قضايا وآراء

جامعة أفريقيا العالمية

محمد الأمين محمد عثمان
1300x600
1300x600
ما تزال سلطة الحكم الانتقالي التي أعقبت سقوط حكم الرئيس السابق عمر البشير تتخبط المسير، وسط غير قليل من الضجة والجدل والاضطراب. ولعله من نافلة القول أن تعامل السلطات الجديدة مع العديد من الملفات قد اتسم بقصر النظر والتركيز على تحقيق أهداف سريعة، دون النظر في جدوى هذه الخطوات وآثارها الاستراتيجية والطويلة المدى.

* * *

وقد تبدت هذه الإشكالية بوضوح في خطوات ما تطلق عليه حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك "إزالة التمكين" وإزالة مؤسسات حكم الإنقاذ "البائد".

فقد أثارت هذه الخطوات غبارا كثيفا، حيث تم إيقاف إذاعات محلية مخصصة لبث القرآن الكريم عن البث لعدة أيام خلال الأسبوع الماضي، قبل أن تتراجع السلطات التنفيذية وتقدم روايتين متناقضتين حول حقيقة ما جرى، في ظل تصاعد استنكار الراي العام لهذه الخطوات.

لكن ذات هذه الخطوات تواصلت وتسببت في تعطيل أعمال انعقاد مجلس أمناء جامعة أفريقيا العالمية الدورية في الخرطوم، مع تشكل دخان كثيف حول مستقبل هذه المؤسسة التعليمية، واحتمالات التضييق عليها وإغلاقها أو خروجها من السودان.

فقد خاطبت وزيرة التعليم العالي السودانية إدارة الجامعة قبل أقل من يومين من انطلاق المؤتمر، ومع بداية وصول أعضاء وضيوف المؤتمر من خارج السودان، بتوجيه الدولة "بتأجيل تاريخ عقد اجتماع مجلس الأمناء لهذه الدورة لحين النظر في اتفاقية المقر ومرجعيتها ومراجعة تكوين مجلس الأمناء".

وبطبيعة الحال استغربت إدارة الجامعة هذه المخاطبة، خاصة وهي كانت قد سبق وأن تسلمت الكلمة الرسمية لوزيرة التعليم العالي التي كانت ستلقيها في الجلسة الافتتاحية، وقد سبق ذلك تواصل اجتماعات بين الجامعة والسلطات السودانية ممثلة في شخص الوزيرة، وكذلك لقاء برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وموافقته على أن يكون راعيا للجامعة ومؤتمرها.

وهذه التطورات زادت من الإحساس المتنامي بالاستهداف الممنهج تجاه المؤسسات المختلفة ذات الخلفية الإسلامية في السودان خلال الفترة الأخيرة، بالرغم من أن بعض هذه المؤسسات المعروفة موجودة منذ عقود عدة.

فالجامعة التي ظهرت إلى حيز الوجود عام 1991م إنما كانت امتدادا وتطورا لمؤسسات تعليمية إسلامية سابقة ظلت تتطور وتتوسع خلال العقود الستة الماضية. فقد كانت البذرة الأولى متمثلة في المعهد الإسلامي الأفريقي في 1966م، والذي احتضن طلاباً أفارقة في المرحلتين المتوسطة والثانوية، والذي من بعد انتقل إلى المركز الإسلامي الأفريقي في العام 1977م بمبادرة من حكومة السودان أطلقتها عام 1972م واستجابت لها كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، والكويت، وليبيا، وقطر، والإمارات، والمملكة المغربية.

وقد اشتهر المركز الإسلامي الأفريقي الذي سبق وأن أدارته شخصيات معروفة، مثل الدكتور الطيب زين العابدين من السودان والدكتور إبراهيم بن محمد أبو من المملكة العربية السعودية؛ اشتهر بأنه صار قبلة لكثير من الطلاب الأفارقة المسلمين لتلقي علوم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وبصورة خاصة من مناطق القرن الأفريقي ووسط وغرب أفريقيا.

وقد بلغ سجل إنجاز الجامعة مبلغا يشار إليه بالبنان، حيث وصل إجمالي خريجي الجامعة لنحو 33 ألف خريج، من حوالي 84 جنسية مختلفة، ثلثهم نالوا درجة البكالريوس مع عدد من الحاصلين على الدبلومات الوسيطة ودرجات الماجستير والدكتوراة.

وإن كانت الجامعة قد ركزت في المقام الأول على نشر اللغة العربية وثقافاتها وعلومها للناطقين بغيرها، لكن كلياتها كذلك تدرس مختلف التخصصات العلمية والحياتية، والتي أعانت الطلاب على رفعة وتقدم مجتمعاتهم المحلية في بلدانهم. فالجامعة تضم الكليات العلمية من طب وصيدلة وتمريض وطب الأسنان، والهندسة في تخصصات الحاسوب والاتصالات والنظم والتحكم وهندسة القدرة الكهربائية، إضافة الى الاقتصاد والعلوم الإدارية والسياسية والشريعة والقانون والإعلام، وعلوم ودراسات الحاسوب ونظم وتقنية المعلومات، والتربية والآداب،

إضافة إلى نحو 11 معهدا وكلية تتوزع بين كينيا والصومال وزنجبار وغانا ونيجيريا والصين؛ تدرس اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وعلوم التربية والتعليم، بجانب معهد اللغة العربية في الخرطوم الذي يعد من المعاهد المتميزة في تعليم اللغة العربية للناطقين بها وبغيرها.

