قضايا وآراء

هل تنجح إيران بطرد أمريكا من العراق؟

مأمون أبو عامر
1300x600
1300x600
جاء اغتيال قاسم سليماني ليسلط الضوء على واقع التواجد الأمريكي في العراق. ومع إعلان القادة الإيرانيين بصراحة أن انتقامهم لمقتله سيكون عبر تحقيق الهدف الإيراني بطرد القوات الأمريكية من العراق، بعد أن خرجت أمريكا من العراق من بوابة المقاومة العراقية وعادت من بوابة داعش الإرهابية، فهل تنجح إيران بتحقيق انتقامها من واشنطن بطردها من العراق؟

بالعودة لإعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 أن الحرب في العراق قد انتهت بعد تسعة أعوام، وأن بلاده ستكمل سحب قواتها من العراق بنهاية اليوم الأخير من العام الحالي، هذا الانسحاب الذي جاء تنفيذا لاتفاق تم التوصل إليه عام 2008 بين البلدين، لكن واشنطن وبغداد كانتا تجريان مفاوضات لإبقاء بضعة آلاف من الجنود لتدريب الجنود العراقيين. وسعى البيت الأبيض إلى إبقاء قوة تصل حوالي 10 آلاف جندي، نظراً إلى التكاليف وموقف أوباما المتمثل بضرورة "الانسحاب الكامل" باستثناء بعض العسكريين للتدريب.

بعد الانسحاب الأمريكي في نهاية عام 2011 تبين أن أوباما سلم العراق على طبق من ذهب إلى إيران، عبر تسليم البلاد لنوري المالكي، والأخير قام بتهميش شريحة كبيرة في العراق، لذا دخل العراق في حالة فوضى. واستفادت عناصر "داعش" من هذه الفوضى وتمكنت خلال فترة قصيرة من السيطرة على 40 في المئة من الأراضي العراقية، مما اضطر العراق إلى الاستعانة بالقوات الأمريكية مرة أخرى.

شرعنت أمريكا عودتها للعراق وتحرّكها على أراضيه بموجب اتفاقية التعاون الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية مع بغداد؛ التي تنصّ الفقرة الأولى في المادة الرابعة منها على أنه يحقّ للحكومة العراقية أن "تطلب المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق"، وبناء على ذلك تدخّلت القوات الأمريكية في العراق لمحاربة "داعش" وتمددت إلى سوريا لاحقا.

مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة، أعلن في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 استراتيجية جديدة في التعامل مع إيران، وتتضمن الاستراتيجية الجديدة سبعة عناصر أساسية منها: تحييد التأثير المزعزع للاستقرار للحكومة الإيرانية، وكذلك تقييد عدوانيتها ودعمها للإرهاب، وإعادة تنشيط التحالفات الأمريكية التقليدية والشراكات الإقليمية لمواجهة التخريب الإيراني وإعادة التوازن والاستقرار في المنطقة، مما يشير إلى نية ترامب إلى إعادة رسم خريطة القوة في المنطقة ولجم إيران من بوابتها في المنطقة، وهي العراق.

في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2018، وفي زيارة مفاجئة لقاعدة عين الأسد للاحتفال مع القوات الأمريكية المتواجدة هناك عيد الشكر، أعلن ترامب أنه لا توجد خطط لانسحاب الولايات المتحدة من العراق. والملفت أن الرئيس ترامب قام بزيارة القاعدة من دون أن يبلغ الطرف العراقي صاحب السيادة، مما أثار حفيظة الجانب العراقي. منذ ذلك الوقت كان واضحا أن ترامب ليس بنيته التعامل مع الحكومة العراقية في ما يخص تواجد القوات الأمريكية هناك، باعتبار هذا التواجد أمرا لا نقاش فيه، ولذلك برر الرئيس الأمريكي قرار سحب قواته من سوريا بأنه سيكتفي بتواجد القوات الأمريكية غرب العراق للتدخل وقت الحاجة.

وهذا ما أكد عليه في 3 شباط/ فبراير 2019 في مقابلة مع شبكة "سي بي أس" الأمريكية، من أن أحد الدوافع وراء رغبته بإبقاء القوات الأمريكية في العراق، هو أنه يريد مراقبة إيران على نحو ما، لأنها تمثل مشكلة حقيقية. وفي 19 شباط/ فبراير 2019، في محاولة لامتصاص الغضب العراقي، صرح القائم بأعمال السفارة الامريكية، جوي هود، بأن "القوات الأمريكية هنا بدعوة مباشرة من الحكومة العراقية". وقال إن "الحكومة العراقية لو دعتنا إلى الخروج فسنخرج، وليس فقط نحن بل جميع قوات التحالف والناتو"، وأضاف: "كذلك المستثمرون الأجانب"!! في رسالة تهديد واضحة للحكومة العراقية بأن الانسحاب يعني الفوضى.

