة الجمهورية خطورة على استفراد السيسي بالحكم وبالانتخابات الرئاسية.

والمعروف على الصعيد الشخصي أن السيسي يمقته، بل هناك شائعات جرى تداولها منذ نحو عام بأن عنان تعرض لمحاولة قتل في مستشفى عسكري، نُقل إليها بعد مروره بأزمة صحية حادة. لكل ذلك، المرجح أن الإفراج جرى على غير رغبة السيسي.

وبالتوازي مع الإفراج غير المرغوب فيه، جرى دون مقدمات إخراج عدد من كبار القادة العسكريين من ثلاجة التحفظ التي ألقاهم فيها السيسي خلال العامين الماضيين. على رأس هؤلاء الفريق محمود حجازي قائد الأركان السابق، والفريق أسامة عسكر الذي أُسند إليه رئاسة هيئة العمليات، وهو أهم ثالث منصب في القوات المسلحة. بالتوازي مع ذلك جرى إبعاد محمود السيسي من مركز القوة في المخابرات العامة إلى روسيا.

البعض يتحدث عن استراتيجية جديدة يتبعها السيسي لاحتواء مناوئيه داخل الجيش والمخابرات، وكذلك مستقبلا مع بعض القوى المدنية التي قد يعقد معها صفقات انتخابية وسياسية لاحقا.. فكيف ترى تلك الاستراتيجية؟ 


ليست هذه استراتيجية جديدة، فالمزج بين إبعاد واحتواء المناوئين داخل الجيش والمخابرات، وإدارة الصراع السياسي مع الطموحين منهم هو القانون الحاكم للعلاقة اليومية بين الرئيس (ذو الخلفية العسكرية) وبين الجيش والمخابرات منذ تموز/ يوليو 1952. والنسبة بين إجراءات الإبعاد والاحتواء تتغير في ظل حكم الرئيس الواحد، وفقا لعلاقات القوى والشعبية لدى الرأي العام وداخل الجيش.

ونظرا للانهيار الكبير الحادث في شعبية السيسي خلال العامين الأخيرين، ثم فداحة اللطمة التي وجهها له المقاول محمد علي فيما يتصل بنزاهته ونظافة يده هو وأسرته، فإن مكانته داخل الجيش وخاصة بين الرتب الدنيا والوسطى قد تعرضت لضرر جسيم أشك أنه يمكن مداواته. هذا قد يفسر تصريح الأستاذ ياسر رزق الصحفي المُقرب من قيادة المؤسسة العسكرية بأن السيسي ربما لن يستمر رئيسا بعد 2024.

ولا توجد مؤشرات على صفقة مع قوى مدنية، ولا أتوقع أن يحدث ذلك تحت حكم السيسي. أظن أن المتداول هو البحث في احتمال تكبير دور الكومبارس الذي يؤديه المكون المدني الذليل داخل نظام السيسي في البرلمان والإعلام، والإنصات لنصائح ذات صلة صادرة عن بعض مراكز البحوث التابعة للمخابرات.

السيسي أكد مؤخرا أن القوات المسلحة تتحمل مسؤولية الحفاظ على "المسار الدستوري" والحفاظ على "مدنية الدولة" وديمقراطيتها طبقا للدستور.. فهل تتوقع أن يكون السيسي قد كتب نهايته بيده بعدما أقر تلك التعديلات الدستورية الأخيرة، التي تدستر شرعية تدخل الجيش في الحياة السياسية، بزعم حماية "مدنية وديمقراطية الدولة"، كما يقول البعض؟


لا أظن أن السيسي كان يملك خيارا آخر، فالجيش هو مركز القوى الرئيسي في حكم مصر منذ تموز/ يوليو 52. وقد نشرت مقالا تحليليا في حينه حول هذا الموضوع في أيار/ مايو العام الماضي.

هل تتوقع أن يراجع النظام مواقفه وسياساته في الوقت المناسب وقبل أن يواجه "ثورة جديدة" أو "فوضى عارمة"؟


أتمنى ذلك من أجل صالح مصر والمصريين، ولكن ليس هناك مؤشرات على ذلك بعد.