ومن أميز مراكز الجامعة مركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي، والذي تولى العمل على إعادة المكانة التي فقدها الحرف العربي في كتابة لغات الشعوب الإسلامية، وغيرها من اللغات واللهجات المحلية في السودان وأفريقيا.

ولعل من الإنجازات الكبيرة للجامعة قناة العالمية التلفزيونية وإذاعة أفريقيا التي تبث من داخل كلية الإعلام بجامعة أفريقيا، عبر أثير موجات الإف إم وشبكة الإنترنت، بتسع لغات أفريقية من ضمنها لغة الهوسا والسواحيلية.

وقد توزع خريجو الجامعة على مختلف دول القارتين الأفريقية والآسيوية، وبحكم غلبة الفقر والجهل وغياب التنمية في كثير من المجتمعات الأصلية لهؤلاء الطلاب، فلقد شكلت لهم فترتهم الدراسية نقلة نوعية مكنت الكثير منهم من تبوؤ مناصب ومسؤوليات متقدمة لم تكن متاحة في الماضي.

ولعل الكثيرين لمسوا أثر الجامعة الذي ظل كثير منه غائبا عن الرأي العام، عبر تواتر العديد من الشهادات المصحوبة بالذكريات خلال الأيام الفائتة، منافحة ومدافعة عن الجامعة في وجه ما بدا أنها حملة جائرة عليها تتجاوز مجرد المراجعات الطبيعية الإدارية.

فقد نقل الكاتب السوداني عصام بطران عن أحد مدراء التعليم بعاصمة جزر القمر، والذي اشتهر باسم "امباي السوداني" أن العديد من الشخصيات بينهم رؤساء حكموا جُزر القمر الأربع، ووزراء سابقون وحاليون ومدراء بالخدمة المدنية والتعليم؛ هم من خريجي المركز الاسلامي وجامعة أفريقيا العالمية. وزاد أن السيد محمد عبد الوهاب، حاكم جزيرة القمر الكبرى، كانت إحدى أمانيه تعلم اللغة العربية في جامعة أفريقيا العالمية، وقد كان له ذلك بعد انقضاء فترة رئاسته لحكومة الجزيرة، وحضر طالبا بمعهد اللغة العربية لمدة تجاوزت العام.

وتعددت الأمثلة وبصورة خاصة من القرن الأفريقي، ولكن من أطرفها معهد البروج الذي أسسه خريج الجامعة الأستاذ عبد الباعث مختار في منطقة جبارا بإندونيسيا، وقد سمى داخليات سكن الطلاب بأسماء مدن الخرطوم وأم درمان. وأقام في المعهد احتفالا باليوم الوطني لاستقلال السودان، باعثا بالتهاني من أقصي جنوب شرق آسيا إلى السودان.

ولذلك لم يكن من المفاجئ أن تنال جامعة أفريقيا العالمية جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2019م/1440ه.

ومن المهم الإشارة إلى أن استضافة طلبة العلم من الأقطار الأفريقية في واقع الأمر لم يكن أمرا طارئا أو مستحدثا، حيث يستند إلى جذور ضاربة في تاريخ بلاد السودان. فالقطر الجيوسياسي السوداني الحديث بالأساس جزء من "السودان الجغرافي" الذي يمتد من البحر الأحمر شرقا حتى شواطئ الأطلسي في غرب أفريقيا. وقد ظل هذا الشريط الجغرافي جنوب الصحراء الكبرى طريقا مفتوحا لحركة الحجيج في طريقهم إلى الحجاز، وكذلك الهجرات المتواصلة لمختلف المجموعات السكانية بحثا عن الماء والكلأ. وكل ذلك نتج عنه الاستقرار بمناطق مختلفة من السودان خاصة على ضفاف النيلين ونشوء العديد من مراكز العلم وخلاوي القرآن المرتبطة بمختلف الطرق الصوفية المنتشرة في السودان، وربما بصورة خاصة الطريقة التيجانية التي ربطت أهل السودان وجدانيا بالمغرب العربي وغرب أفريقيا. وبطبيعة الحال شكّل ذلك جسرا ثقافيا وحضاريا يجعل السودان بمثابة بوابة الشمال الأفريقي والمشرق العربي بهويته الثقافية والدينية إلى عمق القارة الأفريقية.

