قضايا وآراء

مكانة الجامعات العربية في تصنيف شانغهاي لعام 2019

امحمد مالكي
1300x600
1300x600
دأبت جامعة "شانغهاي جياوتونغ" الصينية منذ 2003 على إصدار تقرير سنوي خاص بتصنيف أفضل الجامعات في العالم، وقد أرادت الصين من هذا العمل الأكاديمي المستقل تحديد موقع الجامعات الصينية في مجال التعليم العالي، والسعي إلى تقليص الهوة بين جامعاتها والجامعات المتقدمة في العالم. أما المعايير المعتمدة في إجراء التصنيف، فتخص "جودة التعليم"، و"جودة هيئة التدريس"، و"مخرجات البحث"، و"حجم المؤسسة". وتتراوح موازنة التنقيط بين هذه المعايير الأربعة، بين تخويل كل من "جودة التعليم" و"جودة البحث العلمي" 80 في المئة، بمعدل أربعين في المئة لكل معيار، و10 في المئة على التوالي لكل من "جودة التعليم" و"حجم المؤسسة".

جدير بالتذكير أن خمسة عشر تقريرا صدر حتى نهاية 2018. ويقوم القيمون على التقرير بفحص ألفي جامعة في العالم من أصل عشرة آلاف جامعة مسجلة في "اليونسكو"، وتتوفر على المؤهلات المطلوبة للمنافسة. أما التصنيف المعتمد والمعلن عنه سنويا فكان يشمل حتى عام 2018 الخمسمئة جامعة الأولى.

تميز التصنيف الجديد لسنة 2019 بتوسيعه دائرة الجامعات التي يشملها الترتيب، حيث ارتفع عددها من 500 إلى 1000 جامعة. وقد حصل هذا لأول مرة منذ انطلاق تقارير جامعة شانغهاي عام 2003، مما أسفر عن نتائج إيجابية واضحة بالنسبة لبعض البلدان، وفي مقدمتها مجموعة محدودة من الجامعات العربية. فبقراءة متأنية لمضامين التصنيف الجديد (2019)، يُلاحظ تصدر الجامعات الأنجلوساكسونية قائمة التصنيف، تتقدمها الجامعات الأمريكية، بـ206 جامعات ضمن التصنيف الموسع، أي 100 جامعة، بما يساوي 20.6 في المئة، و137 جامعة في التصنيف الضيق، أي 500 جامعة، بما يعادل 27.5 في المئة. أما بالنسبة لمئة أفضل جامعة في العالم فوصل نصيب أمريكا إلى 40 في المئة، ووصلت نسبة الجامعات الأمريكية في عشرين أفضل جامعة إلى 16، أي ما يساوي 80 في المئة، وإلى جانبها ثلاث جامعات بريطانية هي: أوكسفورد وكامبردج ولندن كوليج، وجامعة سويسرية واحدة هي "المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا" في زوريخ.

سمح التصنيف الموسع لعام 2019 بإمكانية دخول جامعات عربية جديدة دائرة الترتيب ضمن الألف جامعة الأولى وفق معايير جامعة شنغهاي. فبعدما كان تصنيف الجامعات العربية ضمن الخمسمئة جامعة الأولى مقتصرا على دولتين اثنتين، هما: المملكة العربية السعودية ومصر، أضيفت إليهما ضمن التصنيف الجديد (2019) أربع دول عربية، هي: لبنان، والإمارات، وسلطنة عُمان وتونس، علاوة طبعا على السعودية ومصر، وهو ما يعني أن نصيب البلاد المغاربية من تصنيف جامعة شانغهاي اقتصر على تونس (جامعة تونس المنار)، دون سواها من الجامعات المغاربية الأخرى. أما إسرائيل التي لا يتعدى سكانها 2 في المئة من سكان العالم العربي، فتمثلت بسبع جامعات، ست في التصنيف الأول (500 جامعة)، وواحدة في التصنيف الموسع لعام 2019.

لم تعد عوامل تخلف الجامعات العربية، ومنها المغربية، في التصنيف العالمي للجامعات خافية أو غير معروفة، فقد أبانت العديد من الدراسات المسحية مصادر هذا التخلف، وفي مقدمتها ضعف "الإنفاق المحلي الإجمالي في البحث العلمي والتطوير"، حيث لا تتجاوز نسبته في البلاد العربية 3 في المئة، وهو ما يعني أن نصيب البلاد العربية من الإنفاق الإجمالي العالمي على البحث العلمي والتطوير لا يتجاوز واحداً في المئة، دون احتساب الأضرار الناجمة عن الصرف النوعي لهذا الإنفاق، حيث تلتهم أجور الأساتذة والباحثين قسطاً مهماً منها، دون أن تخضع لمعايير موضوعية مبنية على كفاءة الإنتاج العلمي ونوعيته، ودون أن ترتبط بمعيار التقييم المستمر لأداء الأساتذة، والتحفيز المبني على النتائج المحصل عليها بشكل موضوعي.

يمكنُ الاستنادُ في تفسير تواضع مكانة الجامعات العربية في التصنيف العالمي، إلى نصيب هذه الأخيرة من الإنتاج العلمي العالمي، حيث لم يتجاوز في العام 2014 نسبة 2.4 في المئة. ومن حيث مؤشر براءات الاختراع، فمن 277832 براءة اختراع في العالم عام 2013، مسجلة لدة منظمة الوايبو، لم يكن نصيب العالم العربي بكامله أكثر من 492 براءة اختراع، وهو ما يساوي 0.17 في المئة لا أكثر. وإذا وسعنا دائرة الجامعات في تصنيف شانغهاي لعام 2019 ليشمل الدول الإقليمية، نلاحظ أن هناك دولتين كان لهما نصيب بارز من حيث الترتيب، حيث حظيت إيران بتصنيف 13 من جامعاتها ضمن تقرير 2019، بينما كان نصيب تركيا 12 جامعة في التقرير ذاته.

يمكن للبلاد العربية أن تكون لها مكانة مشرفة في الترتيب العالمي للجامعات، إن تمكنت من تجاوز الأسباب البنيوية المُعيقة لتطورها العلمي والمعرفي، وهو في الواقع ما تحاول جاهدة بعض الجامعات في عدد محدود من الدول العربية القيام به. فأول خطوة أن يتحول البحث العلمي وإنتاج المعرفة قضية استراتيجية مرتبطة بمشروع مجتمعي واضح ومتوافق حوله، وأن تتوفر لها كفاءات وطنية مُخلصة، ومقتنعة بأن البحث العلمي وإنجاح التعليم وبناء مجتمع المعرفة أولوية الأولويات، طريق سالك للنهضة الحقيقية والتنوير، وقبل ذلك أن يحصل الاقتناع بضرورة فصل المجال المعرفي والأكاديمي عن المجال السياسي، بما يجعل بناء رؤية حول التعليم وتحديد أدوات تنفيذها، وبث روح الجدارة والاستحقاق، والحرص على التدبير السليم والنزيه، من اختصاص من يعملون صادقين من أجل هذا الأفق، وليس لعبة سياسية يتهافت عليها "السياسيون" ومن في حكمهم، من "مُدعي العلم والعلم بريء منهم"، ومروجي التفاهة، ومناصري الضحالة العلمية والمعرفية.
التعليقات (0)