إلى أي مدى نجحت "العملية الشاملة" التي يشنها الجيش في سيناء منذ 9 شباط/ فبراير 2018؟


للأسف التقدم محدود للغاية؛ فوفقا للتقارير الدولية عام 2019، فإن العمليات الإرهابية قد تراجعت من حيث العدد، ولكن قدرة داعش في سيناء على القتل ارتفعت. بالطبع لا يجب أن ننسى أن المدنيين المصريين في سيناء هم الضحية الرئيسية للإرهاب ولمحدودية قدرة الجيش على هزيمته، وطيش بعض ضرباته لتصيب أبرياء أو تهدم منازلهم، فضلا عن عمليات التهجير القسري لهم.

جدير بالذكر أن كثيرا من التحليلات الدولية تعرب عن دهشتها لعجز أكبر جيش في العالم العربي، وثالث أكبر مستورد للسلاح في العالم، عن قهر بضعة مئات من الإرهابيين على مدار 6 سنوات، ورغم -أيضا- دعم الطيران والمخابرات الإسرائيلية. هذا سبب إضافي لتراجع شعبية السيسي داخل الجيش.

بحكم كونك حقوقيا بارزا يُفترض مراقبته لحالة الحاكم والمعارضة.. كيف تقيم حالة المعارضة المصرية بعد 9 سنوات من ثورة يناير ونحو 6 سنوات ونصف من انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013؟ وإلى أين تتجه مستقبلا؟


المعارضة السياسية في مصر في أضعف حالاتها منذ أكثر من نصف قرن، تحديدا منذ شباط/ فبراير 1968 حين وُلدت المعارضة السياسية الداعية للديمقراطية في أعقاب أكبر هزيمة عسكرية للجيش قبل ذلك الوقت بثمانية شهور.

ومستقبل المعارضة يتوقف على قدرتها على استخلاص دروس هزيمتها غير المسبوقة التي بدأت مؤشراتها تلوح منذ 12 شباط/ فبراير 2011، وليس منذ 3 تموز/ يوليو 2013. خلال 9 سنوات فقدت المعارضة ليس فقط رصيدها في الـ 18 يوما، بل رصيدها الذي راكمته خلال نصف قرن.

في هذا السياق، لا أتصور أن تحالفا بين ما يسمى بمعارضة علمانية وإسلامية يمكن أن يكون حلا سحريا لأزمة بهذا العمق. البعض يظن أن الافتراق بينهما بدأ في 30 حزيران/ يونيو 2013، ولكني أعتقد أن العلاقة بينهما كانت تتراوح تاريخيا بين التنافر والمرارات واختلاف الرؤى والشكوك المتبادلة، باستثناء بضعة أيام بين 28 كانون الثاني/ يناير و11 شباط/ فبراير 2011. بعد ذلك بدأ الافتراق في الرؤى يطغى، خاصة منذ آذار/ مارس 2011 مع الإعلان الدستوري الأول، ثم تعمد الافتراق بالدم في معارك الشوارع والميادين في محمد محمود وماسبيرو، وغيرها، التي تغيب عنها الإخوان أو حمّلوا العلمانيين أو الأقباط مسؤوليتها.

أما ضربة التحضير لـ 30 حزيران/ يونيو، فقد بدأت في حقيقة الأمر في اليوم التالي لإصدار الرئيس الراحل محمد مرسي إعلانا دستوريا آخر من وراء ظهر مستشاريه ونائبه، قبل أن يكون من خلف ظهر المعارضة العلمانية. إلى أن اختنقت العلاقة بينهما بدم رابعة والمذابح الأخرى التي تلت انقلاب 3 تموز/ يوليو، لتطغى على الخلافات الأكثر عمقا وتأثيرا في سلوك ومواقف الطرفين.

جدير بالملاحظة أن إعادة تقييم هذه الأمور داخل كل تيار تواجه عقبات كثيرة بدرجات متفاوتة، غير أنها أكثر صعوبة داخل الإسلاميين. هذا لا يعني أن التنسيق مستحيل، لكنه يتطلب جهدا أدبيا وأخلاقيا ومعرفيا، لست متأكدا أن أي من الطرفين مستعد لبذله في اللحظة الراهنة.

ولذلك، فإن العامل الجغرافي بين الخارج والداخل محدود الأهمية والتأثير على تفاعل وتطور المعارضة، فالطرفان لا ينسقون أو يتحالفون لا في الداخل ولا الخارج.