وغني عن القول أن كل هذا الزخم في عالم اليوم يشكل مصدرا للقوة الناعمة لدولة السودان وشعبها في القارة الأفريقية، مثلما شكلت مؤسسات أخرى نالت شهرة وصيتا أكبر، كالأزهر الشريف. ومن العجيب أن ذات حكومة الحكم الانتقالي التي ساهم في ولادتها وتشكلها الوسطاء الأفارقة من إثيوبيا وتشاد وموريتانيا، وأسهبوا في ذكر مناقب أهل السودان وفضلهم، ذات هذه الحكومة وضعت الآن هذه الجامعة ومؤسساتها في نصب أعينها من أجل ما تراه تجريفا وتجفيفا لما تصفه بمراكز قوى وتمويل النظام السابق، رغم أن الجامعة لها وضع قانوني مختلف يميزها عن مؤسسات التعليم السودانية الأخرى، بحكم اتفاقية دولة المقر التي تربطها بالدولة السودانية، والتي يبدو أن بعض الأطراف ذات الصوت العالي والمتطرف في قوى الحرية والتغيير، من المناوئين للتيارات الإسلامية، تدفع باتجاه إلغائها أو مراجعتها، إن لم يكن خرقها وتجريدها عمليا من أهميتها، بالتدخل في تشكيل مجلس أمناء وإدارات الجامعة.

ومن الواضح أن بعض هذه القوى لا ترتاح ابتداء لرسالة الجامعة المرتبطة بالهوية العربية الإسلامية. وقد ظهر ذلك من حرص وكيل وزارة الإعلام وعضو لجنة "إزالة التمكين"، السيد الرشيد سعيد، والذي يتهم بأنه شديد الحماس للأجندة العلمانية الإقصائية مع تركيزه على دور إذاعة الجامعة، والزعم بأن شكاوى وصلت حول محتوى ما تبث إلى دول الجوار السوداني، دون أن يبرز ما يعضد زعمه هذا.

إذن، فمن الواضح أن المسألة في مجملها فصل جديد من فصول صراع تشكل الهويات والأفكار، حتى وإن اتخذ ستار المراجعة القانونية والإدارية.
التعليقات (5)
عبدالحفيظ عيدروس
الأربعاء، 07-10-2020 03:20 م
اسال الله العلي القدير ان يحفظ الاسلام و المسلمؤن من كيد اعدا الين 0
عبد القا در علي عبدله
السبت، 16-05-2020 09:10 م
انا اريد اتعلم الجامعة قرن الافريقي في السوذان
ابوالحسن دفع الله احمد
الجمعة، 17-01-2020 05:48 م
لاشك ان دور جامعه افريقيا العالميه دور كبير فى نشر الثقافه الاسلاميه واللغه العربيه مما يزعج اعداء الاسلام فهم يريدون كتم الدعوه الاسلاميه واطفاء نورها ولكن هيهات لهم فها هى فرنسا تدخل منهج الاسلام على الاطفال وها هو الاسلام ينتشر فى اوربا وامريكا وسيكونون عضدا وسندا للافارقه والاسيويين وسيتم الله نوره وكل شئ لخير
حميده سويكت حميده
الجمعة، 17-01-2020 12:54 م
تقريبا اغلب المعلومات المذكورة صحيحة ولكن هذا لا ينفي وجود كم هائل من كوادر الحزب المحلول داخل الجامعة وان الجامعة تخضع بصورة مباشرة لادارة الاسلاميين وتقوم بتتفيذ اجندتهم وتتلقى دعم من المنظمات الاخوانية العالمية وجود جامعة بهذه المواصفات في ظل ثورة حقيقية استشهد من اجلها خير شباب السودان يعتبر شي غير منطقي طالما ان هذه الجامعة وبرغم رسالتها العظيمة ظلت حكرا لفكر معين وحزب معيين وملاذا لمفصولي الوزارات فلابد من التغيير فمجلس الامناء يحتوي على 25 عضوا من الاسلاميين والادارة بكاملها منهم فكيف تكون جامعة قومية تتخذ من ارض السودان مقرا لها والتعيين فيها يتم حسب الولاء وليس الكفاءة صاحب المقال حاول ذر الرماد في العيون بغض الطرف عن كوادر الحركة الاسلامية والامن الشعبي وكتائب الظل في الجامعة وكعادة الاسلاميين بدا قي اظهار انها حرب بين الاسلام والكفر لا يا صاحب المقال نحن في تجمع اساتذة جامعة افريقيا عانينا الامرين في مواجهة هذا الفكر الاقصائي المتحجر ولن نسمح باستمرار جامعة بمجلس امناء وادارة كيزانية محضة ولا بدعم اخواني عالمي ان الاوان لتشكيل مجلس امناء من شخصيات قومية غير حزبية وادارة من كوادر علمية مؤهلة ونزيهة وسنستمر في هذا الطرح لان جامعة افريقيا ليست جزيرة معزولة حتى لا تمسها رياح التغيير المعركة يا سيدي العزيز ليست بين الاسلاميين والعلمانيين كما تصور لنا بل هي بين فئة طاغية وفاسدة وظالمة قامت باقصاء الاخرين وانفردت بحكم البلاد 30 عاما وبادارة الجامعة دون مشورة او اشراك الاخرين د حميده سويكت كلية الطب جامعة افريقيا العالمية
محمود على ادم هوري
الأربعاء، 15-01-2020 08:04 م
رسالة الجامعة رسالة عالمية