والآن بعد أن تدحرجت الأمور في العراق بعد المطالبات الشعبية بوقف التدخل الإيراني من العراق، وما أقدم عليه حلفاء إيران من ردود فعل باتجاه السفارة الأمريكية وقصف قاعدة عين الأسد الذي أدى إلى مقتل متعهد أمريكي، والذي ردت عليه واشنطن اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني في بغداد، ودخول المواجهة بين البلدين مرحلة حرجة على الساحة العراقية، يُطرح سؤال: هل تستطيع طهران أن تنفذ تهديداتها وتجبر ترامب على سحب قواته من العراق تحت التهديد باستنزاف القوات الأمريكية المتمركز في 12 قاعدة عسكرية، لتحقيق مكسب استراتيجي تعتبره طهران أهم من فكرة الانتقام، وهو هدف ضحى سليماني من أجله؟ أم أن إيران ستحاول التفاوض مع واشنطن من خلال الضغط على هذه القواعد عبر الاستنزاف لإجبارها على الرحيل؟ والذي بدأت به طهران من خلال قرار من مجلس النوب العراقي يطالب بسحب القوات الأمريكية من البلاد، لشرعنت هذه المعركة.

واشنطن تدرك أن هذا الطلب هو بإيحاء من طهران، بدليل أن أعضاء البرلمان السنة والكرد امتنعوا عن تأييد الطلب. وبالنظر إلى مواقف ترامب المعلنة حول الوجود الأمريكي في العراق، لا يبدو أن واشنطن تقبل تقديم تنازلات لطهران في هذه الساحة ما لم تقدم طهران من جانبها التنازلات الضرورية في ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق جديد حول القضايا التي تطرحها واشنطن، بدءا من البرنامج النووي، والصاروخي الباليستي، وانتهاء بالأنشطة الإيرانية في المنطقة التي تستهدف حلفاء واشنطن في المنطقة.

الرد الأمريكي على هذه المطالب جاء على لسان ترامب نفسه في لقاء مع فوكس نيوز: "يتعين على الحكومة العراقية دفع الأموال لدافعي الضرائب الأمريكيين، إذا أرادت سحب القوات الأمريكية من هناك". وتقدر هذه الأموال بأكثر من ترليوني دولار.

وأضاف: "أنشأنا في العراق إحدى أغلى منشآت المطارات في العالم. إذا غادرنا فعليهم أن يدفعوا الأموال مقابل ذلك"، علاوة على تهديده بعقوبات لم ير العراقيون مثلها، وهذا ما يذكر بالعقوبات النفطية على بلد يعتمد في 90 في المئة موارده المالية على تصدير النفط، وهو ما يجعل فرض العقوبات أمرا كارثيا، وهو أمر لا يمكن لطهران العاجزة عن فعل شيء والتي تستفيد من استثناء العراق من فرض العقوبات على طهران؛ أن تحول طلب البرلمان العراقي بسحب القوات الأمريكية مجرد فرقعة إعلامية.

مما لا شك فيه أن ترامب قد حزم أمره بأن التواجد الأمريكي في العراق جزء من استراتيجية شاملة؛ لا يمكن لطهران أن تجبر واشنطن على التخلي عنها إلا "بتسوية"، عبر تقديم التنازلات التي تطلبها واشنطن، أو "مغامرة عسكرية" عليها أن تبدأ في تنفيذها. فهل تفعلها طهران مستخدمة المليشيات الشيعية الموالية لها في العراق؟ الأرجح أن هناك شكا في ذلك لأنها لا تأمن ردة فعل ترامب!!
التعليقات (1)
عبدالله العقاد
الثلاثاء، 14-01-2020 05:14 م
في تقديري أن إيران قادرة على إيجاد ظروف قاهرة ستجبر امريكا على الانسحاب من العراق، وأن المراهنة على خلق فوضى في الساحة العراقية تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة ولن يكون مستفيد من هذا الفراغ أكثر من إيران. ولهذا ستكون الساحة العراقية ساخنة في الأيام القادم بل ستزداد سخونة.