هل وثيقة "التوافق المصري" التي أعلن عنها الفنان والمقاول محمد علي قد تساهم في توحيد المعارضة على اختلاف أطيافها؟


في سياق تقييمي لوضع المعارضة في الإجابة عن السؤال السابق، تبدو صعوبة مهمة الأستاذ محمد علي. فالحكم على الوثيقة التي أصدرها لا يقف عند نصها، بل يتجاوزه ليتساءل عن قدرتها على تحريك هذا الوضع المتأزم لعقود. بالطبع قد يمكنه تحريك المياه الراكدة بعيدا عن الطرفين (العلمانيين والإسلاميين)، ودون الاستعانة المباشرة بهم، على النحو الذي فعله من قبل في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، لكن ليس هذا ما يأخذه "محمد علي" على عاتقه الآن.

كيف تقيم الموجة الثانية من الربيع العربي التي شهدناها خلال العام 2019؟


الموجة الثانية من الربيع العربي تؤكد أن الأسباب الأعمق التي أطلقت الموجة الأولى منه هي أكثر رسوخا مما تظن بعض الأطراف والقوى الإقليمية والدولية، وأن الشعوب تتعلم من إخفاقاتها ومنجزاتها، وأن الربيع العربي سيتواصل برغم المقاومة الدامية من الحكام وبعض الأطراف الإقليمية. السؤال هو متى يصل الربيع العربي بالمنطقة إلى بر الأمان، وبأي ثمن؟

السيسي أكد مؤخرا استمرار جهود السلطات المصرية للكشف عن ملابسات قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني للوصول إلى الجناة وتقديمهم للعدالة.. لماذا لم تعلن السلطات المصرية بشكل نهائي عن نتائج وملابسات تلك القضية والمتورطين فيها حتى هذه اللحظة؟

ولن تُعلن؛ فالمسؤولين عن تعذيب وقتل چوليو ريچيني رؤوس كبيرة لا يمكن التضحية بها، وبعضها قد ينتقم بالكشف عن جرائم رؤوسا أكبر.

كيف تتصور نهاية السيسي بين سيناريو حسني مبارك أم زين العابدين بن علي أم محمد مرسي أم أنور السادات؟


سبق أن أجاب مسؤول أمريكي على سؤال مشابه، بأن الجيش الذي أتى بالسيسي رئيسا، هو الذي سيخلعه. آمل ألا يلقى نفس مصير القذافي، بل أن يعيش ليُحاكم في محاكمة عادلة في مصر أو دوليا، يتعلم منها جميع المصريين من أجل مستقبل بلدهم.

قدمت نحو 130 دولة توصيات وملاحظات على ملف مصر الحقوقي خلال الجلسة 34 للاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة، وتجاوز عدد التوصيات والملاحظات 360 ملاحظة، مقارنة بنحو 300 ملاحظة وتوصية في الاستعراض السابق عام 2014. كيف تقيم ما جرى بخصوص مناقشة الملف المصري في الاستعراض الدوري الشامل؟     

كانت عملية الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي في الأمم المتحدة أشبه بمحاكمة لجرائم نظام السيسي التشريعية وفي الممارسة. الأرقام ليست هي المؤشرات الأهم، الأكثر أهمية ودلالة هو نوعية التوصيات وحدة اللغة المستخدمة في صياغتها، ووقوف عدد من أهم الدول ذات الثقل خلفها، وفشل الوفد الحكومي المصري في الدفاع عن الملف.

هذا كان اختبارا مهما لمدى فاعلية الحركة الحقوقية المصرية المستقلة ولقدرتها على تقديم ملف موثق مضاد، رغم تعرضهم لسنوات لنيران الاعتقال والإخفاء والإغلاق والتحفظ على الأموال والممتلكات والمنع من السفر والتهديد بالقتل.

كان اختبارا أيضا لقدرتها على التنسيق الفعال بين مكونات الحركة الحقوقية المستقلة في الداخل والخارج، ومع المنظمات الدولية والدول أعضاء الأمم المتحدة. لما كان العمل الحقوقي يعتمد على التأثير التراكمي، لذا فإن النتيجة التي تحققت في تلك المحاكمة، هي ليست وليدة يوم المحاكمة، بل نتيجة للدور التراكمي المتواصل للمنظمات الحقوقية المستقلة المصرية والدولية قبل الاستعراض الدوري، كما أنها تؤسس لتراكم تصاعدي آخر يتواصل بعده.

في العمل الحقوقي؛ أحد أهم ركائز النجاح لطرف والفشل لطرف آخر هي المصداقية وعدم المصداقية. وكلاهما لا يصنع في اجتماع أو مناسبة ما، لكنه حصيلة تراكم في علاقات ممتدة ومتشعبة تنطوي بدورها على عملية تقييم وإعادة تقييم على ضوء التطورات وسلوك هذه الأطراف إزاءها.

في يوم المحاكمة 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وقف الطرفان بمواجهة بعضهما، أحدهما خلفه تاريخ من الصدق والمعلومات الموثقة وتبنى صوت الضحية، والطرف الآخر صوت الجلاد، الذي خلفه تاريخ من الكذب والملاوعة والتلاعب بالحقائق مع المجتمع الدولي، فضلا عن نهر لا يتوقف من الدماء والمعاناة.

هل ترى أنت هناك تصاعدا في مستوى الانتقادات الدولية لانتهاكات نظام السيسي؟ وإلى أي مدى أنت راض عن مواقف المجتمع الدولي من دعم نظام السيسي؟


من الملاحظ تصاعد حدّة النقد الدولي لجرائم حقوق الإنسان في مصر، خاصة العام الأخير. يرجع هذا لسببين؛ أولهما هو تزايد إدراك المجتمع الدولي لطبيعة المشكلة، ومن ناحية أخرى فشل نظام السيسي في تقديم مبررات مقنعة لاستمرارها، بل وتفاقمها على مدار 6 سنوات.

من ناحية أخرى، تتراجع يوما بعد يوم قناعة المجتمع الدولي بقدرة نظام السيسي على الخروج من المأزق الاقتصادي الكبير الذي يواجهه والمرشح للتفاقم بحدة أكبر.

لقد نجح السيسي في أن يبيع للغرب لسنوات أنه يحكم مصر بالحديد والنار، كي لا تتحول إلى سوريا أخرى، لكن بعض الدوائر في الغرب بدأت تخشى من أن سياسات وممارسات السيسي لا تحول، بل قد تعجل بكابوس "سوري" مُضاعف في مصر وللغرب. وهذا ما حذرت منه مجلة الإيكونوميست العام الماضي.

هل تعتقد أن أمريكا وأوروبا أدركوا خطر دعمهم للسيسي أم لم يدركوا بعد؟


المسألة بالنسبة للتفاعلات في أمريكا مختلفة. فخلافا لأوروبا، نحن إزاء إدارة أمريكية منقسمة على نفسها في كل قضية كبيرة تقريبا. ليس فقط بين إدارة ترامب والكونغرس، بل كذلك بين مجلسي الكونغرس، وداخل البيت الأبيض. ربما تكون المرة الأولى التي يختلف فيها وزير الدفاع مع رئيس الجمهورية علنا مرتين خلال خمسة أيام، وفي وقت تقف فيه الدولة على شفا حرب محتملة مع إيران هذا العام، وبرغم أن الوزير حديث العهد بالوزارة بعد خلافات مريرة لسلفه مع ترامب.

لذلك، ليس مدهشا أن يمدح ترامب هازئا بالسيسي باعتباره ديكتاتوره المفضل، بينما تتعرض انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان لانتقادات حادة في الأسبوع ذاته في الكونغرس وعلى لسان أحد كبار المسؤولين في خارجية ترامب، وبعد ذلك بلسان وزير الخارجية ذاته. وبالطبع إذا فاز الديمقراطيون في انتخابات الرئاسة سيكون له تأثير إيجابي على الموقف الأمريكي الكلي من السيسي.

التعليقات (1)
جمال الجزائر
الجمعة، 17-01-2020 02:01 م
وهل فيه معارضة علمانية؟ في الحقيقة فيه كمشة من العملاء الذين يدينون بالولاء الأعمى للغرب على حساب مصالح شعوبهم. أصبحوا كالسرطان الذي ينخر جسد الوطن العربي. فتبا لهم والى مزبلة التاريخ.